اهتدت البشرية إلى المسلك الديموقراطي والطريق الانتخابي لحل جزء من معضلة السلطة والتداول عليها وتدبير شأن المال العام والوصول به قدر المستطاع إلى خدمة المجتمع في عمومه عوض استئثار شخص به أو فئة محدودة من المنتفعين،ولا حظنا في كثير من أقطار الدنيا كيف تسلم مفاتيح الإدارة والخزينة ممن انتهت ولايتهم إلى من صعد نجمهم واختارهم الناس من غير مشاكل تذكر. وظهر نفع هذا المسلك واضحا جليا على تلك الدول والمجتمعات أمنا وتنمية ورقيا وتقدما وحلت به كثير من المعضلات ويسر سبل التعاون والتكتل والوحدة بين أطراف كان يسود بينها التنافر والعداوة بل وحتى الاقتتال. وبقينا نحن نراوح مكاننا وكأن بنا سفها من دون البشر نحتاج معه حجرا دائما،وكأن بنا مرضا شديد الحساسية من الشورى والديموقراطية نحتاج منهما فقط إلى جرعات قليلة جدا ولعقود متطاولة وزمن غير منظور النهاية.ويصحب ذلك عادة كلام غير مفهوم عن الظرفية والخصوصية والوحدة الترابية والمحيط الإقليمي والدولي،وكأن ما يناقض مبدأي الشورى والديموقراطية من استفراد واستبداد واستئثار هو الحل الأمثل للظرفيات الة والأوضاع الشاذة،أم ترى أن منطق العقل يفرض إذا كنا في وضع أي أصعب مما عند الآخرين أن نسلك طريق الجادة وسبيل الشورى والديموقراطية بلا هوادة لما فيها من الخير والحلول الناجعة وتحمل المسؤولية الجماعية لأي اختيار،وتقوية اللحمة وسيادة الثقة وتحريك العقول والسواعد في تنافسية مفيدة. وإلا سنكون بمثابة من يتآمر على المريض ومن هو في وضع محرج بالتقليل من دوائه أو حرمانه منه،أو من يضع وصفة له جملة من السموم ويوصي بحجزه في مكان وجو موبوء بالأوساخ والقاذورات. ولمن يتعلل بالظرفيات الة أن ينظر إلى الكيان الغاصب الذي زرع في جسم الأمة على أرض فلسطين،كيف وهو اللص الغاصب لأرض غيره ويقيم كيانه وسط بحر متلاطم من أعدائه وليس أحوج من الطوارئ والخصوصيات منه ومع ذلك يصر على ديموقراطيته الداخلية والسير الطبيعي في وضع غير طبيعي،وتناوب مجرميه على استفزاز الأمة كلها والضحك على ذقون حكام العرب أو بالأحرى الرقص مع بعضهم على أشلاء القضية برمتها.مع فارق في هذا المشهد المقرف وهو أن الراقصين الصهاينة يتغيرون ويتجددون باستمرار وهم أكثر فتوة وحيوية،وأما الراقصون العرب المترهلون فلا يغادرون المنصة إلا بموت أو انقلاب،ولما توارت موجة الانقلابات وقلت فقد طال عمر بعضهم في هذه الرقصة المشأومة. ونحن في بلادنا مع هذه الجرعات القليلة والضعيفة من دواء الديموقراطية نلاحظ في هذه الآونة الأخيرة كلما اقترب هذا العرس الناقص كلما تحركت أطراف متوجسة حتى من هذا القليل من الجرعات تريد التشويش عليه وإفساده وزرع مزيد من اليأس منه وعزوف الناس من مجرد التطلع إليه،فكان في المرة السابقة مع قرب الانتخابات الجماعية الاستغلال البشع المكشوف للحادث الإرهابي الغريب المشأوم الذي أدانه عموم المغاربة،فطالت الاعتقالات العشوايئة الآلاف من الأبرياء وتم استخدام مختلف أشكال الترويع والظلم وإرهاب عدد كبير من المغاربة وخصوصا المتدينين منهم،فما إن سمع كثير منهم بالحدث المشأوم وحمدوا الله على السلامة من شر الفئة الضالة والزمرة الإرهابية الغريبة عن النسيج المغربي حتى فوجئوا بإرهاب وترويع تمارسه جهات في الدولة لمجرد ظنون كشف الزمان كذب معظمها وبطلانه.وكانت نتيجته أن ازداد سوء ظن كثير من الناس بالشعارات المرفوعة وعظم شكهم في السياسة والسياسيين ويئسوا من الخير الذي يمكن أن يأتي من جهتهم. وها نحن اليوم أمام ما هو قريب من هذه المسرحية،بتصعيد التوتر مع فئة أخرى من المغاربة المتدينين على بعد سنة من الانتخابات المقبلة،وبغض النظر عن الاختلاف في وجهة النظر التي يمكن أن تكون مع جماعة العدل والإحسان من الناحية التربوية والسياسية،فإنه لا يجوز السكوت على الظلم الواقع عليها وعلى أفرادها أو على أي واحد من المغاربة،وخصوصا وأننا نعلم أن الجماعة تنبذ العنف وتسعى إلى مقاصدها بالطرق السلمية وتعمل جاهدة لطرق الأبواب القانونية،ولا يمكن أن تلام إذا سدت المنافذ الطبيعية في وجه تجمعاتها ومقراتها بل يلام من حرمها ومنعها من حقوقها القانونية،وأما لجوؤها إلى اجتماع البيوت فيبقى المهم سلامة المضمون والمحتوى،وإلا فهي ليست وحيدة في هذا المجال بدءا بأعراف الناس في الاجتماع في مناسبات مختلفة من عقيقة وعزاء واحتفال بعرس أو نجاح أو قدوم مسافر أو زيارة عائلية أو صدقة أو غيرها ومنها تكريم حملة القرآن والاحتفاء بمجالسه أو مدارسة ما تيسر من كتاب الله وسنة رسوله إعمالا للسنة وما جرى به العمل عند المسلمين"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده" والاجتماع في البيوت عرف سار معروف عند الأحزاب والجمعيات والطرق الصوفية والتيارات السلفية والحركية والتبليغية وغيرها وإذا جعل معيارا للمخالفة القانونية فالتهيئ الدولة سجونا تتسع لجل المغاربة. ثم هذا الأمر ليس جديدا على الجماعة ولا على غيرها فلماذا في هذا الظرف بالذات؟ فهل يكون من المقاصد مرة أخرى الضرب على وتيرة تأزيم النفسيات وإشاعة اليأس من الديموقراطية المحلية الضعيفة أصلا وزيادة النفور من الاهتمام بتدبير وإصلاح الشأن العام حتى يخلو الجو لقلة من المنتفعين الفاسدين؟