مبادرات "خيرية" متعددة أطلقتها العديد من المؤسسات خلال شهر رمضان المعظم حاول من خلالها أصحابها استجداء المجتمع التونسي للإقبال على منتوجاتهم حتى يتمكنوا من جمع فوائض يتولون بها تأمين خدمات لهذه الفئة أو تلك من المحتاجين. هي مبادرات أطلق معها أصحابها حملات إعلامية ضخمة أوحت بما لا يدع مجلا للشك بأنها نظمت لإغراض تجارية بحته بعيدة كل البعد عن العمل الخيري. وكنا قد نبهنا إلى هذا من خلال موضوعنا الذي نشرناه بتاريخ 4 أوت 2011 تحت عنوان "كثرت المبادرات لكن ماذا؟ مؤسسات تونسية تتفنن في استغلال الفقر في مشاريع خيرية ظاهرها خيري وباطنها غامض". وخصصنا في الموضوع المشار إليه حيزا كبيرا للاتفاقية التي أمضيت يوم 27 جويلية 2011 بين وزارة التربية ومؤسسة السنبلة الذهبية تتولى بمقتضاها هذه المؤسسة توفير حافلات تؤمن النقل المدرسي لتلاميذ الارياف بالجهات الداخلية للبلاد. واعتبرت المؤسسة من خلال ندوة صحفية نظمت للغرض أن هذه المبادرة هي "حركة مواطنة أولى من نوعها يقوم بها مستثمر تونسي وتهدف إلى مساعدة التلاميذ الذين يعانون صعوبات التنقل...الخ" وكنا أشرنا في موضوعنا هذا إلى أن الأمر لا يستقيم بين النية المعلنة والممارسة الفعلية ذلك ان مؤسسة السنبلة الذهبية سوف لن توفر أي شيء من مالها الخاص لهذه العملية كما سنرى لاحقا. استنكار ولكن..! وقد أحدثت هذه "المبادرة الخيرية" ردود فعل مختلفة حيث تم شجبها من طرف عديد الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني إلى جانب عديد المؤسسات الاقتصادية من نفس اختصاص السنبلة وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الأخرى التي اعتبرت أن هذه العملية تصنف في خانة التنافس غير الشريف وربما لم تكن لتعتبر كذلك لو تم تشريك كل المؤسسات التي ترغب في المساهمة في هذا "المجهود" الاجتماعي الخيري. طبعا كل ردود الفعل هذه والمطالبة بالالتحاق بهذه المبادرة لم تجد أذانا صاغية..وتمتعت "السنبلة الذهبية" بالإشهار مجانا حسب تأكيد مصدر من التلفزة الوطنية على شاشة القناة الوطنية الأولى طيلة شهر رمضان لتمرير فكرة شراء الحافلات مقابل الإقبال على منتوجاتها. "السنبلة" تماطل! ومتابعة منا لهذا الملف "الشيق والمثير" اتصلنا نهاية الأسبوع الماضي بالمؤسسة المعنية وطلبنا منها مدنا برقم مداخيل شهر رمضان في إطار "حملتها الخيرية" وكم ستخصص لشراء الحافلات ونحن على أبواب العودة المدرسية لكن تمت مماطلتنا لمدة ثلاثة أيام ثم وفي آخر اتصال بالمعنيين بالأمر بهذه المؤسسة قيل لنا إنه لا يمكن مدنا بهذه المعلومات وعلينا انتظار الندوة الصحفية التي ستنعقد للغرض. اتجهنا إلى وزارة التربية وهي الطرف الرئيس في هذه العملية لإأفادنا مصدر موثوق مشكورا أن الاتفاقية الممضاة مع مؤسسة السنبلة الذهبية وفرت مبلغ 400 ألف دينار وستوفر مؤسسة السنبلة الذهبية تبعا لذلك أربع حافلات..! وقد عبرنا عن استغرابنا لضحالة المبلغ الذي وفرته هذه المبادرة وهو ما يختلف مع ما تعهدت به المؤسسة في الاتفاقية ألا وهو توفير حافلات لنقل تلاميذ الأرياف ولا يمكن بأي حال أن تقوم 4 حافلات بتغطية حاجيات تلاميذ الأرياف والمناطق المعزولة. كما سألنا مصدرنا بوزارة التربية لماذا لم تحاول الوزارة تشريك أكثر من مؤسسة في هذه العملية والحال أن العديد من الأطراف عبرت عن استعدادها للمساهمة في هذه المبادرة فكان الجواب أن عملية حصر المبلغ الذي خصصته مؤسسة السنبلة الذهبية (400 ألف دينار) تمت عن طريق محاسب وهو مبلغ تعتبره الوزارة هاما أما بالنسبة لتشريك أطراف أخرى في هذه المبادرة فقد أكد نفس المصدر أن الوزارة تركت هذه المبادرة مفتوحة امام كل الراغبين في المشاركة فيها وقد أصدرت بلاغا في هذا المعنى. طبعا بين رفض "السنبلة الذهبية" مدنا بالمعطيات الكاملة حول هذه العملية وما مدنا به مصدر وزارة التربية من حقنا أن لا نكون مقتنعين. فإذا كان مبلغ 400 الف دينار قد أعلنت عنه وزارة التربية واكتفت به لماذا رفضت المؤسسة المعنية "السنبلة الذهبية" مدنا به؟ مغالطات وإذا أطلقنا العنان للاستنتاجات وهو من حقنا في ظل الضبابية للنتائج التي أسفرت عنها هذه المبادرة فإنه يتبين لنا ما يلي: 1)أن هذه العملية أو المبادرة التي أطلقتها اتفاقية 27 جويلية الموقعة بين وزارة التربية ومؤسسة "السنبلة الذهبية" لم تحترم التراتيب والقوانين الجاري بها العمل في المجال. 2) أن مؤسسة 'السنبلة الذهبية" غنمت أكثر مما قررت ان تعطي للطرف المقابل ذلك أنها مررت حملة اشهارية ضخمة أوهمت بها المستهلك التونسي أنها ستتولى شراء حافلات لتلاميذ الارياف ومن الاكيد أن هذه الحملة قد رفعت في كمية أو معدل مبيعات هذه المؤسسة مع العلم أن منتوجات العجين مدعومة وهذا يعني أن هذه المؤسسة قد تمتعت خلال شهر رمضان المعظم بدعمين الأول آلي ومقنن والثاني من مجهود المواطنين الذي توجهوا لشراء منتوجات السنبلة الذهبية حتى توفر حافلات لتلاميذ الارياف. 3) لو قمنا بعملية حسابية بسيطة فإننا نجد أن مؤسسة السنبلة الذهبية وفرت على نفسها نفس المبلغ (400 ألف دينار) مقابل الحملة الاشهارية الضخمة التي تمتعت بها مجانا طيلة شهر رمضان إلى جانب الدعم الرسمي والدعم الجماهيري في الإقبال على منتوجات السنبلة الذهبية وبالتالي الرفع في رقم مبيعات هذه المؤسسة إضافة إلى ما ستتمتع به من إعفاء ضريبي على مبلغ 400 ألف دينار التي ستدخل في حساباتها على أساس أنها عمل خيري. وهذا ما يعني في نهاية الأمر أن مؤسسة "السنبلة الذهبية" قامت بعملية اشهارية مجانية وهي تستعد لتوفير أربع حافلات مما وفرته من هذه المبادرة من ارباح دون أن تدفع من ميزانيتها أي شيء!