موازاة مع الانطلاقة الأولى للتحرك الجماهيري في عدد من الدول العربية ضدّ الأنظمة الدكتاتورية أشار بعض السياسيين العراقيين ... إلى أن تلك الثورات العربية إنما تمثل محاكاة للتجربة العراقية متناسين أن الجماهير العربية منذ انتفاضتها على أنظمتها المستبدة كانت قد استحضرت بوضوح وبحساسية مفرطة التجربة العراقية. مظاهر الفشل كان يمكن للتجربة العراقية وعقب التخلص من نظام صدام حسين أن تصبح أنموذجا يحتذى به في الوطن العربي لو لم يتم تركيب العملية السياسية العراقية "على عجلات صالحة للاستعمال" كما قال أحد المعلقين العراقيين لتتماشى مع طموحات المجتمع العراقي وإرثه الحضاري والتفاني المسكون بالتعايش السلمي بين مختلف الطوائف والأعراف على مدى التاريخ بدلا من الانفتاح على البؤس والحرمان وغيرها مما أحدثته العملية السياسية الجديدة المرتكزة على الفرقة والتقسيمات الطائفية. الشارع العراقي لم يلاحظ وهو يخوض كما يقال " معركة الحرية" في التجربة العراقية ما يشده إليها بعد أن امتدت إلى 8 سنوات دون أن يحقق أي إنجاز أو مشروع متكامل على صعيد إعادة البنية التحتية المهشمة أو على صعيد الفضاء الثقافي . ومنذ عام 2003 والعراق بلا كهرباء وبلا خدمات حقيقية تشعر المواطن العراقي ببارقة الأمل فيما البطالة المتفشية تمثل مظهرا من مظاهر اليأس والاحباط ، كما أن الفساد المالي ضرب أطنابه في كل الدوائر الحكومية وعرضها إلى جانب الأعمال الإرهابية التي لا تنفك تحصد العشرات من أرواح العراقيين وكل هذا الوضع المتردي يعود بالدرجة الأساسية إلى طبيعة التركيبة السياسية الخاطئة والقائمة على أسس مذهبية وعرقية ألهت الساسة عن مصالح العراق والعباد . مسؤولية الجميع إن الوضع العراقي الجديد لا يتحمل مسؤولية أحد دون آخر من السياسيين بالخصوص فكلهم وبلا استثناء في حلبة صراع ساخنة لا خاسر فيها سوى الشعب العراقي . ومثل هذا الوضع الهش شجع الكثير من دول الجوار على التدخل وبسط نفوذها في العراق والتحكم ولو عن بعد في الوضع القائم مستندين في ذلك إلى إرادة العديد من السياسيين العراقيين لأنهم وبسبب صراعاتهم الدّاخلية شعروا بالحاجة إلى مثل هذا النفوذ الخارجي حتى بلغ الأمر إلى أن الخلافات الداخلية والخارجية أصبح حلها موكولا إلى التدخل الخارجي لأن الأطراف السياسية وكما سبقت الاشارة إلى ذلك أصبحت مشدودة للولاءات الخارجية المختلفة أكثر من انشدادها للداخل العراقي . أساليب ترقيعية وتوافقات هشة واللافت أن كل المعالجات للمشاكل الداخلية في بلد مثل العراق كانت قد اعتمدت منذ بداية العملية السياسية الجديدة إلى ما يسمّى ب " الحلول الترقيعية" وكذلك إلى التوافقات الهشة التي سرعان ما تنهار لتعود الساحة العراقية من جديد إلى بؤر من التوتر . الحكومة العراقية الحالية وحتّى الحكومات التي قبلها أنجبتها التوافقات أكثر من الانتخابات وبالتالي فإن أي خرق أو تفسير لحالة يختلف حولها الفرقاء يمكن أن يشلّ الأداء الحكومي أو البرلماني بصراعات يظل المواطنون العراقيون يتفرجون عليها بانتظار احتواء هذه الأزمة أو تلك . وفي الوقت الراهن والذي تتواصل فيه النقاشات والجدل بين " دولة القانون" كما تسمى بزعامة رئيس الحكومة نوري المالكي والقائمة العراقية بزعامة إياد العلاوي ، انفتحت الساحة على صراع جديد بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان على خلفية قانون النفط الذي دعا رئيس الإقليم مسعود البرازاني إلى سحبه معتبرا إياه مخالفا للدستور . داعيا إلى تفعيل إعادة 140 من الدستور فيما تؤكد جبهة المالكي أن الجانب الكردي قد تجاوز حدوده وأكثر مما ينبغي في تعاطيه مع مجمل القضايا التي تهم البلاد . إيران والاطاحة بالمالكي بموازاة ذلك تؤكد مصادر كثيرة أن إيران كانت قد استضافت عدة شخصيات عراقية في الفترة الأخيرة أبرزها الرجل الثاني في " حزب الدعوة" وهو وزير التعليم العالي الحالي علي الأديب وكذلك نائب الرئيس العراقي السابق ويدعى عادل عبد المهدي إضافة إلى رئيس الحكومة السابق وهو إبراهيم الجعفري ، وقد اشتمّ المحللون والمراقبون للشأن العراقي من وراء استضافة طهران لهذا الثلاثي الذي يمثل على الصعيد الطائفي سنة وشيعة العراق رائحة طبخة سياسية إيرانية تعتزم طهران من ورائها الإطاحة بحكومة المالكي بهدف تشكيل حكومة أغلبية بقيادة شخصية عراقية أخرى غير نوري المالكي يرجح ان يكون الدكتور أحمد الجلبي وذلك بسبب التذمر وشكاوى التحالف العراقي الذي يضم عدة أحزاب عراقية متشكلة منها الحكومة العراقية الحالية مما وصف ب "تفرد" نوري المالكي بالقرارات بما يخالف الاتفاقات المبرمة بين مكونات ذلك التحالف السياسي . طهران وجهت وبالتوازي مع ذلك دعوة إلى رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي وذلك في سياق التوجه الإيراني الجديد في رسم الخارطة السياسية العراقية الجديدة وإجراء تحالفات جديدة لقلب حكومة المالكي واستبدالها بحكومة أخرى مقبولة من أغلب الطوائف العراقية . إن قراءة لعموم المشهد العراقي الحالي الذي ظل منذ الإطاحة بنظام صدام عام 2003 ملتبسا وغامضا وبالتالي لا يمكن الحديث في الحالة العراقية عن " ربيع عراقي" على شكل " الربيع العربي" الذي فجر تطلعات الشعوب العربية في تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا والقائمة قد تطول من أجل التخلص من ديكتاتوريات وطغاة عرقلوا تطلعاتهم لدول ومجتمعات ديمقراطية وبناء مستقبل واعد . إن حديث بعض السياسيين العراقيين عن محاكاة الحراك الشعبي الحالي الذي شهدته عدة دول عربية للتجربة العراقية لا يمت للواقع بصلة والمقارنة لا تجوز لعدة أسباب اهمها ان الحراك الشعبي في تونس ومصر مثلا قام بإرادة الشعبين التونسي والمصري في حين أن ما حصل في العراق هو عملية نسجت خيوطها أمريكا وقوى غربية واقليمية أخرى بما فيها إيران للإطاحة بنظام صدام حسين . إن ما حصل في العراق لا يعدّ ثورة قادها الشعب بقدر ما هي مؤامرة أمريكية اسرائيلية بالخصوص لاحتلال البلاد والاستحواذ على نفطها وكان الشعب العراقي وقودها ، في حين أن من أطاح بالنظامين في تونس ومصر هما الشعبان التونسي والمصري .