الرجل الذي حكم ليبيا بلا دستور ولا مؤسسات حتى جعل منها مملكة خاصة جدا ، الرجل الذي اتخذ جلّ قراراته السياسية من ينبوع أنانيته المتضخمة فيه، مغيبا شعبه الذي احتضر مبدعوه وحوصرت أدمغة مفكريه ومثقفيه ،... ورمى به في غياهب الجهل فقط ليرضي غروره ويشبع أنانيته . وها نحن اليوم نشهد سقوط معمّر القذافي آخر ديكتاتور عرفته شعوب شمال افريقيا ، وتهاوت شعاراته الثورية الزائفة التي طالما رددها ، ورفع الغطاء ليظهر بأنه لم يكن سوى جلاد شعب جثا على صور الأشقاء الليبيين أكثر من أربعين سنة ، أهدر فيه ثروات الشعب من النفط التي لا يعرف منها المواطن إلا القليل،كما عمد إلى تجهيله بإفساد التعليم وتهميش برامجه وحرمه من مستوى دراسي جيّد لتشتيت غاياته ، وحرمه بالخصوص من بناء دولة لها أجهزة ونظام إداري ونظام حكم ، إذ أن نظامه قد غابت عنه الهيكلة القانونية وأن التساؤلات المطروحة الآن خاصة بعد الخسائر المادية والبشرية بخصوص إعادة البناء .فأي نظام سياسي سيختار الشعب الليبي ؟وما هو الاتجاه الذي سيسلكه نحو تقرير مصيره ؟ والحال أن المجتمع الليبي لا يزال فيه القبائل التي تحظى بمكانة كبيرة ، فهل سيتجه الليبيون إلى نظام سياسي ذي نزعة إسلامية ، لما للتيارات الدينية من تأثير وتغلغل في المسائل الدينية في عقلانية المواطن الليبي ؟ وهل سيتمكن الحراك السياسي في ليبيا من الدّفع إلى نظام ديمقراطي يراعي حقوق الإنسان لتوفير ضمانات المواطنة ؟ سقط طاغية آخر من طغاة الحكام العرب وزال حكمه المستبد الحاكم الطاغية الظالم الذي لم يحرص على تحقيق رغبات مجتمعه والذي لم يكن في خدمة شعبه ، ترك الحكم لغيره ، وقد كشفت ثورة تونس ومصر وليبيا مدى تغلغل الفساد المالي والسياسي في السلط الحاكمة ، وحقائق مفزعة خرى .والحقيقة أن الملك يزول والملوك يزولون وتبقى الشعوب. ففي أواخر التسعينات صارت الولاياتالمتحدة وبريطانيا في اتجاه تعميق عزلة ليبيا عربيا ودوليا لخنقها ، وتم تسهيل مسألة اسقاط النظام الليبي الذي جرى الاعداد لها من قبل جبهات المعارضة ، وبدعم من الخارج وبعض الأطراف في الحكم الجزائري التي سجلت على معمر القذافي قيامه بإرسال الأسلحة والأموال إلى تنظيمات اسلامية مسلحة . وقد تواصل هذا التوجه وشهدت ليبيا مزيدا من التركيز عليها في ما يتعلق بمسألة "الإرهاب" خصوصا وأن القذافي يحاول دعم بعض الإرهابيين القدامى مثل " أبو نضال " و"كارلوس" كما سعى للتلويح بهم كورقة في وجه الغرب ، إلا أن التنسيق الإيراني الليبي كان ورقة إضافية في يد الغرب كدليل على رفض النظام الليبي الامتثال إلى منطق الشرعية الدولية وإدانة الإرهاب .وحيث كان من المتوقع أن تصل المواجهة مع طرابلس إلى حدود توجيه ضربة عسكرية من الخارج ، إلا أن الغرب وفر جهوده مركزا على دعم التمرد الداخلي بعد أن تكون جبهة القذافي قد تفككت بتوافر من يقوم بذلك داخل المؤسسة الحاكمة . وانّ التبريرات التي يطلقها الغرب محاولا تأكيد حسن نواياهم وغاياتهم "النبيلة" والتي يهدفون إليها من خلال تدخلهم العسكري في ليبيا لا أساس لها من الصحة و ليس لها صلة بالواقع ، بما أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا والغرب لا يرون اختلافا بين نظام القذافي ونظام "ستالين" و" موسوليني" وغيرهم فلا يقتلع أحدهم إلا بالدم وهو ما يحصل بليبيا وللأسف . ونتيجة لسياسة القذافي بما في ذلك تحالفه مع الجيش الجمهوري الارلندي ضدّ المملكة المتحدة البريطانية أثار ضدّ نظامه كل القوى الدولية لتنحيته وكان ذلك باستعمال القوة أو بأيّ بطريقة أخرى ، لكن التدخل العسكري بهذا الشكل يتعارض مع القرار الدولي ، لأن القرار الذي صدر عن مجلس الأمن ينص على ضمان الحضر الجوي لحماية السكان المدنيين ولكن في الحقيقة لقد جرى تسديد ضربات جوية إلى الدبابات وغيرها من المواقع التي لا علاقة لها بمنظومة الدفاع الجوي الليبي ، واستعملت حاملات الطائرات الفرنسية " شارل ديڨول " وعلى متنها طاقمان متكوّنان ن من 1800 فرد وقرابة عشرين طائرة بريطانية والتي استعملت " تورنادو" GR4 السريعة والتي حلقت ثلاثة آلاف ميل ، من بريطانيا والعودة ، وهو أطول مدى نفذته القوات البريطانية منذ حرب الفوكلاند في سنة 1989 . ولم تتأخر الولاياتالمتحدة عن المشاركة في العملية العسكرية بتسعة عشرة طائرة حربية بما في ذلك طائرات فيلق البحرية من طراز " هارير" ومقاتلات الشبح " بي2" التابعة لسلاح الجو ، وبطائرات "أ ف 18" و "أ ف16 " ، فللولايات المتحدةالأمريكية باع في الحروب فلن تتأخر أبدا عن فرض سيطرتها بكل الوسائل والطرق وهذا ليس بغريب عن السياسة الأمريكية ، ولأمريكا في الدول العربية شؤون! رياض السهيلي