توقعت مصادر مطلعة على المشهد الحزبي بالجزائر أن تشهد الشهور المقبلة مزيدا من الانشقاقات الحزبية عقب الانقسام الذي شهده حزب "حركة الإصلاح الوطني"، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والتعديل الدستوري المرتقب. ففي تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" الأحد 18-6-2006 توقعت مصادر جزائرية مطلعة - فضلت عدم الكشف عن اسمها- "أن تشهد الأحزاب السياسية مزيدا من الانشقاقات بتدخلات خفية من قبل السلطة لشغل قيادات الأحزاب في مشاكل داخلية لحين انتهاء الانتخابات التشريعية المقبلة وتمرير التعديل الدستوري". ورأت تلك المصادر أن حزب العمال اليساري هو أكثر الأحزاب عرضة للانشقاق من جانب بعض الأعضاء؛ بسبب دوره المناهض لقانون المحروقات، من خلال قيامه بحملة توقيعات لإسقاط القانون الذي دخل حيز التنفيذ منذ العام الماضي. وتتزامن هذه التوقعات مع توجيه عدد من قادة الأحزاب السياسية أصابع الاتهام نحو السلطة بالسعي لإحداث انشقاقات وإضعاف أحزابهم. فخلال مؤتمر صحفي عقد مؤخرا اتهمت زعيمة حزب العمال "لويزة حنون" مراكز في السلطة بما وصفته "كسر الأحزاب السياسية"، عقب اعتقال عدد من نشطاء حزبها، وخضوعهم لتحقيق في مركز الشرطة. ووصفت "حنون" ما حدث بأنه "ممارسة إجراءات قمعية بوليسية.. ومحاولة لزعزعة الحزب والخلط السياسي الناتج عن اقتراب الانتخابات التشريعية في 2007". وقالت بلهجة قاطعة: "لا أعترف بالصدف التي تحدث على الساحة السياسية"، في إشارة لما تعرض له حزب "حركة الإصلاح الوطني" بإصدار القضاء قرارا يجمد نشاط زعيمه عبد الله جاب الله، ويجمد أموال الحزب. وتساءلت "حنون" في الوقت نفسه "عن سر احتراف الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر في الفصل في قضايا الأحزاب السياسية وإصدار أحكام ضدها؟". من جانبه اتهم جاب الله الرئيسَ عبد العزيز بوتفليقة ب"تدبير انقلاب للإطاحة به من رأس الحزب"، بسبب رفضه التعديل الدستوري المرتقب، والذي سيسمح لبوتفليقة بالترشح لفترة رئاسة ثالثة. وقال زعيم حزب "حركة الإصلاح الوطني" في مقابلة مع "إسلام أون لاين.نت الأحد: "أنا لا اعترف بالقرار القضائي الذي يمنعني من النشاط باسم الحركة؛ لأنه حكم صادر من جهة تسعى لتصفيتي سياسيا، لكن هيهات". واعتبر أن "الحكم القضائي الذي فصل لصالح مجموعة من القيادات السابقة في الحزب، احتجت ضد دكتاتورية جاب الله، أصدرته نخبة نافذة في دوائر الحكم بالجزائر تسلك المسلك نفسه مع الأحزاب ذات المصداقية الشعبية". كما اعتبر أن ما حصل الأسبوع الماضي (الحكم القضائي) يتحمل مسئوليته الرئيس بوتفليقة بسب مواقفه (جاب الله) المعارضة لتعديل الدستور. ويتوقع خبراء قانونيون ودستوريون أن يبقى الوضع القانوني لحزب "حركة الإصلاح الوطني" دون تسوية حتى تنتهي الانتخابات؛ لتحجيم حركة الإصلاح، كما تم من قبل تحجيم حركة النهضة الإسلامية بزعامة جاب الله، والتي شهدت خلافا آنذاك على تزكية مرشح الإجماع (التحالف الحاكم) بوتفليقة، فيما أصر جاب الله على الترشيح باسم الحركة. وردا على هذا الخلاف انشق جاب الله، وأسس حركة الإصلاح ليترشح للرئاسة، فيما تراجعت النهضة إلى مقعد برلماني واحد بعدما كان لها برئاسة جاب الله 34 مقعدا، ولا يستبعد المراقبون المصير نفسه لحركة الإصلاح. واقعة مماثلة وتعيد قضية حزب "حركة الإصلاح الوطني" إلى الأذهان فصول واقعة مماثلة، وهي أزمة حزب "جبهة التحرير الوطني"، وكيف بدأت بالشارع و"بحرب المقرات"، وانتهت إلى ساحة القضاء؛ ليصدر مجلس قضاء الجزائر حكما عاجلا لصالح مناهضي الأمين العام علي بن فليس. وكان بن فليس قد أعلن خلال مؤتمر استثنائي الترشح لانتخابات الرئاسة، بينما كان المناهضون له يريدون تزكية الرئيس بوتفليقة، ولم تتم تسوية الوضع القانوني للجبهة إلا بعد الانتخابات وفوز بوتفليقة، واستقالة بن فليس من أمانة الحزب. أحزاب التحالف هذه الانشقاقات لم تسلم منها حتى أحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير الوطني- والتجمع الوطني الديمقراطي- حركة مجتمع السلم) فيما يتعلق بمشروع تعديل الدستور الذي تطرحه جبهة التحرير ليحدد النظام الجزائري بالرئاسي الصرف. ويوسع هذا المشروع من صلاحيات رئيس الجمهورية، فيما يصبح رئيس الحكومة "منسق عمل الوزراء"، ويسمى "الوزير الأول"، ويقوم بتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية. غير أن الجدل الأوسع بشأن المشروع يحدث خارج التحالف حول تمديد فترات الرئاسة، وهو ما يفتح الباب لحكم شمولي بواجهة ديمقراطية غير فاعلة وغير مشاركة في القرار السياسي. وشهدت الساحة السياسية الجزائرية انشقاقات كثيرة منذ تبني البلاد لنظام التعددية السياسية، منها انشقاق جبهة القوى الاشتراكية، التي يتزعمها حسين آيت أحمد، بخروج الحركة من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي شهد بدوره انشقاقين. كما شهدت جبهة القوى الاشتراكية انشقاقين آخرين في الخمس سنوات الماضية . وخرج جاب الله نفسه قبل ذلك من "حركة مجتمع السلم" التي يرأسها الشيخ محفوظ نحناح، ليؤسس حركة النهضة، ثم انشق وأسس حركة الإصلاح. كما شهدت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" منذ إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية عام 1992 عدة انشقاقات وتشرذمات. ويرجع المراقبون كافة هذه الانشقاقات للخلاف على الزعامة، وصعوبة تداول السلطة داخل هذه الأحزاب.