وزارة العدل تنظّم دورة تكوينية حول منظومة التصرّف في المخزون    الخارجية الإماراتية: نرفض الزج باسم الإمارات في التوتر الحاصل بين الأطراف اليمنية    عاجل: تفاصيل توقيت عمل مكاتب البريد غدوة    عمادة الأطباء تشدد على ضرورة الحصول الأطباء على ترخيص مسبق قبل أي ظهور إعلامي    زغوان: حجز580 كلغ من العسل وأكثر من 700 كلغ من المرطبات    عاجل/ أحكام بالسجن بين 30 و40 سنة في حق هؤلاء..    إعطاء الطفل هاتفاً قبل هذا العمر مضر جداً.. دراسة تفجرها وتكشف حقائق خطيرة..    ميزان الدفوعات في أفق 2026: استراتيجية لتعزيز الاستقرار المالي والصمود الاقتصادي    تحذير لكلّ تونسي: حتى الإعجاب بالمنشور يعرّضك للمسؤولية القانونية، خليك واعي!    عاجل: اليوم آخر أجل لخلاص معاليم الحج...فرصتك في الساعات القليلة القادمة    عاجل: هذا موعد الأيام البيض لشهر رجب    تنظمها سفارة إيران عشية اليوم: رهان تحرير القدس محور ندوة فكرية    وليد الركراكي:"من الآن فصاعدا كل المباريات ستكون بمثابة نهائي"    سحابة شمسية قوية تصل الى الأرض ليلة راس العام: علم الفلك يكشف التفاصيل    الفوترة الإلكترونية في تونس: خطواتك باش تكون في السليم    هل تحارب الفوترة الإلكترونية الاقتصاد الموازي أم تعمّق أزمة المؤسسات؟    شركة عجيل تنتدب عدّة إختصاصات: سجّل قبل 20 جانفي 2026    عاجل/ في أول تصريح لها: والدة الطفلة التي دهستها حافلة قرب شلالات بني مطير تكشف..    حمام الأنف: الكازينو التاريخي باش يترمّم ويرجع يلمع من جديد ...شوفوا التفاصيل    عاجل: هذه القناة العربية مفتوحة مجانية لنقل ماتش تونس تنزانيا    على هامش اشغال اللجنة المشتركة التونسية السعودية ، وزير الإقتصاد يجري لقاءات ثنائية    علاش نحسّو شهر ديسمبر طويل؟    عاجل: فطر قاتل مقاوم للدواء ينتشر في 61 دولة ويهدد الصحة...شنوا الحكاية ؟    المسدي تنشر إجابة رئيسة الحكومة في ملف الصحفيين القطاري والشورابي    تونس تحدّد سقف الفوائد على القروض الصغيرة: شنوا يعني هذا للمواطن؟    كونكت تطالب وزارة التجارة بتخفيض سعر القهوة وتحذّر من سيطرة المهربين على القطاع    السجن لمنفذ عملية "براكاج" لطالبة..وهذه التفاصيل..    هذه هي فرص نسور قرطاج للتأهل إلى ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا 2025    أفلام عربية متفوّتهاش ليلة رأس العام    كاس امم افريقيا (المغرب 2025) : برنامج مقابلات اليوم الثلاثاء    عاجل: شهر رمضان يتكرر للمرة الثانية في عام واحد    تونس من بين الدول المعنية به..تعرف على موعد أطول حالة ظلام دامس بالأرض خلال قرن..    حصيلة أبرز الاحداث الرياضية لسنة 2025 (الثلاثي الثالث)    خلال حملة مراقبة: حجز 100 خبزة مرطبات بهذه الولاية..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد فضيحة اللحوم الفاسدة التي تم توريدها..الملف يحال الى القضاء والرابحي يفجرها ويكشف..    تونس تحتفل بكأس إفريقيا للأمم مع مبادرات TotalEnergies لتعزيز الإدماج والمشاركة    حجز منتجات بحرية فاسدة بمطعم فاخر في سوسة: صاحبه ق يُواجه السجن    راس العام في الدار؟ هذي أفلامك باش تضحك وتفتح العام الجديد بالفرحة    حضور مميز لمندوبية التربية بجندوبة في احياء الخط العربي    عاجل/ خلال لقائه وزير الفلاحة ومدير ديوان الزيت: رئيس الدولة يدعو للتصدي لهؤلاء..    ابرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزير النقل..    عاجل : وفاة أول امرأة تقود بنغلاديش خالدة ضياء عن 80 عاما    غارات وقصف مدفعي على مناطق مختلفة من غزة    كأس أمم اقريقيا: شوف شكون ضدّ شكون اليوم ووقتاش    طقس اليوم: أمطار متفرقة مع انخفاض في درجات الحرارة    ڤريب الشتاء: كيفاش تتعدى، قدّاش يدوم، ووقتاش يلزم تمشي للطبيب؟    «صاحبك راجل» في القاعات المغربية    سامي الطرابلسي: سنواجه تنزانيا من أجل الفوز وليس التعادل    ترامب: "حزب الله" يتعامل بشكل سيئ وسنرى ما ستسفر عنه جهود نزع سلاحه    مرطّبات ولحوم وأسماك فاسدة قبل ساعات من رأس السنة.. هيئة السلامة الصحية تكشف حصيلة رقابية مقلقة    حفل زفاف تيك توكر شهير يتحول لمعركة في مصر    طقس الليلة    بقرار قضائي.. هيفاء وهبي تعود إلى الغناء في مصر    الدورة 40 لمعرض تونس الدولي للكتاب: تواصل قبول الأعمال المرشحة لجوائز الإبداع الأدبي والفكري وجائزتي النشر إلى يوم 30 جانفي 2026    وزير التربية يعلن 2026 سنة مطالعة    رياض دغفوس : المتحوّر "K" المتفرّع عن فيروس H3N1 لا يشكّل خطورة أكبر من غيره ويجب الالتزام بالإجراءات الوقائية    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في العراق اليوم.. العلمانية أم الإسلام؟ : الشيخ راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 29 - 03 - 2010

في ظل الاحتلال ، وباستثناء المنطقة الكردية شبه المستقلة، مثلت الأحزاب الإسلامية وبخاصة ذات المرجعية الشيعية العمود الفقري للعراق الجديد، إذ أمكن لها أن تملأ الفراغ الذي تركه تفكيك الدولة العراقية الوطنية، لتؤسس لدولة ذات صبغة إيديولوجية طائفية صارخة، بدء بالأجهزة الأمنية والجيش وانتهاء ببرامج ومؤسسات الصحة والتعليم والثقافة والدبلوماسية، ما قدم وقودا للتطرف والإرهاب المضاد.
ورغم أن الهوس الطائفي والقتل على الهوية قد خفّت حدتهما مع المالكي، خطوة في اتجاه استعادة الوطنية العراقية، إلا أن ذلك لم يغير كثيرا من الطبيعة الطائفية للدولة، ومن مرارات التمييز، زادها حدة البروز المجدد لملامح من شبح صدّام طائفي، وهو ما يفسر في الانتخابات الأخيرة انحسار الشعارات الطائفية لحساب الشعارات الوطنية العلمانية.
تؤكد النتائج النهائية تراجعا نسبيا للأحزاب الطائفية وتشظّيها. ومن ذلك تصدّر القائمة العراقية المتجاوزة للطائفية. وتليها قائمة دولة القانون الأقل طائفية من مثيلاتها، مستفيدة مما وفره لها الحكم من امتيازات وفرص للرّتع. والسؤال هل هناك فرصة للعراق في استعادة وحدته الوطنية وتدامجه الطائفي والعرقي الموروث على يد أحزاب ذات مرجعية إسلامية أم أنه ضمن الظروف القائمة، ستكون العلمانية المنفتحة خياره الوحيد؟
1- أول ما يصدم في النتائج المعلنة:
أ- أنه من غرائب انتخابات العراق أنه خلافا للمعتاد من أن المعارضة هي التي تشكك في النتائج، فاجأ الوزير الأول الجمهور بصبّ جام غضبه على اللجنة المشرفة على الانتخابات، فيما يشبه الرفض لعملها، مع أنه منذ أيام قليلة كان قد أثنى على عملها، عندما كانت البوادر لصالحه، فهل يكون مقياس نزاهتها مدى ملائمة النتائج له؟.
ومعناه أيضا أن السيد المالكي خلال سنوات قليلة من إقامته في المنطقة الخضراء قد تماهى مع السلطة بل مع الدولة، فلا يكاد يقدر على تصور نفسه خارجها، حتى جاء الشعب يوقظه، مع أنه ليس من المستبعد بذله الوسع لاحتفاظه بالموقع بكل وسيلة متاحة، ولذلك كانت صدمته كبرى.
ب- انهيار جبهة التوافق، التكتل السني، فكان سقوطها مريعا، من 45 نائبا إلى ست نواب فقط. وذلك بعد أن فشل عمودها الفقري، الحزب الإسلامي حتى في الاحتفاظ بتحالفاته السابقة، بله في إضافة تحالفات جديدة ، بل فشل حتى في الاحتفاظ بقياداته فتوزعوا على مختلف القوائم وبخاصة القائمة العراقية حيث مثلوا المكون الأساسي لها بزعامة طارق الهاشمي ورافع العيساوي وعبد الكريم السمرائي وأسامة النجيفي... بما بدت معه العراقية وكأنها ممثل السنة الحقيقي، مع أن متزعمها شيعي علماني، وهو ما جعل الموقع الطبيعي للحزب الإسلامي وسط حاضنته السنية أي "العراقية" ،على أي صورة ممكنة. أما وقد فشل في ذلك وأفرد.. ، فهو ما سيجعل مركزه السياسي بل استمراره مهددا ، ما لم يصحح موقعه ويتموضع في مداره، ويقوم بمراجعات جذرية لسياساته ولمنهج إدارته لعلاقاته الداخلية بين السياسي والدعوي .
ج-رغم بروز اتجاه عام نحو تفكك الكيانات الطائفية والعرقية ، فتفككت جبهة التوافق وحصل قدر من التفكك شيعيا وكرديا، إلا أن التشيع ولئن حصل فيه قدر من التفكك إلا أنه حافظ على جسمين قويين، ما كان لأحدهما على الأقل (الائتلاف الوطني )أن يقوم لولا الراعي الإيراني الحاضن، وهو ما يفتقده الوسط السني الذي يعاني حالة من اليتم مريعة، لولا دخول تركيا على الخط حادبة على العراقية.
أما ائتلاف المالكي فقد كان إلى جانب استفادته من موقعه في السلطة وما توفره من إمكانات هائلة في بلد دولة القانون هي طموح، قد أفاد مما أضفته سياساته على شخصيته من سمت زعامة وطنية حازمة برزت من خلال تصدّيه للعنف الطائفي وما أبداه من قدر من التأبّي إزاء طلبات الاحتلال والضغوط الإيرانية، وهو سمت مرغوب عراقيا توفره، في زعامة بلد كبير، كان له من الأمجاد ما لم يكن لغيره في العالمين.
د- رغم ما اعتور هذه الانتخابات من ضروب بخس لقدرها، سواء أكان بسبب طعون في نزاهتها أم كان بسبب جريانها في ظل الاحتلال وتحت سقفه، إلا أنها بالمقاييس العربية لا يمكن اعتبارها إلا أنها من أفضل الموجود إن لم تكن أفضله من جهة حجم المشاركة(62%) ومن جهة تنوع الجماعات المشاركة، بما جعل النسبة التي حصلت عليها القائمة الأولى لا تكاد تصل إلى 20% وهو ما يجعل المسافة بينها وبين معتاد النسب العربية(80%إلى 99%)لا تعبر، والمقارنة تعسفا، بما سيفرض التحالف بين عدة قوائم من أجل تشكيل الحكومة.
ه- ومن علامات الصدق في مثل هذه الانتخابات، توفّرها على إمكان صنع المفاجأة وصعوبة التنبؤ بالنتائج، بينما لا أحد في انتخابات مصرية أو تونسية مثلا يتوقع مفاجأة تقلب موازين القوة!
و- المؤلم أن مثل هذه الانتخابات الحاملة بإمكان صنع المفاجآت لم تكد تتوفر إلا في ظل الاحتلال.
ز- لم تكد الولايات المتحدة الدولة التي تورطت بغباء لا نظير له في مأزق احتلال للعراق، قادها والعالم إلى كوارث بلا حدود، ومصممة على الخروج من الحفرة- إذا استطاعت- في أجل محسوم، لم تكد تبدي اهتماما كبيرا بنوع الجهة التي ستفوز في هذه المنازلة، فهي ولئن كانت لا ترغب في استمرار احتكار القبضة الشيعية لمقاليد الأمور حتى لا تترك وراءها عراقا في حضن إيراني وكأنها إنما حركت جيوشا عرمرم من أجل ذلك، هكذا الأحمق، إلا أنها في خضم مزاج من الإحباط يستبد بها، لم يعد يهمها من العراق غير الخروج من الحفرة.
أما موقع العراق الجديد من إيران فالأمر على خلاف ذلك تماما. العراق الخندق الأول في جبهة أمنها القومي، ولذلك كما سهّلت مهمة استدراج الضبع الأميركي إلى المستنقع العراقي لاستنزافه، ولتحقّق بأظلافه ما عجزت عنه بأسنانها، فقد صممت على احتواء البلد.
من هنا مثلت بدايات الإعلان على تقدّم العراقية حالة استنفار، اقتضت مما اقتضت الدعوة على عجل إلى طهران ممثلي القوائم المتحالفة معها لحملهم على توحيد الكلمة حتى لا تتعرض جهود ومكاسب واختراقات السنوات الطويلة للخطر مع بروز إمكان انتقال الحكم إلى العراقية حلفاء تركيا.
ح- من مفاجآت هذه الانتخابات ليس السقوط المريع لجماعات بل السقوط المريع أيضا لرموز دينية مثل الشيخ جلال الصغير والشيخ همام حمودي ورموز سياسية مثل موفق الربيعي. والجبوري والحاجم الحسني.
ط- ومقابل ذلك حققت الزعامات السابقة في الحزب الإسلامي فوزا ساحقا وعلى رأسهم الهاشمي. فهل مواقف الأشخاص أم أحزابهم كانت هي مقياس الحكم؟
2- لم تختلف تجربة حكم أحزاب إسلامية شيعية في العراق وعلى نحو ما في إيران، عن أشباهها السنية في أفغانستان وفي السودان وفي الصومال..) من حيث عجزها عن إدارة الاختلاف سلميا ديمقراطيا، في مجتمع متعدد دينيا وعرقيا ومذهبيا، دون لجوء إلى منطق الإقصاء والعنف بنزوع عارم إلى الاحتكار والانفراد، قد يبلغ حد تكفير المخالف لتسويغ استئصاله.
صحيح أن للاحتلال وللضغوط والإغراءات الخارجية إسهاما فيما حصل، من قبيل فرّق تسد، إلا أن ذلك لا يخفي ضعف موروث الفكر السياسي لدى هذه الجماعات وما يحمله من عوائق ذات طبيعة دينية سرعان ما تنقل المنافس على السلطة من موقع الشريك بالتساوي في الوطن، إلى موقع العدو الخائن والكافر الذي يحل بل يجب إقصاؤه واستئصاله.
في موروثنا الثقافي السياسي إعاقة لم يتم تجاوزها تتمثل في الخلط بين ثوابت الدين وهي مشتركة بين المؤمنين وبين ما يختلف الناس حوله من شؤون الدنيا ومنها شؤون الحكم التي اكتفى فيها الدين بالتوجيه إلى العدل والشورى اشتراكا في الرأي بدل الانفراد. ومن مشتركات الدين ومقاصده يمكن أن تنبثق برامج وتصورات متعددة تؤسس لتعددية سياسية حزبية كما تأسست في الفقه تعددية مذهبية، تعددية فكرية وسياسية يتم الحسم بينها عندما يقتضي الأمر قرارا عمليا اللجوء إلى الشورى التي فشلنا في تحويلها أداة للحكم، حيث نجح الغرب عبر الديمقراطية، فغدا يدير اختلافاته على اتساعها سلميا وظلت صراعاتنا على السلطة تدار بالسيف أو بالتسليم للمستبد، حذر الفتنة، ولم يشق طريق بين قرني الإحراج، طريق التغيير السلمي عبر الجهاد المدني.
3- إن تصور الدين نقطة يحتكر الوقوف عليها هذا الحزب أو ذاك بدل كونه مرجعية فكرية وقيمية وتشريعية قابلة لأن تنبثق منها تصورات وجماعات بلا حصر، هو ما قاد في التجربة الغربية إلى إقصاء الدين من المجال العام وحصره في خصوصيات الناس، بينما في تجربتنا ظل الدين مجالا مفتوحا للاجتهاد بما أفسح المجال أمام تعددية دينية ومذهبية بلا حد، إلا أنه في المجال السياسي لم تتوفق تجربتنا في تطوير الشورى إلى نظام سياسي يجسد التوجيه القرآني:"وأمرهم شورى بينهم".
ولقد حدّ من سلبية ذلك أن الدولة التقليدية، كان تدخّلها محدودا جدا في النشاط الديني والاجتماعي، وتلك كانت خلفية ثورة الإمام أحمد على دولة العباسيين إذ طمحت إلى فرض فهم محدد للإسلام دينا ملزما. وخلافا لذلك طبيعة الدولة الحديثة شديدة التدخل والتي جعلت آتاتورك وبورقيبة مثلا يطمحان حتى إلى التحكم في الشعائر الدينية .. وجعلت وزير التربية في العراق الجديد لا يتردد في إصدار برنامج موحد لأبناء العراق مصطبغ بصبغة طائفية صارخة حملت حتى بعض مراجع الشيعة على استنكارها.
هذا المنزع الديني الطائفي جعل مستحيلا نشوء حزب عراقي فوق طائفي، وهو ما حملني يوما وأنا أمازح صديقي ّ الدكتور إبراهيم الجعفري والدكتور أسامة التكريتي يوم كانا زميلين في المهجر قبل انخراطهما في العملية السياسية : سألت زعيم حزب الدعوة :العراق متعدد، فهل في حزب الدعوة مكوّن غير شيعي؟ فأجاب بالنفي، وهو نفس جواب ممثل الحزب الإسلامي عندما سألته: هل في الحزب الإسلامي مكوّن غير سني ؟ قلت مازحا يبدو أن حزب البعث -على دكتاتوريته البغيضة- أصلح لحكم العراق، إذا أردنا أن يظل هناك وطن اسمه العراق، لأن البعث المجتث، كان يتوفر على كل المكونات العراقية: سنة وشيعة وأكراد ومسيحيين.. صدام وسعدون حمادي وطه ياسين وطارق عزيز.
4- الحقيقة أن هذا التطييف للأحزاب الإسلامية ليس حتميا ولا موروثا، فقد كان الحزب الإسلامي يستقطب سنة وشيعة وحزب الدعوة قريبا منه جدا، بل كان من زعماء الشيعة زعماء لكل العراق مثل محسن الحكيم . كما كان لزعماء السنة مثل الشيخ الصواف مؤسس الإخوان في العراق أتباع في كل العراق.
وفي مؤتمر القدس ديسمبر/كانون الأول1931أمّ آية الله كاشف الغطاء صلاة الجمعة بكل العلماء المؤتمرين. إذن ستظل التكوينات العلمانية المنفتحة أصلح لحكم العراق إلى أن تنجح الأحزاب الطائفية في الارتقاء بفكرها من المستوى الطائفي المنغلق إلى المستوى الإسلامي المنفتح على كل مكونات مجتمعاتنا المذهبية والدينية والعرقية على أساس مبدأ المواطنة والاشتراك في برنامج وطني لحل مشكلاتنا منبثق من اجتهاد يستند إلى مرجعية أمتنا الإسلامية الحضارية التي تشترك فيها كل مكونات الجماعة الوطنية، فكلها مسلمة بالعقيدة والحضارة أو بالحضارة.
5- إن مستقبل العراق الحضن الأخصب والأعرق لحضارتنا، للغتنا وأدبنا وفقهنا وسائر علومنا ولأرحب تعددية دينية عرفها التاريخ حتى لكأنه متحف للديانات شاهدا على عمقه الحضاري، مرتبط بمدى تطور أحزابه الدينية والعرقية من المستوى الطائفي الذي هي عليه الآن بما جعل الحزب الإسلامي مثلا عاجزا حتى على استيعاب المكون السني الكردي بله أن يستوعب المذاهب غير السنية والديانات، ومثله نظراؤه في الطائفة الشيعية، وإلى أن يحصل ذلك التطور تظل العلمانية المنفتحة التي مثلتها "العراقية "فاحتضنت في ذكاء ممثلي أهم مكونات الجماعة الوطنية العراقية، التطور الأبرز في الانتخابات الأخيرة وبصيص الأمل حسب تعبير صديقنا المؤرخ البشير نافع، في بقاء وطن عراقي موحد.
6- واضح ما كشفت عنه الانتخابات من توجه وطني للسنة سافر وعارم وطنيا بعيدا عن الطائفية، والطائفية فيها ليست أصيلة بل طارئة عابرة، بل رد فعل، فالجسم الرئيسي للأمة لا يكون طائفيا، حتى كانت هي التي صفّت الحساب مع التوجهات السلفية القاعدية المتطرفة في طائفيتها، بينما التزحزح عن الطائفية المذهبية لدى الشيعة والطائفية العرقية لدى الأكراد ولئن حصل فيها اهتزاز وتحرك في الاتجاه الوطني إلا أنه نسبي نحسب أنه سيتعزز في الانتخابات القادمة، فيشفى العراق من مرض الطائفية الذي دمره ويستعيد عافيته قلعة من قلاع الحضارة العربية الإسلامية تحتضن في سماحة كل الطيف التعددي الديني والمذهبي والعرقي الواسع الذي أنتجه على امتداد التاريخ هذا الرحم الخصيب، فيتعايش الجميع على بساط المواطنة، ويتم الاستقطاب السياسي على أساس برامج ومواقف، وليس على أساس الهويات."وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
المصدر: الجزيرة
الاثنين 13/4/1431 ه - الموافق 29/3/2010 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.