المراسل-نشر موقع «Foreign Policy In Focus» التابع للمعهد الأمريكي للدراسات السياسية «The Institute for Policy Studies « ورقة بحثية لروب برانس المحاضر والباحث في الشؤون الدولية تحت عنوان «متشددو الربيع العربي: سلفيو تونس» يتحدث فيه عن الأدوار التي يلعبها السلفيون في تونس. ويقول الكاتب الذي سبق أن درّس في بلادنا في ستينيات القرن الماضي إنّ ظروف الثورة اعتبرت سلمية وباتت تونس تعد نموذجا يحتذى به في «الربيع العربي» إلا أنّ الأمور اليوم لا تبدو على ما يرام. ويقدم برانس في ورقته البحثية تحليلا لسياسة النهضة في تونس التي يختزلها في عبارة «واجه اليسار بالتحرك يمينا»، إذ يتعلق الأمر ب«التحالف السطحي مع الأحزاب العلمانية (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) مع المحافظة على تحالفات غير رسمية أو سرية مع السلفية.» ومن هذا المنطلق تسمح النهضة للسلفيين بالقيام بكل ما يريدون فتتغاضى عن تجاوزاتهم أو تبررها، على حد تعبيره. «تقسيم مهام» ويذهب الكاتب إلى حد القول بأنّنا نشهد «تقسيم مهام» بين التيارين الإسلاميين (السلفيون والنهضة). ويوضح أنّ النهضة تتكفل بالنظام السياسي والقانوني في حين يعتمد السلفيون تكتيكات لدعم حضورها في المساجد والمدارس. «فقدرة فريق محدود العدد مثل سلفي تونس على تحقيق هذه الإنجازات الهامة لن يكون ممكنا دون دعم متواصل من قبل النهضة» على حد تعبيره. ويتابع الكاتب الأمريكي «لقد هوجمت قنوات تلفزية ولم تفعل الحكومة شيئا وأحرقت الحانات في أماكن عديدة في حين اكتفى الجيش والشرطة بالتفرج، وقد هوجمت مظاهرات العلمانيين فاتهمت الحكومة الضحايا بدل المذنبين..» ويرى برانس أنّ الحكومة أعطت للسلفيين الضوء الأخضر فأصبحت تصرفاتهم أكثر عنفا وأصبح من الصعب السيطرة عليهم. محدّدات خارجيّة يرى الكاتب أنّ النهضة «تتملق» السلفيين ولا يتعلق الأمر في رأيه بمحددات الحياة السياسية داخل البلاد فقط ولكن بعلاقاتها الخارجية. ونظرا إلى ما يتحدث عنه الكاتب من ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد لم تأت المساعدات المالية الضخمة من الولاياتالمتحدة بل من السعودية وقطر. ولكن تم ذلك بمقابل وهو أن تسمح النهضة (الحزب ذو المرجعية الإسلامية غير المتشددة) كما يقول للسلفيين بأن يعملوا بشكل أوسع وأكثر من ذي قبل. وبسبب حاجتها الماسة للدعم المادي وقعت النهضة في الفخ كما يقول الكاتب الأمريكي واختارت الحل العملي وهو قبول الاتفاق. ورقة السّلفيّين المشتركة يقول برانس إنّ علاقات الولاياتالمتحدة وبريطانيا بعدد من الإسلاميين والإسلاميين المتشددين وثيقة وذلك في الظاهر والعلن، ويرى أنه من المفارقات أن تنتقد واشنطن «المتشددين» داخل الولاياتالمتحدة وتتحالف معهم في الخارج. فالسلفيون اليوم يستخدمون كما كانوا دائما في الشرق الأوسط من أجل تنفيذ سياسة «فرق تسد». ويذهب برانس في الجزء الثاني من ورقته إلى حد القول إن السلفيين ورقة أمريكية استراتيجية ليس في تونس فقط بل في بلدان أخرى، فواشنطن تعمل على دعمهم عبر حلفائها السعودية وقطر اللذان يعملان باطراد مع الولاياتالمتحدة من أجل حماية مصالحها وسياساتها الاقتصادية في المنقطة. ويتابع «الإخوان المسلمون في مصر والنهضة في تونس والسلفيون في المنطقة يدعمون سياسات الاقتصاد اليبرالي الجديد الذي تتبعه الولاياتالمتحدة وأوروبا.» كما يذكّر الكاتب بأنّ كلا من الولاياتالمتحدة وبريطانيا ارتبطت بعلاقات طويلة ووثيقة بعناصر إسلامية متشددة تستخدمهم لإحباط الحركات القومية العلمانية. ويتابع «رغم أنّ الأمر يبدو غريبا بالنسبة إلى الأمريكيين فإن السلفيين يلعبون أدوارا جوهرية في دعم سياسات الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. يوضح برانس هذه الأدوار كما يلي: 1 - هم يشكلون «الثورة المضادة» على الأرض التي تهدف إلى نزع فتيل تصاعد الديمقراطية وتمنع الربيع العربي في تونس من تحقيق أي تطور سياسي يمكن أن يشكل تحديا لأوليات الولاياتالمتحدة (وصول الليبرالية الجديدة إلى المنطقة) وإستراتيجيتها. 2 - تحقق أعمال السلفيين في تونس ومصر مهمة أخرى وهي تشتيت انتباه الرأي العام العربي عن القضية الفلسطينية وسياسة الاحتلال الإسرائيلي. ويخلص برانس إلى أنّ «النهضة تتقارب مع أشقائها السلفيين لتحييد الربيع العربي في تونس ومنعه من التحول إلى أي شيء يمكن أن يهدد الاقتصاد الليبرالي الجديد في البلاد أو تحالفاتها الإستراتيجية مع الولاياتالمتحدة. كما تتابع واشنطن الوضع على حد تعبيره دون أي انتقاد في وقت يتضاعف فيه حجم السلفيين في تونس، في حين يقدم الدعم الأمريكي السياسي والمالي عبر قطر والسعودية اللذان لا يمكنهما تحريك ساكن دون مباركة أمريكية.