الكرملين يعلن انتهاء المحادثات بين بوتين وترامب    ترامب: واشنطن لن تفرض رسوما جمركية على شركاء موسكو التجاريين    تونس شريك رئيسي في تحقيق الأمن المائي في إفريقيا    طقس السبت: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار غزيرة بهذه الجهات    عاجل: نزل البحيرة، رمز تونس المعماري، يواجه الهدم    بسبب مواقفه الداعمة للكيان الصهيوني...إلغاء حفل فنان جامييكي بقرطاج وتعويضه بفيلم للفاضل الجزيري    بالمناسبة: صوفية قامة وطنية    في حفل بمهرجان سوسة الدولي : بين الجمهور وزياد غرسة علاقة وفاء دائمة    ثورة في علاج هشاشة المفاصل: قسطرة الشريان الركبي تنجح في تخفيف الألم المزمن    ترامب يستقبل بوتين في ألاسكا.. و"تغيير ذو أهمية" في البرنامج    31 دولة عربية وإسلامية تندّد بتصريحات نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى".. #خبر_عاجل    نهاية مباراة الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري بالتعادل الإيجابي    عاجل/ إيداع مترشّح للانتخابات الرئاسية الأخيرة السجن تنفيذا لمنشور تفتيش    تاريخ الخيانات السياسية (47) ..وزراء و أمراء زمن الخلافة العباسية يحتكرون السلع    عاجل/ قتلى وجرحى إثر سقوط حافلة بمجرى وادي في الجزائر    مهن صيفية قديمة...«القرباجي».. المنقذ من العطش    عادات من الزمن الجميل: غسيل «الفرش».. «ملحمة» عائلية بطلاتها النساء والفتيات    بمناسبة الزواج: هدية سعودية غير متوقعة لرونالدو... اكتشفها    تونس: تحديث شامل في الطب النووي... واهتمام خاص بالجهات الداخلية    الليلة: أمطار بهذه المناطق والحرارة تتراوح بين 22 و32 درجة    عاجل/ عطب مفاجئ يتسبّب في انقطاع المياه بهذه الجهة    الحملة الوطنية لمراقبة أجهزة تكييف الهواء الفردية تفضي الى حجز أكثر من 3380 مكيف هواء وتسجيل 146 مخالفة    أمطار غزيرة في باكستان تحصد أرواح 194 شخصا على الأقل    حجز أكثر من 3380 مكيفا غير مطابق للشروط الفنية    الفنان صابر الرباعي يختتم مهرجان المنستير الدولي    بداية من 20 اوت مدينة جرجيس تحتضن تظاهرة اسبوع الطالب العالمي بمشاركة اكثر من 100 طالب من 22 دولة    توننداكس ينهي جلساته الأسبوعية متراجعا بنسبة 20ر0 بالمائة في ظل معدل تداول يومي عند 4ر4 مليون دينار    المنتخب التونسي لكرة السلة يمنى بهزيمته الثانية في "الأفروباسكيت 2025"    الملعب التونسي: انتداب السنيغالي امادو نداي    جلسة عمل لمناقسة النّسخة الأوليّة من تقرير السّياسات العموميّة لقطاع البيئة الخاصّة بمخطّط التّنمية 2026-2030    عاجل/ إضراب ب3 أيام بالبطاحات.. وهذا موعده    عاجل: وزارة التربية تكشف تفاصيل حركة النقل الوطنية 2025 للقيمين العامين    تحب تسكن في الحي الجامعي؟ التسجيل بدا و الفرصة ما تتعاودش!    علاش سوم ''الكرموس والعنب'' ارتفع العام هذا؟    مونديال الكرة الطائرة للفتيات: المنتخب الوطني يفوز على نظيره الجزائري    تصفيات مونديال 2026: طاقم تحكيم تونسي يدير مباراة موريتانيا وجنوب السودان    عاجل/ كارثة طبية..مسكّن ألم ملوّث يُودي بحياة 96 مريضا..!    انخفاض نسبة البطالة في تونس إلى 15.3%    سنة 2025: رخصتك تتسحب بالوقت كان تجاوزت السرعة ولا تعدّيت على الضوء الأحمر!    القبض على شاب قتل والده ودفن جثته في القصرين    الأولمبي الباجي يحصن دفاعه باللاعب محمد أمين الذويبي    وزارة الاسرة تنظم باليابان فعالية للتعريف بأبز محطات الفعل النسائي على امتداد مختلف الحقبات التاريخية    بعد انهاء التفرغ النقابي ..فاطمة المسدي تطرح انهاء توريث المناصب النقابية والامتيازات    10 سنوات سجنا لإطار بنكي استولى على أموال الحرفاء    عاجل: إلغاء مفاجئ للرحلات في هذه الدولة..شوفو شنو صاير    أسعار ''الحوت''غلات! شنوة الأنواع الي سومها مُرتفع وشنيا الأسباب؟    رسالة من الدكتورة ديفاني خوبراغادي سفيرة الهند لدى تونس بمناسبة الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال الهند 15 آُوتْ    عاجل/ تفاصيل ومعطيات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي على يد أبنائها..    عاجل: أحلام الإماراتية توضح للتونسيين حقيقة أجرها في مهرجان قرطاج    الترجي الرياضي يعلن..#خبر_عاجل    الرّهان على الثقافة    عاجل من واشنطن: تسريح 300 ألف عامل من الوظائف الحكومية    جريمة شنيعة: مقتل طفل على يد زوج والدته..وهذه التفاصيل..    ترامب يعرب عن ثقته بأن بوتين وزيلينسكي سيتفقان على تسوية النزاع    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة...التوسّط في الإنفاق ونبذ الإسراف والتبذير    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من التكفير إلى التخوين إلى الترويع: سياسة "النهضة" التي أعيت آل ساسان!
نشر في المصدر يوم 25 - 04 - 2012

واضح أنّ "حكومة النهضة" قد وعت جيّدا درس "آل ساسان" في سياسة "صلح الحديبيّة" المسمّى زورا وبهتانا: انتقالا ديمقراطيا.. نعم. ها هي تسوسنا بما وَقَر في صدور قادتها من عِلم الفُرْس في تدبير المعاش والمعاد، تارة بالصدمة وطورا بالترويع .
لقد جرت عادة الفُرس القدامى إذا مات ملكُهم أن يتركوا الناس خمسة أيّام بلا سائس ولا ملك ولا قانون، حتّى تعمّ الفوضى ويشتدّ العنف وينتشر الاضطراب ويكثر النهب في كامل البلاد ويشمل جميع الطبقات والطوائف. وكانت "الحكمة" من ذلك بديعة عجيبة. بنهاية أيّام الجحيم الخمسة، يصل السلب والنهب والاغتصاب والتحريق والتخريب مداه الأقصى. ولكنّ من خرج سالما من هذا الجحيم، وبعد تلك الفوضى "الخلاّقة" سيكون عبدا صالحا، ويكون ولاؤه للملك الجديد ولاءً أعمى. فالناس قد عركتهم التجربة القاسية المُرّة وعلّمتهم حالةَ الرعب القائم في ظلّ غياب السلطان. وسلطان غشوم خيرٌ من فتنة تدوم !
الحقيقة أنّ الفيلسوف الإنجليزي "هوبز" قد استفاد، هو أيضا، من هذا الدرس الساسانيّ، وعقد عليه نظريّته في عنف الدولة. فكرةٌ مثل هذه هي تشخيص ممكنٌ للعنف الجاري في تونس، وسط تصامُم الحكومة وتعاميها أو وقوفها تسترق السمع من وراء الأبواب .
وليس يخفى لكلّ ذي عقل وبصيرة الأواصر الخفيّة والظاهرة بين "حركة النهضة" من جهة وقاعدتها السلفيّة من جهة أخرى. ولعلّكم تذكرون أنّ الأرض كانت قد انشقّت لتبتلع "الغرباء" الذين كانوا يفترشون الشوارع للصلاة، ويتسلّقون "القمم الشمّاء" ليثبّتوا فوقها أعلامَهم السود، ويمنعون الطلاّب من متابعة دراستهم وامتحاناتهم. ثمّ، وما أن عادت "الحكومة" عن قرارها حظرَ التظاهر في شارع بورقيبة حتى بُعثت هذه الدُّمى بعثا جديدا، وعادت رايات العُقاب خفّاقة فوق المباني الحكوميّة التي ترجع ملكيّتها الحصريّة للشعب التونسيّ دون سواه .
الجديد في هذه العودة هو العنف الذي مرّت إليه هذه الجماعات ضدّ كلّ من لا يوافقها الرأي. وهكذا، فقد صار المثقفون والحقوقيّون والسياسيّون يُمْنعون من الاتّصال بالناس في الجهات خاصّة. وطريقة الصدّ، تقريبا، واحدة .
تبدأ حملة من التجييش والشحن تقوم بها الرؤوس المدبّرة على شبكات التواصل الاجتماعيّ وفي الإنترنيت والقاعات المغلقة لمنع هذا النشاط الثقافي أو الفكري أو السياسيّ أو ذاك، ولقطع لسان هذا المحاضر أو تلك المحاضرة. وتتداعى إلى النداء الفلولُ إياها من المغرّر بهم و"الصالحين" والمنحرفين التائبين والغوغاء تحت الطلب، والميليشيات المتستّرة بمسمّيات شبحيّة كروابط حماية الثورة النهضويّة بعد انسحاب مؤسّسيها الأصليّين لاستنفاد أدوارها الموكولة إليها بُعَيد 14 جانفي 2011 .
الخطّة باتت واضحة، وكشوف "أنونيموس"رجّحت الظنون وزادتها برهنة. اشتغلت استراتيجيّة الرفض للآخر والمختلف على مراحل. المرحلة الأولى تمّ فيها شيطنة الخصم بتبديعه وإخراجه من الملّة وهذا هو التكفير دينيّا. المرحلة الثانية تمّ فيها شيطنة الآخر باتّهامه بأنّه يخدم أجندا التجمّع المنحلّ، وهذا هو التخوين سياسيّا. والمرحلة الثالثة هي إقصاؤه عبر ترويعه أو تعنيفه وهذه هي التصفية الجسديّة .
باستيفاء هذه الخطّة الثلاثيّة، يكون الحجر قد أطبق على عقول التونسيّين، فيحرمون من الاستماع إلى وجهات نظر غير روايات "النهضة" وأخواتها. وهكذا، ننتهي إلى القَبول بسلطان غشوم لأنّه أرحم من فتنة تدوم !
في الأيّام الأخيرة، شهدنا فصولا قديمة جديدة من هذه الخطّة في صفاقس ودوز وسوق الأحد بقبلّي وقليبية. ومساء أمس الاثنين، شهد محيط التلفزة الوطنيّة وأسوارها "غارة" من المعتصمين المرابطين الطاعمين الكاسين أمام بوّاباتها منذ خمسين يوما ويزيد، وفي حضور محتشم إنْ لم نقل غيابا للأمن الذي من المفترض أنْ يحفظ كرامة الإعلاميّات والإعلاميّين الذين يتعرّضون صباح مساء إلى الشتائم والسباب والتشويهات والاستفزازات. (في الوقت الذي أكتب فيه هذه الورقة تعلن وزارة الداخليّة قرارها رفع الاعتصام لعدم الحاجة !).

الغارة على التلفزة الوطنيّة ليست بمعزل عن تصريحات بعض أعضاء "النهضة " بخوصصة الإعلام العموميّ، ولا عن اللافتات التي صارت منصوبة حول مبنى التلفزيون تعرض ما لا تملك للمناقصة والبيع، حتّى قال أحد الظرفاء: لم يستطيعوا شراء الإعلام العموميّ ولا تركيعه، فقرّروا التفويت فيه وبيعه !
وبقطع النظر عن ذهنيّة الإغارة والغزو في "تجارة" مثل هذه وعن انتفاء الصفة أصلا لهؤلاء المؤقّتين العارضين الذين يريدون أن يكونوا دائمين مؤبّدين، فإنّ حلقات العنف المنظّم التي تجري ملء السمع والبصر، وفصول الترويع المنهجيّ الموجّه ضدّ بعض النُّخَب والإعلاميّين والسياسيّين لا يمكن أن يعكسا أهليّة سياسيّة ولا كِفاية انتقاليّة لدى من رشّحتهم الصناديق – في ظروف مخصوصة - لقيادة هذه المرحلة .
ومع هذا الالتفاف الواضح على مقتضيات "الانتقال الديمقراطيّ" صار من الطبيعيّ أن يتحوّل المسار برمّته إلى مجرّد "إعادة توزيع للسلطة" لنكون، حينها، إزاء تجربة هجينة تستأثر فيها "حركة النهضة" بالحكم، فيما يتراخى ويتلاشى التأثير السياسيّ لشريكيْها المفترضيْن (حزب المؤتمر وحزب التكتّل) واللذيْن صار دورهما يقتصر أو يكاد على الإيهام بديكور ائتلافيّ تعدّديّ، دون أن ننسى بهتة المعارضة الوطنيّة وذهولها الذي طال .

حديث يبدأ ب"آل ساسان" لا يمكن أنْ ينتهي إلاّ ب"برسيبوليس" !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.