عندما تداولت وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة و المرئية و الإلكترونية فيديو زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وهو يعد السلفيين بفتح تونس على طريقة الإسلاميين و أسلمتها طالبا منهم "صبرا جميلا" حتى يتحقق مرادهم، قرعت طبول الخوف و ما كان يجب لها أن تقرع لا لشيئ إلا لسبب واحد وهو أن الغنوشي لم يأتي بالجديد في تصريحاته تلك و ما يعاب عليه هو مسه في حديثه بسمعة المؤسستين الأمنية و العسكرية. و من أدانوا المس بالمؤسستين فمعهم كل الحق لإن كان الغنوشي قد بين من خلال حديثه أن النهضة تتقارب مع الحركات السلفية في المشاريع و الرؤى و تختلف معها في طرق بلورتها فإنه لم يأتي بالجديد و لا بما يثير الإستغراب لأن في حركة النهضة و كما يعلم الجميع قطب سلفي يميل إلى الحركات المتشددة في تصوراته و الكل مازال يتذكر دعوة الصادق شورو إلى تقطيع أعضاء المتضاهرين و صلبهم لأنهم يهددون الإقتصاد الوطني. و مازلنا نتذكر دفاع حبيب اللوز عن السلفيين في إحدى الحوارات التلفزية و كيف يتذكر زعيم النهضة راشد الغنوشي شبابه و نضالاته عندما يتأمل ما يفعله سلفيو اليوم من الشباب المتحمس. و كلنا نعلم كذلك كيف تتجنب الدولة و مؤسساتها الأمنية التصادم مع الشباب السلفي، و لعاقل أن يستنتج من خلال كل هذه المعطيات أن للنهضة شق سلفي يحمل تصورا أكثر تشددا للحم تحت سلطة الإسلاميين. ما أسال الكثير من الحبر و هتفت من أجله الكثير من الحناجر هو أن الغنوشي يشترك مع السلفيين في الإيمان بضرورة تحكيم الشريعة و قد بدا ذلك جليا أكثر في الفيديو المسرب الثاني و الذي يؤكد فيه الغنوشي أن نمط العيش لا يتحدد من خلال الدستور بقدر ما يتحدد من خلال موازين القوى، لكن هذه الحقيقة ليست بالشيئ الجديد، و ليست تجل للحقيقة أجاد به الفايسبوك على رواده ، بل إن الغنوشي إعترف بذلك حين برر عدم التنصيص على الشريعة في الدستور بأنه لا يجب فرض نمط عيش معين على التونسيين من فوق، و يجب أن يكون هذا النمط مستمدا من الشعب عندما يكون مقتنعا بهذا التوجه، وهو ما قاله الغنوشي لمحدثيه السلفيين عندما نصحهم بالعمل على الدعوة إلى التدين و التحسيس بمنافعه من خلال إحداث الجمعيات و بعث المدارس القرآنية، و بهذه الطريقة يمكن أن يقتنع المجتمع بالتوجه الإسلامي في الحكم. الفيديو المسرب يصور النهضة على أنها حليف للسلفيين تلتزم بالعمل السياسي بينما يلتزم السلفيون بالعمل الميداني و هو أمر ليس بالجديد، فالإخوان و السلفيون تحالفوا أثناء حكم العسكر في مصر، و في تونس خرجت مظاهرات عدة جمعت النهضة بالسلفيين لعل أبرزها تلك التي طالبت بتطبيق الشريعة أمام الجلس التأسيسي. و الضرورة السياسية تفرض على النهضة الآن أن تواصل في هذا التحالف و إن كرهه الكثير من قياداتها المعتدلين، فالكثير من السلفيين صوتوا للنهضة في الإنتخابات الماضية و الكثير منهم سيعيدون الكرة، و النهضة مطالبة الآن بتجاوز هذا التحالف إلى آخر انتخابي خاصة و قد مدت يدها إلى الكثير من الأحزاب على غرار الجمهوري و العريضة فردوها خائبة، و حليفيها في الترويكا يبدوا أنهما لن يعيدا الكرة خاصة و قد عاد عليهما الحكم مع النهضة بالمضرة فأعلنا قدوم موسم الهجرة إلى الحداثة قريبا. الزميلة الصريح ترجح في أحد مقالاتها أن يكون نهضويون سلفيون قد سربوا فيديو الغنوشي لإرسال رسالة طمأنة إلى حلفاء المستقبل (السلفيون) أن الطيفين الإسلاميين لا يختلفان في الكثير و لهما نفس الأعداء الذين تارة يسميانهم التجمعيين و تورا العلمانيين. الباحث في التاريخ الإسلامي ناجي جلول حاور زميلتنا الصريح و أكد إمكانية ضلوع أطراف نهضوية متشددة في تسريب الفيديو لطمأنة السلفيين و هو ما يعكس حربا بين الشقين المعتدل و المتشدد في الحركة و أضاف الأستاذ ناجي جلول أن من يقيد المعسكر المتشدد هو محمد شمام الذي عاد للحركة بعد عشرين عاما من المنفى. و اعتبر الباحث نفسه أن النهضة بماهي حزب إسلامي لم تتخلى أبدا عن مشروع الأسلمة.