عاجل/ بعد اعفاء رئيس مجلس إدارة "التونيسار": توجيه تنبيه صارم لهؤلاء..    زغوان: تقدّم موسم حصاد الحبوب بأكثر من 90 بالمائة    هام/ تكثيف حملات المراقبة لمياه الشرب بهذه الولاية تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة..    وزارة النقل تعلن عن تغييرات إدارية كبرى في شركة الخطوط التونسية وتوجّه "تنبيها صارما" الي رؤساء المحطات    نادي ليفربول يقرر دفع المبلغ المتبقي من عقد جوتا لعائلته    تطور مداخيل الشغل المتراكمة ب8.3% خلال السداسي الأول من 2025    نابل: تقدم موسم الحصاد بنسبة 55%    مسؤولون أوروبيون: قادة إيران باتوا أكثر تصميما لامتلاك سلاح نووي    كسرى: استرجاع أرض غابيّة تمسح 7 هكتارات بموجب أمر قضائي وبالقوة العامة    بعد سنوات من العطاء .. نجم المنتخب الوطني يعلن نهاية تجربته مع الترجي الرياضي    مواجهة ودية منتظرة بين الأهلي المصري والترجي الرياضي    "نور الدين الفرحاتي" يتوجه برسالة إلي إتحاد بن قردان والملعب التونسي    رحيل الممثل جوليان ماكماهون بعد صراع مع السرطان    أدوات السباحة الأساسية للأطفال...المرافقة الدائمة والحذر    وزير الفلاحة يؤكد حسن الاستعداد لموسم زيت الزيتون القادم وخاصة على مستوى طاقة الخزن    تنبيه عاجل من الحماية المدنية في تونس لمستعملي السيارات    البرلمان: دعوات لمراجعة مجلة الجماعات المحلية وتعزيز أداء البلديات    الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يسلّط غرامات مالية على أندية كبرى بسبب خرق قواعد الاستدامة    نهاية مسيرة خالد بن يحيى مع مولودية العاصمة: الأسباب والتفاصيل    الزهروني: تفكيك عصابة تخصصت في خلع ونهب مؤسسات تربوية    سيدي بوزيد: وفاة طفلة في حادث دهس من قبل والدها عن طريق الخطأ    "كتائب القسام" تكشف عن تفاصيل عملية خان يونس يوم أمس    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب في إسطنبول التركية    الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية والبصرية بالمركبات الثقافية ودور الثقافة بمدينة مكثر يومي 11 و12 جويلية الجاري    "أوركسترا الفالس العربي الافريقي": موسيقى تتجاوز الحدود وتجمع الشعوب في المسرح الأثري بدقة    شنوة الجديد في مهرجان قرطاج 2025؟    ما هو يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون؟    النوم قدّام ال ''Climatiseur''بعد الدوش: هل يتسبب في الوفاة اكتشف الحقيقة    شنوة يصير كان تاكل الكركم 14 يوم؟    ما هي الكمية المناسبة من الشوكولاتة لطفلك يوميًا؟    اليوم: حرارة مرتفعة وأمطار رعدية منتظرة بهذه المناطق    الشراردة: وفاة طفلة ال8 سنوات اثر سقطوها من شاحنة خفيفة    جريمة مروعة: العثور على جثة فتاة مفصولة الرأس وملقاة في الشارع..!!    عاجل/ 19 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق متفرقة من قطاع غزة..    باجة: تحذير من استهلاك مياه بعض العيون الطبيعية    عاجل/ حكم قضائي جديد في حق عبير موسي..    الفوترة الإلكترونية إلزامية ابتداءً من جويلية: الإدارة العامة للأداءات تحذّر المتخلفين    مدنين: تدعيم المستشفيات ومراكز الصحّة الأساسية بتجهيزات طبيّة حديثة    مدير مهرجان بنزرت: تمّت برمجة ''بلطي'' فقط للارتقاء بالذوق العام    عاجل/ من أجل شبهات مالية وادارية: هذا ما قرره القضاء في حق هذا الوزير السابق..    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    تشيلسي يتأهل لنصف نهائي كأس العالم للأندية    عاجل/ سيعلنه ترامب: التفاصيل الكاملة لاتفاق غزة الجديد..    يديعوت أحرونوت: ترامب يسعى لإتمام الهدنة حتى لو بقيت حماس في غزة    وزارة الفلاحة تحذّر من تقلبات جوية    سحابة سامة قرب مدريد وتحذير من مغادرة المنازل    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    كوريا الجنوبية: تسجيل أعلى معدل للحرارة في تاريخ البلاد    تشلسي الإنقليزي يتأهّل إلى نصف نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات - تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره الايطالي 0-3    19سهرة فنية ومسرحية ضمن فعاليات الدورة 42 لمهرجان بنزرت الدولي    عادات وتقاليد: «الزردة» طقوس متوارثة ...من السلف إلى الخلف    فوائد غير متوقعة لشاي النعناع    تاريخ الخيانات السياسية (5): ابن أبي سلول عدوّ رسول الله    الليلة: البحر هادئ وأمطار بهذه المناطق    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الثانية من المهرجان الدولي للسينما في الصحراء    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    جريمة مروعة: شاب ينهي حياة زوجته الحامل طعنا بالسكين..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قراءة دستورية لمبادرة المساواة في الإرث"
نشر في المصدر يوم 14 - 08 - 2020

يتمثل السؤال المركزي الذي سوف نحاول الإجابة عنه في مدى دستورية مبادرة المساواة في الميراث، بعبارة أخرى هل أن إقرار المساواة في الميراث مع إمكانية اعتراض المورث وإعلانه في قائم حياته تمسّكه بقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين مخالف لدستور 27 جانفي 2014 أم تطبيق له؟ هل تعدّ مبادرة المساواة في الميراث تخليا وهتكا لما أكدت عليه توطئة الدستور من "تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال"؟ هل أنها نسف لتنصيص الفصل الثاني من الدستور على أن "تونس دولة… الاسلام دينها"؟ وتفترض الإجابة عن هذا السؤال تحديد موقع الإسلام في الدستور التونسي ومفهومه وآثاره الدستورية.
* هل أن الإسلام دين الدولة أم دين الشعب؟
جاء في بيان المكتب التنفيذي لحزب حركة النهضة الصادر في 3 جويلية 2018 ما يلي : "وبخصوص ما ورد بتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة شدّد المكتب التنفيذي على حق الجميع أفرادا ومؤسسات وكل التونسيين في حرية الرأي والتعبير والتفكير في إطار ما دعا إليه رئيس الجمهورية وتتبناه حركة النهضة من أن تونس دولة مدنية لشعب مسلم." وهذا يعني ضمنيا أن الفصل الأول من الدستور يصف البلاد التونسية ودين شعبها بينما يحدد الفصل الثاني هوية الدولة. ويؤكد هذا التأويل تنصيص التوطئة على "تمسك شعبنا (لا دولتنا) بتعاليم الإسلام."
ولا أظن أن هذا التأويل يستقيم لأن للفصلين الأول والثاني نفس الطالع وخاصة لأن الفصل الأول عندما يشير إلى أن "تونس دولة… الجمهورية نظامها" لا يصف البلاد وشعبها بل يحدد نظام دولتها. لا يمكن بالتالي أن نعتبر أن الفصل الأول ينطبق على الشعب فحسب.
إني إذا ممن يعتبرون أن الفصل الأول من الدستور يشير إلى دين الدولة وإلى دين أغلبية الشعب التونسي. لكن ما معنى أن يكون الإسلام دين الدولة؟ وما هي الآثار التي تترتب عن ذلك في الدستور التونسي؟ ثم ما هي الآثار الدستورية التي تترتب عن أن الإسلام دين أغلبية الشعب التونسي؟
* معنى عبارة "الإسلام دين الدولة"
لا تعني عبارة "دين الدولة" أن الدولة لها دين كما أن للإنسان دين، فالدولة شخص معنوي لا دين له على هذا المعنى. هذه العبارة تعني في دساتير الدول الغربية التي اعتمدتها أن الدين الرسمي للدولة يحظى بعناية خاصة، وأن مؤسسات الدولة تميّزه عن الديانات الأخرى، ويحدد الدستور ذاته أشكال هذا التمييز الايجابي.
ويجب التمييز فيما يخص الدول العربية التي نص دستورها على أن الإسلام دين دولة بين ثلاثة أصناف:
– دول نص دستورها على أن الإسلام دين دولة وأن الإسلام أو الشريعة أو الفقه مصدر أو مصدر أساسي للتشريع: مصر، اليمن، عمان، السودان، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، قطر، العراق، سوريا.
– دول نص دستورها على أن الإسلام دين دولة دون أن يذكر الشريعة أو الفقه ودون أن يذكر حرية المعتقد: موريتانيا (الإسلام دين الدولة والشعب)، المغرب والأردن (اكتفى دستوريهما بالتنصيص على حرية ممارسة الشعائر الدينية).
– دول نص دستورها على أن الإسلام دين دولة وعلى حرية المعتقد دون أن يذكر الشريعة أو الفقه: (الجزائر).
تتمثل الخصوصية التونسية في علاقة بالتنصيص على أن الإسلام دين دولة بالنسبة لغيرها من الدول العربية في أربع نقاط:
1. لم يكن عدم تنصيص دستور 27 جانفي 2014 على الشريعة أو الفقه كمصدر من مصادر التشريع نتيجة سهوا أو محض صدفة بل نتيجة صيرورة وقرار.
عندما شرع المجلس الوطني التأسيسي في كتابة الدستور اقترح رئيس اللجنة الدستورية المكلفة بالتوطئة والمبادئ إدراج الشريعة كمصدر للتشريع ووقعت يوم 20 مارس مظاهرات ووصلنا إلى حد التصادم، وفي 25 مارس 2012 بالتحديد انعقد مجلس شورى حزب حركة النهضة واعتبر أنه لا داعي لإدراج الشريعة في الدستور وقبل بالإبقاء على الفصل الأول لدستور 1959. الذي ينص على أن "تونس دولة… دينها الإسلام".
2. وقع تخصيص فصل آخر لتحديد هوية الدولة وهو الفصل الثاني من الدستور الذي ينص على أن الدولة التونسية "تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون"، وهذا يعني أن تونس ليست دولة تقوم على الانتماء إلى الدين بل إلى وطن، ولا تخضع إلى الحاكمية الإلهية بل لإرادة الشعب، ولا ينبني نظامها القانوني على مبدأ علوية النص الديني على النص القانوني الوضعي.
3. وقع التنصيص في الفصل السادس على حرية الضمير بالإضافة إلى حرية المعتقد للتأكيد على انه من حق التونسي أن لا يكون له دين.
4. وقع التنصيص في التوطئة وفي الفصل 21 على أن "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات"، وفي الإشارة إلى "المواطنات" تأكيد على أن مبدأ المساواة يشمل المساواة بين الإناث والذكور الذين يحملون الجنسية التونسية. ولا بد من التذكير في هذا الصدد أنه وقع، في 14 أوت 2012، اقتراح فصل ينص على أن "المرأة مكملة للرجل" ووقع التراجع عن هذا المقترح المخل بالمساواة في 24 سبتمبر من نفس السنة.
* الآثار القانونية التي تترتب عن أن الإسلام دين الدولة
لقد حدد الدستور التونسي آثار دين الدولة في مواقع ثلاث في الدستور: في التوطئة أولا حيث اعتبر المؤسس أن الدستور وقع وضعه استلهاما من "حركاتنا الإصلاحية المستنيرة المستندة إلى مقومات هويتنا العربية"، وفي الفصل 39 الذي ينص على الدولة "تعمل على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية"، وفي الفصل 74 عندما اشترط في المترشح إلى رئاسة الجمهورية أن يكون "دينه الإسلام".
من الواضح إذا أن تونس ليست دولة دينية كما أنها ليست دولة علمانية ولا أدّل على ذلك من الفصل 6 الذي ينص على أن الدولة ترعى الدين، فالدولة العلمانية ليس لها دين ولا ترعاه ولا تموله ولا تدرّسه بل تعتبر الدين شأنا خاصا لا يعني الدولة. هذه دولتنا المدنية، منزلة بين منزلتين، بين منزلتي الدولة الدينية والدولة العلمانية.
يبين الدستور التونسي مما لا يدعو مجالا للشك أنه لم يؤسس الدولة على الدين. لكن لقائل أن يقول إنّه أقرّ بأن الشعب مسلم وأن هذا الشعب المسلم "متمسك بتعاليم الاسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال"، فما يترتب قانونا عن هذا "التمسك"؟
* الآثار القانونية التي تترتب عن أن الإسلام دين أغلبية الشعب التونسي
لقد حددت توطئة الدستور ملامح الإسلام الذي يدين به الشعب التونسي ويتمسك به، وعرّفه بأنه الإسلام التي تتسم مقاصده بالتفتح والاعتدال، ومن المهم أن نُذكّر بأن الصياغة الحالية (وتعبيرا عن تمسّك شعبنا بتعاليم الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال) قد عوّضت صياغة أخرى سبقتها: "تأسيسا على ثوابت الإسلام…" (مشروع الدستور المؤرخ في 22 أفريل (2013. وقد رفض عدد من النواب وجلّ المختصين في القانون الدستوري هذه الصياغة الأولى واعتبروها نسفا لمبدأ علوية الدستور وغير مقبولة لأن الدستور هو أعلى القواعد القانونية مرتبة، فهو يُؤسِّس ولا يُؤسَّس "على ثوابت الإسلام". وأظن أن هذه الصياغة إيجابية إلى أقصى حدّ. تمسّك من؟ تمسّك شعبنا وليس تمسك دولتنا. وما هي المقاصد التي يتمسّك الشعب بها؟ تلك المتّسمة بالتفتح والاعتدال.
هذا الشعب المسلم الذي "تقوم على إرادته الدولة المدنية" (فصل 2) هو مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر سلطته التأسيسية (فصل 3)، وهو الذي يمارس السلطة التشريعية عبر ممثليه أو عن طريق الاستفتاء (فصل 50)، فهل بإمكانه أن يجعل من تصوره للإسلام، مهما كان، نصوصا قانونية؟ لا بد هنا من التمييز بين الشعب بصفته سلطة تأسيسية أصليّة والشعب بصفته سلطة تأسيسيّة فرعية والشعب بصفته أصل السلطة التشريعية.
– أما الأول فلقد مارس سيادته عبر ممثليه وأقرّ دستورا للبلاد في 27 جانفي 2014، وهو الذي اختار أن تكون الدولة مدنية، وهو الذي أقرّ مبادئ الدستور بما فيها حرية المعتقد الضمير، وهو الذي عرّف الإسلام التونسي بأنه ذلك الذي يتسم بالتفتح والاعتدال والذي لا يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية، وهو الذي أقرّ مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات وضمن لهم الحقوق والحريات الفردية والعامة.
– وبإمكان الشعب عن طريق ممثليه أو مباشرة بواسطة الاستفتاء أن يعدّل الدستور، لكنه ينتصب في هذه الصورة في شكل سلطة تأسيسية فرعية ولا يمكن له على هذا الأساس تعديل الفصل الأول والفصل الثاني من الدستور كما لا يمكن له أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في الدستور (وذلك بمقتضى الفصل 49 من الدستور).
– أمّا الشعب بصفته أصل السلطة التشريعية فلا يعدو أن يكون سلطة مؤسَّسة عليها أن تحترم الدستور، و يتخذ النص الذي ينتج عن ارادته بواسطة ممثليه المنتخبين أو عن طريق الاستفتاء شكل قانون -عادي أو أساسي- وفي كلا الحالتين يمكن النظر في دستوريته أي في مدى مطابقته وملائمته للدستور، وهذا يعني أنّه يجب على الشعب المشرّع احترام حرية المعتقد والضمير (الفصل 6) واحترام مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات ( الفصل 21) واحترام الفصل 20 من الدستور الذي ينص على علوية المعاهدات الموافق والمصادق عليها على القوانين.
ينتج عن كل ما سبق أن مبادرة المساواة في الميراث ليست مخالفة للدستور التونسي وللإسلام كما نصّ عليه الدستور التونسي بل إنّ الدستور في فصله 21 وفي توطئته يستوجب من المشرع التونسي تنقية التشريع التونسي من كلّ مظاهر اللامساواة والتمييز بين التونسيين والتونسيات بما في ذلك مجال المواريث خاصّة وان تونس سحبت تحفظها على الفصل 6 فقرة 1 حرف "ح" الذي يلزم الدول الأطراف في اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضدّ المرأة على اتخاذ جميع التدابير التي تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة نفس الحقوق في اقتناء الملكيّة، والميراث هو شكل من أشكال اقتناء الملكية.
سليم اللّغماني
أستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.