المراسل: ثرت الخلافات في المدة الأخيرة بين حركة النهضة و حزب المؤتمر حتى صار هذا الأخير أقرب إلى الحزب المعارض منه إلى الحزب الشريك في الحكم بالنسبة لحركة النهضة المهيمنة على الترويكا الحاكمة... و تجلت هذه الخلافات في أطرف ما يكون، و كلنا نتذكر حكاية النائب المؤتمري عمر الشتوي و الكراس حيث تسبّب دفتر نائبة كتلة حركة النهضة ومقررتها ومقررة لجنة السلطتين التنفيذية والتشريعية والعلاقة بينهما في أزمة حادة بين نواب النهضة ورئيس هذه اللجنة النائب عمر الشتوي (المؤتمر). و قد وصل الأمر بنواب النهضة إلى حد إتهام عمر الشتوي بالإستيلاء على هاته الوثيقة. وليس غريبا أن يكون عمر الشتوي طرفا في واقعة الكراس فهو النائب الذي إعتبرته جريدة المغرب مؤخرا سفير المرزوقي في المجلس التأسيسي، و أداته ليكون فاعلا في الساحة السياسية حين يُنسى نظرا لقلة صلاحياته، و هو كذلك النائب المؤتمري الذي يتصدر أغلب الحركات الإحتجاجية ضد حركة النهضة بالمجلس التأسيسي. و قد سبق له أن إنتقد تدخل لجنة التنسيق في مضامين بعض الفصول. و توالت الأصوات المؤتمرية تباعا، و لو كنت من المعارضة، لخشيت أن يقوم نواب المؤتمر بإفتكاك مكاني و أن لا يُسمع لي صوت بينهم. فسامية عبو، و بعد أن بالغت في مديح النهضة و الإسلاميين حتى إعتبرت السلفيين جزء ا من حلمها الجميل؛ هاهي اليوم تبكي دستور تونس على إحدى الإذاعات الخاصة بعد أن شاركت في كتابته، و هاهي تقول أن هذا الدستور لن يمر بصيغته الحالية. و لا يمكن كذلك أن ننسى توقيع عديد نواب المؤتمر وثيقة ضد رئيس المجلس التأسيسي بتهمة تجاوز الصلاحيات و مطالبة إبن المؤتمر الروحي محمد عبو بإقالة رئيس أركان الجيوش الثلاث لفشله في الشعامبي، كلها مؤشرات تدل على إستفاقة بل على ثورة مؤتمرية لا يمكن إحتسابها مع الثوارات المضادة كما يروق للغنوشي تسميتها لأن المؤتمر يطالب كذلك بالتسريع في تمرير قانون تحصين الثورة... لكن هل هي ثورة بريئة؟ كل المؤشرات تشير إلى ماهو عكس ذلك فالمؤتمر و النهضة ليسا بالجديدين على بعضهما البعض، و المؤتمر طالما ساند النهضة فيما يعيبها عليه اليوم، لكن الطارئ الوحيد هو نظرة قصر قرطاج للمعادلات السياسية في هذه الفترة، فالواضح أنه من غير الممكن أن ترشح النهضة المرزوقي للرئاسيات، و هو مطمح المرزوقي الأهم في هذه الفترة، و بالإضافة إلى ذلك، فالنهضة إقترحت العديد من الأسماء على غرار بن جعفر و لعريض و الجبالي للرئاسيات و لم يكن المرزوقي أبرزها، كما أن المرزوقي تم تغييبه في المدة الأخيرة، إذ لم يكن لمواقفه المعادية للعلمانية و المساندة للنقاب الوقع الإيجابي و المأمول في حركة النهضة التي لم تعره الإهتمام المرجو من المرزوقي، ولعل ما زاد في عزلة الرئيس المؤقت، هو تغييبه عن الأحداث الأخيرة و عن الواجهة، إذ لم تلقى دعواته للحوار مع السلفيين الترحيب المأمول من النهضة، و كأن بالحركة الإسلامية تقول له : "الدفاع عن المتشددين ليس الطريقة المثلى للتقرب من الإسلاميين في هذه الفترة"... و هكذا قد تكون ضجة نواب المؤتمر هذه الأيام في إطار ظغط المرزوقي على حلفائه و إثبات وجوده و كأنه يقول لحلفائه إنني موجود و بإمكاني التأثير في عملكم و عليه فإن رئيس الجمهورية نفسه لم يستسلم أمام واقع تراجع أدوره، و إمكانية غيابه عن الفعل السياسي في المستقبل القريب، فبالإضافة إلى نواب حزبه فقد تكلم المرزوقي خلال ندوة حول اصلاح منظومة المراقبة الإدارية والمالية أن تونس تسير ببطئ في محاربة الفساد و دعا الى إحداث هيئة مركزية لمراقبة الفساد يتم التنصيص عليها في الدستور. و ما يزيد في تعقيد طموحات المرزوقي هو الأخطاء التي ارتكبها و التي جلبت له انتقادات عدة من السياسيين و الفايسبوكيين و جلبت لحلفائه إحراجا و غضبا تجلى في مغادرة محافظ البنكي المركزي الشادلي العياري لمراسم تسلم أول دفعة من الأموال المنهوبة غاضبا من تناسي المرزوقي شكر دوره في استرجاع هذه الأموال. كما أن المرزوقي وضع النهضة في إحراج أمام بقية الأطياف السياسية حين توقع نصب المشانق للمعارضين في صورة غياب حزبه و حركة النهضة عن المشهد السياسي؛ مما اظطر قيادات الحركة إلى الإعتذار و لو بطريقة غير مباشرة من المعارضين و لعل تقرير مركز كارتر الذي يدين قانون تحصين الثورة من شأنه تعميق الخلاف بين الطرفين خاصة و أن النهضة تعتمد كثيرا على الدعم السياسي الأمريكي لها و لم تتعود الخلافات مع الدول الفاعلة في المنطقة، زد على ذلك الظغط الجماهيري و الإعلامي على الترويكا من أجل التخلي عن هذا القانون،وهو ما قد تفعله، و في المقابل فإن حزب المؤتمر يبدو مصمما على الدفع نحو تمرير هذا القانون...