قضية حاوية المخدرات بميناء رادس.. الاحتفاظ بموظفة بشركة خاصة وموظف بالديوانة    البرتغال تعلن رسميا اعترافها بدولة فلسطين    قابس...انطلاق الاستعدادات للموسم السياحي الصحراوي والواحي    آفاقها واعدة .. السياحة البديلة سند للوجهة التونسية    فرع تونس للمحامين..لمن ستؤول الرئاسة؟    التيار الشعبي يدعو الى المشاركة في وقفة احتجاجية وفي اضراب عالمي عن الطعام    مع الشروق : الطباشير في عصر "شات جي بي تي"!    حافلةُ الصينِ العظيمةُ    لأول مرة في تاريخها ...التلفزة التونسية تسعى إلى إنتاج 3 مسلسلات رمضانية    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    بطولة افريقيا لكرة اليد للصغريات (الدور النهائي): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المصري 21-33    بعد جولة أوروبية راقصون من فرقة باليه أوبرا تونس يقدمون عرض "كارمن دانسي"    بطولة انقلترا: ارسنال يختطف التعادل مع مانشستر سيتي 1-1    الملعب التونسي سنيم الموريتاني (2 0) انتصار هام ل«البقلاوة»    الولايات المتحدة: مصرع شخصين وإصابة 5 آخرين بإطلاق نار قرب ملهى ليلي    هل تعرف أيهما أخطر على الصحة... نقص الوزن أم زيادته؟    هذا ما تقرر في حق الارهابيان يحي الغزالي وعادل الغندري    مطار بروكسل يطلب من شركات الطيران إلغاء نصف الرحلات المغادرة غدا: الأسباب    في اليوم عالمي للزهايمر: هذه توصيات وزارة الصحة    الدورة السادسة من تظاهرة "الخروج إلى المسرح" من 26 سبتمبر إلى 2 أكتوبر 2025    من بينها 5 عربية.. ترامب يدعو قادة 5 دول إلى اجتماع بشأن الحرب على القطاع    الحوت الميت خطر على صحتك – الهيئة الوطنية تحذر    الشمال والوسط تحت الرعد: أمطار قوية تجي الليلة!    محرز الغنوشي: ''درجات حرارة ليلية مقبولة...والمليح يبطى''    عاجل: ثلاثية نظيفة للترجي على القوات المسلحة وتقدم كبير نحو الدور الثاني!    عاجل: حارس الإفريقي ينقل للمستشفى بعد تدخل عنيف    مشاركة 1500 عداء وعداءة في ماراطون بالمرسى عائداته مخصصة لمجابهة الانقطاع المدرسي المبكر    الكيني ساوي يفوز بماراطون برلين ويحافظ على سجله المثالي    عاجل/ هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تحذر من خطورة استهلاك هذه الأسماك..    كأس الكنفدرالية الإفريقية: النتائج الجزئية لذهاب الدور التمهيدي الأول    بطولة سان تروبيه الفرنسية للتحدي: التونسي معز الشرقي يحرز اللقب    وزير الخارجية يترأس الوفد التونسي في أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة    المراقبة الاقتصادية تحجز 55 طنا من الخضر والغلال ببرج شاكير والحرايرية    أسطول الصمود :هيئة التسيير تكشف اخر المستجّدات    قلة النوم تهدد قلبك.. تعرف شنو يصير لضغط الدم!    عاجل- تذكير: آخر أجل لإيداع التصريح بالقسط الاحتياطي الثاني للأشخاص الطبيعيين يوم 25 سبتمبر 2025    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    أمطار الخريف ''غسالة النوادر''.. شنية أهميتها للزرع الكبير؟    بحسب التوقعات: تونس الكبرى وزغوان تحت الخطر...أمطار بين 60 و90 ملم!    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    انتشال جثتي طفلين توفيا غرقا في قنال مجردة الوطن القبلي    سوسة: جلسة عمل لمتابعة وضعية شركة الألبان الصناعية بسيدي بوعلي    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    فيتنام بالمركز الأول في مسابقة إنترفيجن وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    قريبا انطلاق أشغال مشروعي تهيئة الملعب البلدي بمنزل فارسي وصيانة المحولات الكهربائية بالملعب الاولمبي مصطفى بن جنات بالمنستير    الموساد تسلّل إلى معقلهه: الكشف عن تفاصيل اغتيال نصر الله    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    عاجل/ مصابون في اصطدام "لواج" بشاحنة ثقيلة بهذه الطريق الوطنية    السبت: أمطار متفرقة بالجنوب الشرقي وسحب عابرة    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة من وراء القضبان دفاعا عن الحقّ في الإعلام


/
قال تعالى . صدق الله العظيم
تونس في 27 ربيع الثّاني 1429 الموافق ل 3 ماي 2008
في حين يحيي أحرار العالم" اليوم العالمي لحرّيّة الصّحافة"، يصطدم أحرار تونس بتفاقم أزمة الصّحافة في بلادهم و بينما كان المساجين السّياسيّين يلجئون إلى الإضراب عن الطّعام دفاعا عن حقّهم في مطالعة الصّحف أصبح المعارضون السّياسيّون يضطرّون للإضراب عن الطّعام دفاعا عن حقّهم في توزيع الصّحف، كما هو الحال اليوم مع صحيفة "الموقف" وإضراب السّيّدين رشيد خشانة و المنجي اللّوز و من قبل نفي الصّحفي عبد الله الزّواري و سجن الصّحفي سليم بوخذير . إنّ سياسة الحرمان من الحقّ في الإعلام داخل السّجن هي جزء من تردّي وضع الإعلام في البلاد فالسّلطة الّتي تفرض حصارا إعلاميّا على من يعيش خلف أسوار السّجن، كيف لها أن تقبل بحرّيّة الإعلام لمن يعيش داخل حدود الوطن و حتّى خارجه؟
و اليوم و بعد ستّة أشهر من خروجي من السّجن، وجدت واقع الإعلام و حرّيّة التّعبير عموما في تراجع مستمرّ رغم تزايد العناوين و الأسماء حيث يحاصر الجريء و يشجّع الرّديء و تسود الرّقابة الذّاتيّة و يتزايد لجوء التّونسيّين إلى وسائل الإعلام الخارجيّة لمعرفة حقيقة ما يجري في بلادهم. كما ازددت يقينا بأنّ ما تعرّض و يتعرّض له آلاف المساجين السّياسيّين الإسلاميّين على مدى 18 سنة من حصار إعلامي شمل منع صحف و تعطيل أخرى واقتطاع مقالات و ترويج أخرى و منع قنوات و فرض أخرى و حرمان البعض من التّلفزة و الجميع من " الرّاديو" و تشديد الرّقابة على الزّيارة و القفّة و المراسلة لعزل الجميع عن العالم إلى حدّ عزل بعضهم في سجن داخل السّجن، دليل على خشية السّلطة من سلطة الإعلام و خشيتها ممّن يتابع الإعلام بعيدا عن سيطرتها، في كلمة؛ هي تخشى الحقيقة. لذلك وجدت نفسي على امتداد 16 سنة و إلى آخر أيّام في سجني أناضل من أجل الحقّ في الإعلام و إعلاء الحقيقة.
يوم 9 جويلية 2007 أي إثر 15 سنة من المحاكمة اضطررت مجدّدا للّجوء إلى الإضراب عن الطّعام للمطالبة بحقّي القانوني في مطالعة الصّحف و المجلات التّونسيّة و الأجنبيّة المرخّص لها في البلاد بدون استثناء. يوم 8 أوت و أثناء مقابلتي لممثّلة عن "لجنة الصّليب الأحمر الدّولي" تدخّل المدير العام للسّجون صحبة مدير سجن المرناقيّة ليقول لي :" عندما تخرج من السّجن ناضل من أجل دخول الصّحف إلى السّجن أمّا الآن فهناك تراتيب معمول بها"، فأجبته:" أناضل داخل السّجن و أبقى أناضل خارج السّجن من أجل إدخال الصّحف إلى السّجن".
‘' Jeune Afrique ‘' و في زيارة 27 أوت، جلبت لي عائلتي مجلّتين : "حقائق"
. بدعوى أنّها ممنوعة‘'Jeune Afrique''فرفضت إدارة السّجن تسلّم
في زيارة 10 سبتمبر جلبت لي عائلتي مجلّتين :
‘'TIME'' "الملاحظ" و
فطلبت منها جلب صحف الأحزاب المرخّص فيها. يوم 11 سبتمبر ، تسلّمت مجلّة "حقائق". يوم 24 سبتمبر رفضت إدارة السّجن تسلّم "حقائق" و "الموقف" و "الوطن". يوم 27 سبتمبر، و أثناء مقابلة مع شخصين من وزارة الدّاخليّة حول حديثي مع عائلتي في الزّيارة تعرّضت لموضوع الحقّ في الإعلام فسجّلت دخول مجلّة "حقائق" كخطوة إيجابيّة غير مسبوقة في التّعامل مع المساجين السّياسيّين من ناحية واستنكرت منع صحف الأحزاب داخل السّجون باستثناء صحافة الحزب الحاكم واعتبرت أنّ ذلك دليل على عدم حياد إدارة السّجون و عدم اعتراف وزارة العدل بالتّعدّديّة رغم ما ترفعه السّلطة من شعار "دعم أحزاب المعارضة و صحفها" . واستغربت سلوك إدارة السّجن بالسّماح ببيع مجلّة واحدة هي :"
‘' Univers Sport ‘'
يوم 29 سبتمبر ، تسلّمت مجلّتي :
‘'TIME'' "الملاحظ" و
يوم 30 سبتمبر قابلت مدير السّجن ووعدني بفتح الباب لدخول الصّحف. في زيارة 8 أكتوبر تسلّمت الإدارة من عائلتي : "حقائق" و "الموقف" و "الوطن" و في زيارة 22 أكتوبر تسلّمت الإدارة من عائلتي :"حقائق" و "الموقف" و "الوطن" و "جون أفريك". و عندما هدّدت بالعودة إلى الإضراب، سلّمتني الإدارة مجلّة حقائق و رفضت البقيّة. يوم 7 نوفمبر، أطلق سراحي و بقيت "الموقف" و "الوطن" و "جون أفريك" محجوزة عند إدارة السّجن. و في نفس الفترة ، تحصّل الدّكتور الصّادق شورو بعد التّهديد بالإضراب على مجلّة
" Sciences et Vie"
‘' l'Expression ‘' كما منع المهندس رضا البوكادي من مطالعة مجلّة
هذا عن الصّحف، أمّا عن الإعلام السّمعي البصري، فعند دخولي إلى السّجن بداية التّسعينات، كانت الإدارة ترخّص للمساجين في متابعة القناة الإيطاليّة الأولى و القناة الفرنسيّة الثّانية ثمّ القناة العربيّة
‘' ART ‘'
و مع مطلع القرن الجديد، تراجعت الإدارة وفرضت متابعة برامج القناة الرّسميّة بدعوى "دعم القناة الوطنيّة" الّتي ثبت زهد المساجين في متابعة برامجها، الأمر الّذي تأكّد مرّة أخرى مع وجود "قناة حنّبعل" الخاصّة و ما تميّزت به عن القناة الرّسميّة من قدر من الجرأة في بعض برامجها إلى حدّ تدخّل إدارة السّجن لقطع البثّ عن المساجين في بعض البرامج مثل برنامج حول معاناة المساجين المسرّحين في استرداد حقوقهم لتيسير اندماجهم في المجتمع و مسلسل أمريكي عن السّجن.
و لقد حرمت من متابعة برامج التّلفزة لعشر سنوات متتالية بحكم وضعي في العزلة و لم أتمكّن من ذلك إلا في مطلع أكتوبر 2001 بعد إضراب عن الطّعام ب 35 يوم في سجن الهوارب ، لأحرم مجدّدا من التّلفزة في أفريل 2003 مع نقلتي إلى سجن صفاقس فاضطررت إلى الدّخول مجدّدا في إضراب عن الطّعام لمدّة 50 يوم قبل أن تستجيب الإدارة و تمكّنني و أمثالي من المقيمين في العزلة الفرديّة من جهاز تلفزة في جانفي 2004 لبثّ برامج القناة الرّسميّة فقط. فقد وصل الأمر إلى حدّ قطع الزّيارة عن أهلي عندما أعلموني بخبر نقلته" قناة الجزيرة" و ذلك في خريف 2005 عندما كنت في حالة إضراب و أكثر من ذلك بحرمان أختي هند من حقّ الزّيارة يوم 23 جويلية 2007 بسبب مداخلاتها في "قناة الحوار اللّندنيّة" و "قناة الجزيرة" أيّام الإضراب. أمّا "الرّاديو" فممنوع في السّجون التّونسيّة و حتّى عندما لجأت الإدارة إلى البثّ الإذاعي داخل السّجن في السّنوات الأخيرة فقد اقتصر الأمر على الغناء و الرّياضة و الاحتفالات الرّسميّة.
فلا غرابة أن أجد نفسي اليوم مثل عديد التّونسيّين و التّونسيّات محاصرا عند استعمال الانترنت ابتداء بالمواقع غير الحكوميّة المحجوبة إلى المراسلات الالكترونيّة المعطّلة كما كان الشّأن داخل السّجن بين صحف غير حكوميّة ممنوعة و رسائل عائليّة محجوزة في تونس الّتي شهدت في نوفمبر 2005 انعقاد "القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات". لقد ازددت مع التّجربة اقتناعا بأنّ حرّيّة الإعلام سلاح ضدّ الاستبداد و الفساد و مفتاح للإصلاح في كلّ المجالات، فقد كان طلب محمّد صلّى الله عليه و سلّم من قومه:" خلّوا بيني و بين النّاس". فرفضوا فلمّا سألهم يوم فتح مكّة ماذا يرون أنّه فاعل بهم قالوا :"أخ كريم وابن أخ كريم" فأجابهم :" اذهبوا فأنتم الطّلقاء" فكانت دعوة الإسلام مقترنة من بدايتها إلى نهايتها بالحرّيّة ضدّ الاستبداد، في المعارضة أو في الحكم سواء بسواء. على هذا الدّرب نتقدّم في النّضال من أجل حرّيّة الإعلام و موعدنا الصّبح أليس الصّبح بقريب ؟.
ختاما، و مساهمة منّي في الاحتفال باليوم العالمي لحرّيّة الصّحافة، أريد أن أطلع الرّأي العام على وثيقة هي عيّنة من مواقف المساجين السّياسيّبن الإسلاميّين في نضالهم المرير و المشرّف من أجل الحقّ في الإعلام وهي رسالة منّي إلى وزارة الدّاخليّة من عزلتي في سجن الهوارب إثر تصريح لرئيس الدّولة عزلتي في سجن الهوارب إثر تصريح لرئيس الدّولة أمام عدد من مديري الصّحف يوم 5 ماي 2000 بمناسبة اليوم العالمي لحرّيّة الصّحافة.
رحم الله الصّحفيّين الشّهداء و يسّر الله سراح الصّحفيّين السّجناء و كلّ عام و الصّحافة و الصّحفيّين بخير مع تهانيّ الخالصة ل "قناة الجزيرة" و لكلّ أحرار العالم بسراح الصّحفي المناضل سامي الحاج .
، صحفيّ سابق ب"صحيفة الفجر" المحظورة و سجين سياسي سابق في "حركة النّهضة" .
@@@@@@@@@
رسالة من السّجين السّياسي
إلى وزارة الدّاخليّة بمناسبة اليوم العالمي لحرّيّة الصّحافة: 3 ماي 2000
إنّي الممضي أسفله السّجين كريم بن عمر بن خالد الهاروني رقم 11777 المقيم في السّجن المضيّق بالهوارب منذ 13 فيفري 1998 و في العزلة منذ يوم إيقافي في 30 أكتوبر 1991 المحكوم بالسّجن مدى الحياة في قضيّة حركة النّهضة المعروضة على "المحكمة العسكريّة الخاصّة" تحت رقم 33-91 في صائفة 1992 و بالسّجن لمدّة تسع سنوات و نصف في قضايا " انتماء إلى جمعيّة غير مرخّص فيها" أتوجّه إليكم بهذه الرّسالة لمطالبتكم مباشرة بوضع حدّ لسياستكم في ضرب حصار إعلامي ضدّي رغم وجودي بالسّجن بل بالسّجن المضيّق منذ ما يقارب التّسع سنوات و ذلك بعد صبر جميل واستنفاذ الوسائل الإداريّة العاديّة من مراسلات و مقابلات فهذه مظلمة أخرى تسلّط عليّ لا يقدّر ضررها المادّي و المعنوي و معاملة لا تشرّف البلاد خاصّة في هذا العصر، عصر حرّيّة الإعلام و الاتّصال ففي الوقت الّذي يحتفل فيه المؤمنون بحرّيّة الرّأي و التّعبير و المعرفة باليوم العالمي لحرّيّة الصّحافة تمنع عنّي إدارتكم مطالعة الصّحف ما يقارب الأسبوع لأكتشف بعد ذلك أنّ الأمر يتعلّق بالوضع العام بالبلاد و ما يقال عنه في الدّاخل و الخارج في حدود ما سمحت به إدارتكم . و قد تكرّرت هذه الممارسة إلى درجة أنّها أصبحت حقّا مكتسبا للإدارة العامّة للسّجون تحت إشرافكم و بلغ الأمر أحيانا أن يصبح المنع هو القاعدة و التّرخيص هو الاستثناء و الحال أنّ قانون النّظام الدّاخلي للسّجون المؤرّخ في 4 نوفمبر 1988 يضمن لي حقّ مطالعة الصّحف يوميّا إلى جانب متابعة برامج التّلفزة و الإذاعة. يحدث هذا أيضا في الوقت الّذي تصرّح فيه السّلطة على لسان رئيسها أمام من يكتب الصّحف و يقرؤها: "و إنّي أؤكّد أنّ هذا دوركم أنتم إذ عليكم أن تقولوا الحقيقة و لا شيء غير الحقيقة . إنّي ممّن يؤمن بعلويّة القانون و يحرص على احترام القانون ... لكن مادام القانون ساريا فإنّ الواجب يفرض احترامه". لقد قلّبت الموضوع من مختلف الزّوايا القانونيّة و الأمنيّة و الإداريّة و الأخلاقيّة فلم أجد مبرّرا مقنعا و مشروعا لسياستكم تجاهي و كلّما طرحت السّؤال على إدارة ة السّجن أو الإدارة العامّة للسّجون فالجواب لا يتجاوز القول " نحن ننفّذ التّعليمات" و بصفتكم سلطة الإشراف على قطاع السّجون و مصدر السّياسة المتّبعة فيه و المسؤولة أمام القانون عن ظروف إقامتي بالسّجن فإنّي أجد نفسي مضطرّا في الأخير لمخاطبتكم و معرفة جوابكم فقد جاء في نفس التّصريح :" الإعلام الحقيقي هو الرّأي و الرّأي المخالف قل ما تشاء و أنا أجيبك و إذا ثبت أنّ الحقّ معك تقنعني أو أقنعك و لكن لنتحاور أمّا أن تقول لي اسمع و اسكت فذلك مرفوض" و لأنّي حريص على أن أقنع و أقتنع كلّما تعلّق الأمر بالحقوق و الواجبات فإنّي أريد أن ألفت انتباهكم أوّلا إلى المسائل التّالية :
-أ- جاء في نفس التّصريح الرّسمي بأنّ "حقوق الإنسان في تونس محترمة" و معلوم أنّ حقوق السّجين من حقوق الإنسان بل إنّ احترام حقوق السّجين امتحان حقيقي لكلّ دولة في العالم ترفع شعار حقوق الإنسان . فهل أنّ وضعي منذ إيقافي إلى اليوم أي طيلة ما يقارب تسع سنوات في العزلة مع الحرمان من متابعة وسائل الإعلام : التّلفزة و الإذاعة مع تقطّع مكثّف في وصول الصّحف القليلة المرخّص فيها ، هل هذه معاملة فيها احترام للقانون و لحقوق الإنسان ؟ و هل يجوز اعتبارها مجرّد تجاوز من التّجاوزات أو نقيصة من النّقائص الّتي يمكن أن توجد في أيّ دولة خاصّة إذا كانت تسمّي نفسها "دولة القانون و المؤسّسات"؟ أم أنّها سياسة رسميّة و لكنّها غير معلنة و هل يعني التّصريح :" أنّ اتّهامنا بعدم احترام حقوق الإنسان جاء فحسب لكون أحد المواطنين قرّر بمفرده و عن طواعيّة الإضراب عن الطّعام" بأنّ ظروف إقامتي بالسّجن في نظر السّلطة بل و في نظر العالم مثالا لاحترام حقوق الإنسان لا العكس؟.
-ب- تنكر السّلطة السّياسيّة أنّي سجين سياسي فلماذا إذا تمنع عنّي مطالعة الصّحف كلّما تعلّق الأمر بخبر أو تحليل سياسي محلّي أو دولي لا ترغب في أن أطّلع عليه في حين تحرص أن أطّلع على نوع من الأخبار و التّحاليل السّياسيّة المناقضة . أو تمنع عنّي كلّ وسائل الإعلام طيلة فترة الإيقاف ثمّ و إثر المحاكمة تستثني بعض الصّحف مثل" الصّباح " لما يقارب ثلاثة سنوات منذ 1993 أو "الشّروق" منذ 1996 أو فرض دخول صحافة "الحزب الّذي في الحكومة" و منع صحافة "الأحزاب الّتي في البرلمان" أو منع مطالعة المجلات الأسبوعيّة و غيرها أو منعي من مطالعة الصّحف الأجنبيّة المرخّص لها في البلاد سواء باللّغة العربيّة أو الفرنسيّة أو الإنقليزيّة كلّ هذا إضافة إلى المراقبة المشدّدة الّتي أخضع لها بالإقامة في السّجن المضيّق و عند زيارة أهلي أو مراسلتهم . أليس هذا الحصار ممّا يزيد في ثقتي في أفكاري و مواقفي و في نفس الوقت يحرمني من الاستفادة من أفكار غيري و تجاربهم في البلاد و في العالم من خلال مطالعة مختلف الصّحف و المجلات و الكتب و متابعة مختلف البرامج في الإذاعة و التّلفزة ؟ و ليس هو إلا محاولة لفرض نمط من التّفكير و النّظر للأمور و النّتيجة أنّي منذ ما يقارب تسع سنوات أجد نفسي سجينا جسما و عقلا و الأصل أنّ السّجن سلب تامّ لحرّيّة التّنقّل فقط فهو حبس في مكان محدّد للإنسان تحفظ فيه كرامته و ينمو فيه عقله و يبقى قريبا من أهله . فلكلّ عصر سجنه و أوضاع السّجون من أهمّ المقاييس الّتي يقاس بها تقدّم المجتمعات و الدّول فمتى أصبح سجينا حسب ما نصّ عليه قانون السّجن ؟ .
-ج- أمّا عن محتوى الصّحف الصّادرة في تونس فتقييمه حسب ما ورد في التّصريح كما يلي :" أريد أن أؤكّد أنّني كلّ يوم كمواطن أتلقّى كلّ الجرائد الّتي تصدر في الصّباح و أتصفّحها جميعها و أستطيع القول أنّه بإمكاني أن أكتفي بقراءة صحيفة واحدة ولست بحاجة لمطالعة البقيّة ذلك أنّ الصّور هي ذاتها و المقالات و الأخبار هي نفس المقالات و الأخبار و بكامل الصّراحة أقول لكم إنّي لا أجد بها شيئا جديرا بالمطالعة ". ثمّ يضيف :" و أودّ هنا أن أفتح قوسين لأؤكّد أنّه بدون شكّ يمكن للإنسان أن يكتب عمّا يشاء لكن ثمّة قطعا محرّمات ... و هي أوّلا أعراض النّاس ... و ثانيا رغبة بعض الصّحفيّين في الكتابة عن مواضيع مثل التّنظيمات السّرّيّة و الإرهابيّة غير القانونيّة ... و باستثناء هذا فيمكنكم التّكلّم في أيّ موضوع و إنّي أريد أن تكتبوا في كلّ شيء حتّى نجد ما نطالعه ...بقيت مسألة الرّقابة الذّاتيّة هذه ليس لنا فيها أيّ ذنب " . إذا كان هذا حال الصّحافة و الصّحفيّين في نظر السّلطة و هذه المحرّمات الّتي تفرضها على الصّحفيّين زيادة على ما جاء في قانون الصّحافة فلماذا تمنع عنّي مطالعتها ، البعض باستمرار و الآخر بكثافة ؟ لماذا الصّحف لا تصلني إلا بعد قطع ثلاثة حواجز: المراقبة الذّاتيّة قبل دخول المطبعة و المراقبة الإداريّة قبل دخول السّوق و المراقبة الأمنيّة قبل دخول السّجن . و هل لمطالعتي لمثل هذه الصّحف خطر على أمن السّجن أو أمن الدّولة ؟ وممّا يزيد الأمر غرابة أنّ المنع يتمّ بسبب أخبار و تحاليل عن أوضاع مجتمعات و دول أخرى و خاصّة الجزائر في غالب الأحيان و الحال أنّ لكلّ بلد تجربته الّتي يؤخذ منها و يردّ و أنّ معرفة الحقيقة هي السّبيل الوحيد لاتّخاذ موقف منصف لا ظلم فيه لأحد و أخذ العبرة من التّاريخ البشري ، فهل أنّ دخول الجزائر مرحلة المصالحة الوطنيّة و فشل محاولات التّعتيم و التّشويه الإعلامي و خطإ أصحابها في تقدير مصلحة الشّعب الجزائري و مصلحة بلادنا هل يجعلني ذلك آمل في عدم منع الصّحف مستقبلا بسبب أحداث تقع خارج تونس على الأقلّ ؟.
-د- أمّا عن المستقبل فيحقّ لي أن لا أكون متفائلا لأنّه في صورة تطوّر واقع الإعلام بالبلاد و لو كان محدودا و ظهور تحسّن في مستوى الصّحف فإنّ نصيبي من ذلك سيكون مزيدا من المنع من مطالعة الصّحف و لكن هذه المرّة بسبب أخبار و تحاليل تهمّ وضع المجتمع و البلاد أكثر منها الأوضاع في الخارج مع تواصل منعي من متابعة برامج التّلفزة خاصّة و أنّي مسلّط علّي حكم بالسّجن مدى الحياة حسب حكم القضاء العسكري؟
-ه- ممّا أكّد عليه التّصريح أنّه :" حتّى المحكوم عليه بالإعدام له حقّ الدّفاع عن نفسه فحقّ الدّفاع مضمون فاتركوا لنا فرصة الدّفاع عن أنفسنا" و قد سبق لي أن خضت تجربة مريرة عن حقّي في ادخال الكتب عن طريق عائلتي و هو حقّ أساسيّ و حيويّ يضمنه لي قانون السّجن ، بعد طول دفاع عن طريق مراسلة الإدارة العامّة للسّجون و مقابلة إطاراتها توجّهت إلى القضاء لعلّه ينصفني فإذا كان حقّ الدّفاع مضمونا فلماذا منعتني الإدارة العامّة للسّجون من حقّي في رفع دعوى قضائيّة لدى المحكمة الإداريّة ضدّها لنيل حقّي المشروع الّذي ينصّ عليه القانون أي إدخال الكتب للمطالعة و في مقدّمتها تفسير القرآن الكريم و بالتّحديد تفسير "التّحرير و التّنوير" عن طريق أهلي أو عبر البريد و ذلك بمنع وصول رسالتي إلى السّيّد وكيل الجمهوريّة بالقيروان المؤرّخة في يوم 10 ديسمبر 1999 الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان ثمّ رفض مطلبي لمقابلته المؤرّخ في 28 مارس 2000 ؟ هكذا تحرمني من حقّي و تمنعني من حقّ الدّفاع عنه و تصرّ على أن تفرض عليّ الإقامة في العزلة بالسّّجن المضيّق و تزيده ضيقا بمنع وسائل الإعلام المرئيّة و المسموعة و المقروءة ثمّ تزيده ضيقا بمنع دخول الكتب و أخيرا تزيده ضيقا بالإبعاد عن العائلة و تعطيل المراسلات أي عزلة مادّيّة و إعلاميّة و ثقافيّة و نفسيّة و اجتماعيّة ، ظلمات بعضها فوق بعض فماذا بقي من فرق بيني و بين المحكوم عليه بالإعدام ؟ و لكن أين حقّ الدّفاع عن النّفس و عن الحقّ ؟
بناء على ما تقدّم و تمسّكا منّي بحقّي كسجين في وسائل الإعلام و الثّقافة و دفاعا عن هذا الحقّ الأساسي و الحيوي بالنّسبة لي و حتّى يكون احترام القانون و حقوق الإنسان واقعا لا شعارا فإنّي و بمناسبة اليوم العالمي لحرّيّة الصّحافة أي حرّيّة الكتابة و حرّيّة التّوزيع و حرّيّة المطالعة أعبّر عن استيائي الشّديد لما تعرّضت و أتعرّض له منذ ما يقارب تسع سنوات من حصار إعلاميّ و ثقافي و فكري نتيجة حرماني من حقّي في مطالعة الصّحف بانتظام و متابعة برامج التّلفزة و الإذاعة و إدخال الكتب في مختلف مجالات العلم و المعرفة و الثّقافة و الأدب و بهذه المناسبة أيضا فإنّي أطالب بما يلي :
1- وضع حدّ لهذه السّياسة المخالفة للقانون و المضرّة بالسّجين و المتعارضة مع مصلحة البلاد و البعيدة عن
روح العصر وذلك بتمكيني من حقّي في وسائل إعلام و في مقدّمتها مطالعة الصّحف يوميّا بدون انقطاع .
2- توسيع قائمة الصّحف المسموح لي بمطالعتها لتشمل كلّ الصّحف اليوميّة و الأسبوعيّة التّونسيّة المرخّص لها بدون استثناء
3- تمكيني من مطالعة الصّحف و المجلات الأجنبيّة المرخّص لها بالبلاد
4- تمكيني من مطالعة المجلات العلميّة و الثّقافيّة التّونسيّة و الأجنبيّة
إنّ استجابتكم لمطالبي المشروعة و المعقولة سيجعلني أعدّ ذلك خطوة مهمّة في الاتّجاه الصّحيح تجنّبا لكلّ تعقيد و مزيد إضاعة الوقت و الجهد على حساب مصلحة البلاد بل إنّي أعتبر مصلحة البلاد حقّا أن يأتي يوم تستطيع فيه الصّحافة التّونسيّة أن تكتب عن ظروف إقامتي بالسّجن و أن تقبل إدارتكم أن يطّلع المواطن و أن تسمح الإدارة العامّة للسّجون بدخول تلك الصّحف لأقرأها كما يحصل في عديد البلدان المتقدّمة في هذا المجال من حرّيّة الإعلام و خدمة الحقيقة و احترام حقّ الدّفاع على النّفس لكلّ الأطراف بدون استثناء أو محرّمات فقد جاء في التّصريح : "حيث انتابت الشّكوك حتّى المواطن التّونسي الّذي أصبح يبحث عن الخبر و يتنقّل بين القنوات التّلفزيّة و يذكر ما جاء فيها ...و هنا فإنّ اللّوم يقع دون شكّ على الصّحافة التّونسيّة الّتي كانت بمقدورها أن تورد الموضوع و لو في أربعة أو خمسة أسطر فما هو المانع من أن تعلن أنّ مواطنا قام بإضراب جوع و على أيّة حال فلو كانت الصّحافة التّونسيّة قد كتبت حول الموضوع ما كان الأمر ليصل الحدّ الّذي وصله".
ختاما أرجو أن تصلكم رسالتي هذه الّتي أردتها صريحة، صراحة تناسب خطورة الموضوع و أهمّيّته بالنّسبة لكلّ الأطراف المعنيّة به و أرجو أن تجد لديكم الاهتمام الّذي تستحقّ و أن يكون ردّكم ايجابيّا لتنتصر الحقيقة ويبقى القانون فوق الجميع فتردّ الحقوق إلى أهلها ففي ذلك وحده مصلحة البلاد و العباد.
السّجن المدني بالهوارب في 3 صفر 1421-8 ماي 2000


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.