الداخلية.. تفكيك شبكة دولية لترويج المخدرات وحجز كميات كبيرة من الكوكايين و"الزطلة" والحبوب المخدرة    رئيس الدولة يفجرها: تونس لن تَرضخ للوبيات داخل الإدارة..    كأس العرب.. السعودية اول المتأهلين لربع النهائي    مجلس وزاري مضيّق يوصي بعرض الاستراتيجية الوطنية في المجال البحري على أنظار مجلس وزاري بداية سنة 2026    تونس: الإطاحة بشبكات دولية تنشط في مجال ترويج المخدرات وحجز كميات هامة    عاجل/ العثور على جثة شيخ في منزل بصدد البناء..    كأس العالم 2026: الكشف عن التركيبة الكاملة للمجموعات    الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم يفرض عقوبة صادمة على حنبعل المجبري    مونديال كرة اليد للسيدات .. .تونس تسعى للإطاحة بالنمسا    بعد الغائها في تصويت البرلمان على الميزانية.. المجمع المهني للطاقات المتجددة بكونكت يدعو مجلس الجهات والاقاليم إلى التصويت على فصول دعم الانتقال الطاقي    طرد من شركة نقل سياحي بالقيروان .. يسرق حافلة ويضرم فيها النار!    بعد مصادقة البرلمان وقبل تصويت الغرفة الثانية .. هذه أهم التعديلات في مشروع قانون المالية    بين التجديد واجترار القديم .. بأيّ حال تعود أيام قرطاج السينمائية؟    استراحة الويكاند    عاجل/ التقلبات الجوية: مرصد المرور يدعو مستعملي الطريق إلى التقيد بهذه الاجراءات..    عاجل: وزارة الصناعة تعلن عن فتح باب الترشح للجائزة التونسية 'كايزان' دورة 2026    مع الشروق : حقّ المواطن في الدواء .. أولوية    عاجل/ حجز قرابة ألف قطعة مرطبات وأطنان من المنتجات الغذائية غير صالحة للاستهلاك    فتح باب الترشح لتظاهرة "رمضانيات القصر السعيد" لسنة 2026    البحر ورهانات الكتابة محور ملتقى صالون الهادي نعمان للإبداع الأدبي    كاس افريقيا لكرة السلة 3x3 (رجال): المنتتخب التونسي يفوز على نظيره الاوغندي 21-16    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد – برنامج الجولة 17 من المرحلة الأولى    "الطاهر الحدّاد، مصلحا اجتماعيّا ونصيرا للمرأة التونسيّة"، عنوان ندوة بالكريديف احياء للذكرى 90 لرحيل الحداد    تظاهرة "أليف سليانة": مسار جديد لإحياء الثقافة وترسيخ دورها في التنمية    بعد منعه لأكثر من عام: فيلم "المُلحد" في قاعات السينما..    معبر رأس جدير: احباط محاولة تهريب مبلغ كبير من العملة الأجنبية وأكثر من 14 كلغ من الذهب    ترافل اند تور وورلد" تصنف تونس ضمن أفضل الوجهات لقضاء" عطلة رأس السنة الميلادية الجديدة    Titre    عاجل: صادم...حكم بالسجن ضد المرأة إلّي حرقت القطاطس..وهذه العقوبة!    عاجل/ السفارة الأمريكية بتونس تعلن عن هذا القرار..    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    وزارة الشؤون الدينية الجزائرية: الأضرحة والزوايا جزء من هويتنا    المرصد التونسي الاجتماعي يسجل ارتفاعا في عدد التحركات الاجتماعية إلى غاية شهر نوفمبر الماضي    انطلاق توزيع المساعدات المخصصة لمجابهة موجة البرد لفائدة 900 عائلة معوزة بهذه الجهة..#خبر_عاجل    أرعبهم ب"البراكاجات": السجن 20 سنة لمروع سواق "التاكسي"..    عبير موسي امام القضاء مجددا    عاجل: تعرف على تصريحات الطرابلسي بعد مباراة تونس وفلسطين    كأس العرب: تقييم لاعبي المنتخب الوطني في مواجهة فلسطين    شويا ثوم وطماطم وبرشا بصل...وصفة من دكتورة تونسية    تظاهرة علمية لتسليط الضوء حول التحديات الحالية وآفاق مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية في تونس    عام سجناً مع تأجيل التنفيذ لفتاة تواصلت مع خطيبها المنتمي لتنظيم داعش الإرهابي    باش تفهمها مليح: كان شهريتك مليون...الإقتطاع بش يكون 5 دينارات    حلا شيحة: "القرآن هو السبيل الوحيد للنجاة"    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    بشرى سارة للحوامل المصابات بالسكري.. تقنية جديدة تعيد الأمل..    عاجل: اليوم.. 18 ولاية تحت اليقظة الصفراء... أمطار، رعد ورياح قوية    قد تتسبّب في فيضان الأودية: قائمة الولايات المعنية بالأمطار اليوم    رحيل ساحر "مورتال كومبات"    تواصل البحث عن البحارة المفقودين..ساسي علية يوجه هذا النداء..#خبر_عاجل    مصر.. مرشح يفوز في انتخابات النواب رغم وفاته    من بعد إيقاف الهجرة من 19 دولة... قرار جديد يشدّد أكثر على المهاجرين    بعد إهانات ترامب.. اعتقال صوماليين في "حملة مينيابوليس"    تحسّن العجز الجاري إلى 1،6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2024    سعيد يفجرها: "البعض ما زال يتوهّم أنّه بإمكانه زرع اعوانه في كل مكان، كلهم مكشوفون.."    خليفة "أبو شباب": سترى حماس الوجوه الحقيقية التي كان يجب أن تراها منذ وقت طويل    فانس يتهم الاتحاد الأوروبي ب"مهاجمة حرية التعبير" بسبب غرامة على "إكس"    خطبة الجمعة .. التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة    تفاصيل برنامج الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ثورة دون كيشوت" … عندما يولد الإبداع من رحم الجنون
نشر في المصدر يوم 07 - 01 - 2017

ظلمة دامسة تسود المكان، يصاحبها أنين امرأة داهمها المخاض، فيدوي صراخها فجأة في أرجاء القاعة معلنا نجاح عملية الولادة ويضاء الركح على إثرها ليخلّص الحضور من العتمة، فتتراءى للجميع عربة وشخصان (يحيى فايدي وأماني بلعج) يبحثان عن بقايا طعام في الزبالة لسد رمقيهما من الجوع، وعلامات التعب بارزة على وجهيهما.
هي الثورة التونسية تجلت في العربة، وينشد صانعوها تحقيق الحرية والكرامة، هكذا بدت الدلالات والمقاصد التي تجلت في المشهد الأول من مسرحية "ثورة دون كيشوت" للمخرج الشاب وليد الدغسني وأداء كل من أماني بلعج ويحيى فايدي ومنى تلمودي وناجي قنواتي ومنير العماري، وتولى تصميم ملابس الممثلين عبد السلام الجمل.
انبنت المسرحية في مختلف مشاهدها على ثنائيات الظلمة والنور، الجنون والعقل، الظلم والعدل، الشعب والنخبة، الإرهاب والأمن، الجهل والمعرفة، السفسطة والصدق، الإعلام والحقيقة، والخير والشر… وهي ثنائيات اتسمت بالتباين إلى حد التضاد، وعكست حياد الثورة عن مسارها وعن تحقيق أهدافها وفق أحداث المسرحية.
وعرّج المخرج بأحداث المسرحية على أهم القضايا والأحداث التي تلت الثورة، بدءًا بالقضايا الاجتماعية المتمثلة في التشغيل ومحاربة الفقر وتعدد الجرائم المرتكبة على النساء سيما فئة القاصرات، مرورا بالقضايا السياسية التي أبرز من خلالها وليد الدغسني الوعود السياسية الزائفة للأحزاب المتسم خطابها بالسفسطة، فبدت كلمات هذا الخطاب السياسي وفق أحداث المسرحية حبلى بالوعود والأماني في ظاهرها، لكنها خاوية جوفاء لا معنى لها.
وحافظت المسرحية على خط الصراع أو المواجهة بين الشعب الذي يطمح إلى تحقيق أبسط مقومات العيش الكريم من ناحية، وبين السلطة السياسية التي تسعى إلى تكبيله بشتى الوسائل وأهمها الإعلام، الذي حمله المخرج جزءًا من المسؤولية في تردي الأوضاع بالبلاد وانتشار الإرهاب والجريمة، وتغييب المثقفين من المشهد الإعلامي مقابل التسويق لبرامج سياسية خاوية.
وللتعبير عن جملة هذه القضايا، راوح الممثلون في أدائهم المسرحي بين الجد من ناحية وأسلوب السخرية أو ما يصطلح على تسميته في الفن الرابع ب "الكوميديا السوداء" من ناحية أخرى. فبدا عنصر السخرية واحداً من أهم الجوانب التي ارتكزت عليه مسرحية "ثورة دون كيشوت"، لتجعل منه عملاً متميزاً أداءً وتعبيرًا وشكلا ومضمونا، ولكن هذه الجوانب الكوميدية في المسرحية عبرت في باطنها عن ألم ومعاناة وصراع الإنسان مع الطبقة السياسية الفاسدة، حتى وصلت بالأحداث إلى ما يشبه التراجيديا، بعد أن رجحت كفة هذا الصراع للسياسيين لا للشعب الذي قام بثورة ولم يستفد منها، ولذلك استلهم وليد الدغسني شخصية "دون كيشوت" من الرواية العالمية الشهيرة للكاتب الإسباني "ميغال دي سرفانتس".
تشترك رواية "دون كيشوت" الأصلية مع مسرحية "ثورة دون كيشوت" في مضامين عديدة رغم اختلاف الزمان والمكان ومرور أكثر من 400 عام على تأليف هذه الرواية، إذ تتلاقى أحداث هذه المسرحية والرواية في المشكلة الأساسية التي واجهت الفارس الإسباني، وهي مشكلة إنسانية عامة، وإن كانت تقل في درجة خطورتها عند الإنسان العادي، كما أن الجنون الذي يبدر عن ذلك الفارس إنما يعبر عن موقف الإنسان المثالي عندما يواجه واقعاً لا يرتضيه ولا يقبله ولا يملك حياله سوى "إطلاق العنان لجنونه" كتعويض عن التغيير الذي يجب أن يحدثه فيه وفق تعبير المخرج.
تكمن طرافة مسرحية "ثورة دون كيشوت" في أن المخرج جعل المتلقي يتعايش مع الشخصيات ويتيه بينها باحثا عمن يرمز إلى شخصية "دون كيشوت"، أي من هو العاقل ومن هو المجنون في المسرحية، وبين من هو الفارس المحارب والوطني ومن الخائن، ولكن الشخصيات جميعها في هذه المسرحية راوحت في بين العقل والجنون وبين الوطنية والخيانة، إذ جعلها الدغسني قادرة على تقديم الحجج وإبراز البراهين وعلى الإقناع والتأثير، والأمثلة على ذلك عديدة في المسرحية عندما توجه سياسي إلى مركز الأمن للتبليغ عن محاولة اغتياله، فيقنعه ضابط الأمن أن محاولة الاغتيال غير موجودة بل يتمثلها في ذهنه فحسب، ويخيره بين تقديم أوصاف الجناة أو اتهامه بالإرهاب، لتفتح بابا جديدا في نهايتها للتساؤل عمن هو العاقل ومن هو المجنون؟
تجدر الإشارة إلى أن "ثورة دون كيشوت" فازت بجائزة أفضل إخراج، في مسابقة العروض المسرحية المشاركة ضمن مهرجان "عشيات طقوس المسرحية" الدولي في دورته التاسعة، بالعاصمة الأردنية عمان.
كما تحصل الممثل يحيى الفايدي على جائزة أفضل ممثل عن دوره في هذا العمل، وآلت جائزة أفضل ممثلة لأماني بلعج عن دورها في المسرحية نفسها، وذلك مناصفة مع الممثلة الجزائرية حورية بهلول عن دورها في مسرحية "الثلث الخالي". ومنحت لجنة تحكيم المهرجان، مسرحية "ثورة دون كيشوت" كذلك جائزة أفضل أزياء التي آلت إلى مصمم الملابس عبد السلام الجمل.
وسيشارك هذا العمل المسرحي في الدورة التاسعة للمهرجان العربي للمسرح التي ستحتضنها مدينة وهران الجزائرية في الفترة الممتدة من 10 إلى 19 جانفي 2017، إلى جانب مسرحية "المجنون" لتوفيق الجبالي، و"دوخة" لزهرة الزموري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.