المراسل-لن ينسى أحد من مائات الألاف الذين شيعوا جثمان المناضل شكري بلعيد اليوم الشعور المهول الذي رافق الموكب، خاصة حين يتذكر الفرد أنه جزء من سيل جارف من البشر الذين تدفقوا من حدب و صوب لإلقاء نظرة الوداع على جثمان شكري بالعيد و ليكونوا جزء ا من التاريخ، إذ لا يختلف إثنان أنها جنازة تاريخية لن تمحى من الذاكرة الجماعية، شأنها في ذلك شأن أحداث الجلاز و أحداث ساقية سيدي يوسف و 9 أفريل و غيرها من اللحظات التي تعلقت بتاريخ شعبنا... و لن أطيل في وصف حشود بشرية لم تحرك ساكنا أمام قنابل الغاز و برد الطبيعة، و شدة الزحام، لأنني لن أجيد الوصف، و قد سبقني له الكثيرون... لكن، تبادر إلى ذهني و أنا واقف بين القبور ظهر اليوم أن الموت ظروب و أنواع، كالحياة... فمن الأحياء الشجاع و الجبان و عزيز النفس و صغيرها، و الكاذب و الصادق، و الصغير بكبره و الكبير بتواضعه..و إن لم أتعود على تصنيف الأموات من باب الترحم على موتانا تطبيقا "لأذكروا موتاكم بخير" و خشية من رهبة الموت و الحساب، و إيمانا بعدالة الموت و بعقلانيته فإن ما صاحت به حناجر المشيعين اليوم، و وقعه في الأذان و النفوس، و الألوان الحمراء التي طغت على ألوان المقبرة البيضاء فغطتها، و هول اللحظة الذي فرضه تاريخ نضالي لبطل اللحظة جعلاني أعود بعض الشيئ على نظرتي للموت، و أيقنت للحظات من التجلي المنطقي أن الموت أنواع، و بعض الأموات ينالون شرف الموت بعز و بشرف و ببطولة تجعل بعض الأحياء مثلي يحسدونهم مع تأجيل التنفيذ، و تجعلنا نعشق الموت و لو للحظات و تلك هي الشهادة، التي رفض منظرو الشهادة السياسية الإعتراف بها اليوم، فها أنني أحرف قول الشاعر العربي و أقول "و الشهادة بعز وصدق أطيب منزل" و ها أنني أحذو حذو أحد أبطال شكسبير، حين دفعه سحر اللحظة للقول "و إن كان الموت الآن، فالآن لحظة السعادة الكبرى." رحم الله جميع شهدائنا