عياض بن عاشور: مسودّة الدّستور تمثّل الوداع للحرّيات أخطر ما في المسودّة إغتيال الحريّة الفكريّة «دعوني أقول لكم شيئا : مسودّة الدستور هذه إن عرضت على الجلسة العامّة للمجلس التأسيسي فوداعًا للحريّة التي تمّ اكتسابها بعد الثورة». بهذه الجملة إختتم عياض بن عاشور خبير في القانون الدّستوري و رئيس لجنة الخبراء مداخلته أمس خلال المائدة المستديرة التي إلتأمت قصد تقديم قراءة أوّلية لمشروع الدستور و الوقوف على ابرز الثغرات و الإشكاليات التي تشوبها، و ذلك ببادرة من الجمعية التونسيّة للقانون الدستوري. وأشار بن عاشور إلى أن اخطر اغتيال للحرية الفكرية والأدبية وتكرار ذكر احترام المقدسات وهو ما يمثل ثورة مضادة تفتح الباب إلى ديكتاتورية تيوقراطية « ولعل الملفت للانتباه خلال هذه المائدة هو كثافة الحضور فعلاوة على الخبراء في القانون الدستوري وأعضاء من المجلس التأسيسي والعديد من نشطاء المجتمع المدني فقد تعزز الحضور برئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر الذي كان منهمكا بتسجيل الملاحظات التي ساقها كافة المتدخلين رغم الانتقادات اللاذعة التي طالت بعض الفصول. ثغرات وتهديد للحريات ولدى وقوفه على ابرز الثغرات القانونية التي جاءت في فحوى المسودة عاب عياض بن عاشور على المسودة افتقارها إلى المنهجية المطلوبة استنادا إلى أن مسالة الحقوق والحريات والمبادئ الأساسية تحتكم إلى تدريج منطقي. وقال:» فإما أن يتم تقديم الحريات على المبادئ أو عكس ذلك». قبل أن يضيف:» اللجنة التأسيسية قدمت المبادئ على الحريات ولعل ذلك يعود إلى أولوية الفصل الأول.» وأوضح أن المبادئ العامة تتعلق بتسيير الدولة في حين أن الحريات تتعلق بالفرد والحال أن هنالك خلط فادح بين المبادئ الأساسية والحقوق والحريات. وفسر بن عاشور في هذا الإطار أن هنالك فصول تتعلق بالحقوق والحريات وقع إدراجها في باب المبادئ الأساسية وفي المقابل هنالك فصول تتعلق بالمبادئ الأساسية أدرجت في الحقوق والحريات فضلا عن وجود فصول لا تمت بصلة للحريات أدرجت ايضافي باب الحريات. واعتبر بن عاشور أن التوطئة بالصياغة الحالية تعتبر مشرفة لأنها أكدت على ثوابت الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال والمنفتحة على القيم الكونية غير أن ما يعاب عليها هو عدم الإشارة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مشيرا في نفس السياق إلى السهو الذي طال الفقرة الثالثة من التوطئة حيث تضمنت عبارة دولة القانون. أسلوب دستوري قديم أما فيما يتعلق بتحرير النص الدستوري فقد ذكر بن عاشور انه تم التشبث بأسلوب دستوري تقليدي في حين انه كان بالإمكان الاقتداء بأسلوب خلاق دون الوقوع في التبعية والتقليد. كما أبدى بن عاشور استغرابه من بعض المصطلحات التي توختها بعض اللجان التأسيسية على غرار مصطلحي التدافع السياسي والدولة راعية للدين. كما عرج عاشور خلال هذا اللقاء على بعض الأخطاء القانونية والتي وصفها «بالغريبة جدا» واعتبر أن ذلك قد يعود إلى قلة خبرة قانونية من ذلك أن تطبيق الدستور لا بد أن يتخذ شكل القانون الأصلي شكل قوانين عادية وهي أخطاء من وجهة نظر بن عاشور تدل على أن المجلس يفتقد إلى الخبرة القانونية. عودة للفصل 28 من جهة أخرى لم يتغافل بن عاشور عن التطرق إلى الفصل 28 الذي يتعلق بالمساواة بين المرأة والرجل مشيرا إلى أن المؤاخذة الحقيقية التي تشوب هذا الفصل هوأنه لا يؤدي إلى التزام وحق مضبوط. ومن بين الملاحظات الأخرى التي ساقها عاشور هي السهو في باب المبادئ العامة عن مبدأ ثقافة الأموال العمومية موضحا أن الثورة قامت من اجل هذا المبدأ، واقترح في هذا السياق على رئيس المجلس التأسيسي أن يقع إدراج الفصل 29 الذي كانت قد تقدمت به هيئة الخبراء والذي يحمي أموال المجموعة الوطنية من الإهدار عبر نشر أجور رئيس الجمهورية والحكومة وباقي الوزراء بالرائد الرسمي. نصّ دسم أما رئيس الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري غازي الغرايري فقد خالف بن عاشور فيما صرح به بشان استحسانه التوطئة مشيرا إلى انه تم إدخال عديد المفاهيم في الفقرة الثانية من التوطئة دون توضيحها معتبرا إياها نصا دسما لا يمكن ليعطي لهذه المفاهيم الأريحية والوضوح. تجدر الإشارة إلى أن حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية من المسائل التي تم التطرق إليها خلال هذا اللقاء عبر مداخلة سليم اللغماني أستاذ بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والسياسية بتونس الذي انتقد في هذا السياق مبدأ إضفاء العلوية على الفصل الأول لان ذلك من شانه أن يغلق الباب نهائيا أمام العلمانية على حد تعبيره. كما عارض من جهة أخرى التنصيص الحاصل في التمييز بين دين رئيس الجمهورية لما فيه من تمييز بين المواطنين على أساس المعتقد مشيرا إلى أن تجريم المقدسات صلب الدستور المرتقب أمر غير ممكن استنادا إلى أن ذلك يدخل في اختصاص المجلة الجزائية. أما الأستاذة الجامعية سلوى الحمروني فقد رأت أن السلطة مترددة ومتناقضة بخصوص تكريس مبدأ المساواة بين المرأة والرجل موجهة انتقادات إلى الفصل28 الذي يحمي حقوق المراة ليس بصفتها كائنا وانما بصفتها مكملا للرجل فهو فصل من وجهة نظرها «يتضمن كتلة من العبارات التي لا يمكن أن يترتب عنها أي اثر قانوني.» يذكر أن المتدخلون في الجلسة الثانية بحثوا في مسائل تتعلق بالقانون الدولي في مشروع الدستور وطبيعة النظام السياسي و السلطة القضائية والهيئات المستقلة والديمقراطية المحلية.