المراسل-"الكذب خيانة والصّدق أمانة" استحضرت هذه المقولة من خطاب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه عند تولّيه الخلافة حيث خاطب المسلمين من على المنبر قائلا "أيّها النّاس لقد وليّت عليكم ولست بخيّركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوّموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله وإن خالفت الله ورسوله فلا طاعة لكم عليّ، "الكذب خيانة والصّدق أمانة". فالصّدق أساس الحكم وما أحوجنا اليوم إلى هذه الموعظة بل ما أحوجنا إلى رجال دولة صادقين، فمن نفس الفريق أصبحنا نسمع الكلام ونقيضه، وتقدّم إلينا اليوم أرقاما ومن الغد أرقاما مغايرة تماما، وما أحوجنا إلى من يعترف بخطأه حين يخطئ ويعلن صراحة أنّه أخطأ ومن منّا معصوم من الخطأ ؟؟؟ لقد قالها الصّديق "إن أخطأت فقوّموني" وهو اعتراف ضمنيّ أنّه بشر يخطئ ويصيب !! وانظروا كيف دعا إلى تقويمه !! وانظروا كيف أنّ حكّامنا اليوم تثور ثائرتهم من أجل انتقاد معارض هنا وهناك وكأنّي بهم لا يخطئون أبدا !! فالتقويم واجب متى كان في محلّه والانتقاد محمود متى كان في موضعه، والنّصح واجب كذلك وبكلّ المقاييس متى كان خالص النيّة وليس من باب كلمة حقّ أريد بها باطل. فكم من ناصح "نصف نصيحته أوكلّها له"، مثلما يحدث اليوم في أحزابنا من تجاذبات سببها النصائح المبطّنة بالغايات الشخصيّة والنرجسيّة وحبّ الذّات على حساب مصلحة المجموعة، المهمّ بالنسبة لهؤلاء أن يحافظوا على مواقعهم، رغم أنّ هذه المواقع لا قيمة لها ولا معنى لها وليست مؤثّرة في الأحداث، وخارج التّاريخ إنّها بالنسبة اليهم أصل تجاري أو بطاقة خاصّة إنّه العهر والدّعارة السياسيّة بأتمّ معنى الكلمة، وإنّ ما يمارسونه هو الكذب بعينه بل أخطر أنواع الكذب والمراوغة والخساسة وهذا الرّهط من الناس هم الماشون على حثيث الآخرين وهم أحد أبرز عناوين الانتهازيّة. ولكلّ هؤلاء من حكومة ومعارضة وأشباه السّاسة نقول عليكم بتشريح خطبة أبي بكر، إنّها درس بليغ في العلوم السياسيّة وفي مقوّمات الحكم الرّشيد، إنّها الحقيقة أليس "الكذب خيانة والصّدق أمانة".