بشرى سارة بخصوص مباراة السوبر بين الترجي والملعب التونسي..    عاجل/ تحيين للوضع الجوي..أمطار رعدية الليلة..وهذه التفاصيل..    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة ضمن قائمة اداء الاسواق العربية خلال الربع الثاني من 2025    صفاقس: حملة لمقاومة الانتصاب الفوضوي بشاطئ الشفار    معهد الرصد الجوي يضع عددا من المناطق في الخانة الصفراء    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    زغوان: حجز 735 كلغ من الأسماك الفاسدة كانت داخل براميل بلاستيكية كبيرة الحجم    عاجل/ زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ القبض على "بلوجر" معروفة..وهذه التفاصيل…    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية في عدد من الولايات..    عاجل/ تزايد محاولات القرصنة..ووكالة السلامة السيبرنية تحذر..    نقابة الصحفيين : مقاطع الفيديو المتعلقة بجماهير المهرجانات والمتداولة ليست لصحفيين محترفين ويجب احترام أخلاقيات المهنة    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    18/20 وُجّه لعلوم الآثار بدل الطب... تدخل وزاري يعيد الحق لتلميذ باكالوريا    غدًا.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمعالم التاريخيّة    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    الشاب بشير يمتع جماهير مهرجان سلبانة الدولي    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط تدعو إلى سنّ ضوابط لحضور الأطفال في المهرجانات والحفلات    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    مونديال الكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينهي مشاركته في المركز الثاني والعشرين    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة فنية حافلة    وزير التعليم العالي يتدخل وينصف التلميذ محمد العبيدي في توجيهه الجامعي    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    توقعات موسم أوت - سبتمبر - أكتوبر 2025: حرارة أعلى من المعدلات واحتمالات مطرية غير محسومة    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    بعد إيقاف مسيرتها.. أنس جابر تتفرغ للدفاع عن أطفال غزة    النادي الصفاقسي: لاعب جديد يغادر الفريق    نواب أمريكيون يدعون ترامب لإنهاء الحرب في غزة    طقس اليوم: أمطار رعدية متوقعة وارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بالجنوب    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    النادي الإفريقي يعلن تعاقده رسميا مع "فوزي البنزرتي"    كولومبيا.. تعيين ممثل أفلام إباحية وزيرا للمساواة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    عاجل : القضاء الأميركي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين: تفاصيل    الحوثي يستهدف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي    موجة شهادات مزورة تثير تداعيات سياسية في إسبانيا    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    (سنغفورة 2025 – أحمد الجوادي يتأهل إلى نهائي سباق 1500م سباحة حرة بتوقيت متميز    مباراة ودية: تغيير موعد مواجهة النجم الساحلي والنادي البنزرتي    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب الجزائري يتوج باللقب    عرض كمان حول العالم للعازف وليد الغربي.. رحلة موسيقية تتجاوز الحدود    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    أعلام من بلادي: الشيخ بشير صفية (توزر): فقيه وأديب وشاعر درس في الجزائر وتونس    دكتورة في أمراض الشيخوخة تحذّر من اضطرابات المشي لدى كبار السن المؤدية إلى السقوط    وزارة الصناعة تمنح شركة فسفاط قفصة رخصة البحث عن الفسفاط " نفطة توزر"    وزارة التجارة تعلن عن تحديد أسعار قصوى للبطاطا وهوامش ربح للأسماك بداية من 4 أوت    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    خطبة الجمعة: أمسِكْ عليك لسانك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى تأسيس حركة النّهضة : قراءة في الخطاب: وسطيّة الاسترضاء

تعرّضنا في مقالنا السّابق على الانزلاق الذي آل إليه خطاب حركة النّهضة منذ الإعلان وقد ازداد ذلك الانزلاق سوءا بعد اختطاف الحركة من سياسيّيها الذين استهانوا بمعاني الألفاظ المكلّفة ومدلولات الكلمات القاسية لعدم تحكيمهم للرّسول في كلّ أمورهم، وقد اشتدّ نكير النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم على كلمات تبدو لجهلة العقيدة فرعيّة أو هيّنًة كما يروّجون حيث ردّ على من قال: ما شاء الله وشئت! فقال له:"بئس ما قلت أجعلتني للّه ندّا قل: ما شاء الله وحده! وفي رواية: قل: ما شاء الله ثمّ شئت". فلاحظ أخي القارئ كيف أنكر النّبيّ على رجل قرن مشيئة النّبيّ بمشيئة الله تعالى بحرف يقتضي التّسوية بينهما، وجعل ذلك اتّخاذ النّدّ لله المؤدّي إلى الشّرك به عزّ وجلّ، فإذا كان ذلك كذلك، فكيف بأقوال عظيمة صدرت من سياسيّ حركة النّهضة، أشرت إلى بعضها في بعض مقالاتي منها: السّلفيّة في تونس بين بطش السّلطة وابتزاز حركة النّهضة2/2،1، ومن ذلك أيضا دعواه أنّ العقيدة"صخرة تتحطّم عليها آمال الشّعب التّونسيّ في الحرّيّة والإنعتاق"، وإذا لم يسكت الرّسول الأسوة على ذلك الرّجل فكيف يريد البعض منّا أن نسكت عن تلك التّهوّكات؟ من أجل ذلك نؤكّد عل خطورة تلك المقولة وما في دائرتها والتي تحتاج إلى مزيد تسليط الأضواء، فماذا يبقى للمسلم إن تلفّظ بمثل ذلك القول وهو يطيّش الكلم و الشّرع الحكيم يحذّرنا بقوله:"إنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة ما يتبيّن ما فيها يزلّ بها في النّار أبعد ما بين المشرق والمغرب".
الخطاب المزهوّ بالتّزكية والرّضا و العجب والغرور:
ونتعرّض في هذه الحلقة خطأ آخر التزمه خطاب حركة النّهضة وأدمن عليه وهو: الخطاب المزهوّ بالتّزكية والرّضا، رغم أنّهم قد عرفوا بالتّضييع.
لقد رأيت غلوّا كبيرا في احتكارهم صفة الوسطيّة والاعتدال ووصاية على المسمّيات الشّرعيّة والتّحكّم فيها، ووضعوا لهم أقوالا وقعّدوا لهم قواعد وتعصّبوا لها ووالوا عليها وعادوا حتّى صارت عندهم معيارا للاعتدال وميزانا للتّطرّف، ولمّا لاحظت أنّ هذا الغلوّ قد توسّع وانتشر رأيت من اللاّزم عليّ أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع.
لقد دندن كلّ فريق من النّاس وكلّ حزب منهم على حصر الوسطيّة فيهم دون غيرهم وهذا فيه تكلّف وغلوّ، وله أثر سيّء في تضييع الحقّ، وتمييع الشّرع وتفريق الأمّة وجعلهم شذر مذر وضرب بعضها ببعض وقذف كلّ واحدة الأخرى واتّهامها أنّها ليست على شيء. وهذا أصل متّبع عند الغلاة الذين يضعون تسميات وأصولا ومناهج ويمتحنون النّاس بها.
لقد بدا لي أنّ منهج تزكية الذّات غلوّ مخالف لثوابت أهل السّنّة والجماعة ومنهجها في أمور منها:
1 أنّهم أي أهل السّنّة والجماعة لا يطعنون في كلّ مجتهد طالب للحقّ، طالما قام اجتهاده على أسس معتبرة، ولم يقولوا إنّه بخلافه ذلك خرج على السّنّة أو على جماعة المسلمين، بل يزنون المسائل كالإيمان إن نقص إيمانه لا يخرج من الإيمان كلّه، لأنّ من ثوابت الأمّة أنّ المسلم لا يخرج على جماعة المسلمين بمجرّد مخالفة ولو كانت في فروع العقيدة فضلا على خلاف في المنهج.
2 أهل السّنّة والجماعة لا يحصرون مسائل الدّين والتي منها الأسماء كالوسطيّة والاعتدال والحقّ على فهم إمام مجتهد واحد، ولا يلزمون النّاس باجتهاده، ورفض الإمام مالك أن يفرض رأيه على الأمّة ويلزمها به أشهر من نار على علم، لآعتقاده أنّ العلماء ليس من حقّهم أن يلزموا الأمّة بقول واحد في مسائل الاجتهاد مهما كان كعبه في العلم، ودرجته في الفهم، لأنّ هذا يضفي عصمة وقدسيّة على الأشخاص ينكرها شرعنا العزيز. فبأيّ حقّ يحصر النّهضويّون مسمّيات الوسط والإعتدال وغير ذلك عندهم وهم سياسيّون متحزّبون على تناقضات؟
4 ليس من أصول أهل السّنّة والجماعة امتحان النّاس في المناهج، بل ذهب بعض أهل العلم أنّ الامتحان في فروع الاعتقاد ابتداع، فكيف تضع الأحزاب المختلفة والمتناقضة بعض المسائل ويمتحنون النّاس عليها. أليس هذا فتح لباب فتنة عظيمة تطحن أمن الأمّة وتمزّق وحدتها و جماعتها.
5 أهل السّنّة والجماعة لا يقرّون أن تنفرد طائفة من النّاس وتسمّي نفسها أهل الحقّ أو الوسط والاعتدال أو الأكثريّة وغير ذلك ممّا يضفي الشّرعيّة الدّينيّة، ويعطيها قدسيّة وعصمة، لتلمز من خالفها أنّهم من أهل التّطرّف والتّنطّع والتّشدّد والأقلّيّة وغير ذلك من الظّلم، لأنّ هذا من الباطل والظّلم الذي لا يقول به إلاّ أهل البدع، قال شيخ الإسلام الإسلام:"أمّا أن يفرد الإنسان طائفة منتسبة إلى متبوع من الأمّة ويسمّيها أهل الحقّ ويشعر بأنّ كلّ من خالفها في شيء فهو من أهل الباطل، فهذا قول أهل الأهواء والبدع".
6 أهل السّنّة والجماعة هم أرحم الخلق وأعلمهم وأعدلهم لا يجرّحون من خالفهم لسبب سياسيّ.
7 أهل الحقّ والعدل والورع والإشفاق لا يزكّون أنفسهم لنهي الله تعالى عن ذلك، "فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى"2 " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً"3 و" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "4.
هستريا الوسطيّة
إنّنا صرنا في زمن الدّعاوى، فكلّ النّاس أصيبوا متاجرين بهستريا الوسطيّة، فالكلّ يدّعي أنّه وسطيّ يريد أن يحتمي بهذه القيمة الشّرعيّة ويتدثّر بها، سواء كانوا سلطة دكتاتوريّّة، أو إسلاميّون مفرّطون، أو معارضة علمانيّة منافقة. سلطة تصنع الإسلام على رغباتها ولا تستحيي، انفردت ببدع عظيمة، منها منع الحجاب وتعتبر ذلك وسطيّة، وحركة النّهضة تتحزّب وتتسيّس وتتخلّى عن العمل للدّين وتلغي العقيدة، ثمّ تُمضي مع العلمانيّين على بنود تطعن في الشّريعة في وثيقة 8 مارس2007 ودون حياء من أحد لا تستحيي أن تتدثّر بالوسطيّة! وإسلاميّون خرجوا عنها كلّهم يدّعي أنّه وسطيّ!!!فأين هي الوسطيّة الشّرعيّة المعتبرة؟ لقد ضاعت الحقيقة، فأين المحقّ من المبطل؟ وهل ما ظهر من خطاب حركة النّهضة التي نعالج أمرها بمناسبة الإعلان يحشرها في زمرة الوسطيّين أم في زمرة المضيّعين؟
ودون خوض في ضبط الوسطيّة و ما هي ضوابطها، أقول: من الذي يحدّدها؟ هل هو الحزبيّ المتعصّب؟ هل هو السّياسي المتقلّب؟ ولماذا نحدّدها؟ هل يلزم أن نسمّي أنفسنا بالوسطيّين؟ من أعطى الحقّ للسّياسيّين أن يلزموا الأمّة من خلال توصيفاتهم لمعاني الشّريعة بما لم يلزمنا به ربّنا ورسولنا؟ من الذي خوّل لهم أن يفعلوا ذلك؟ ما هي المقاييس التي اعتمدتها حركة النّهضة لتوسّط نفسها؟ هل على عقائدها الغير الواضحة وقد تخلّت عنها في عملها السّياسي؟ هل لتخلّيها عن العمل للدّين؟ هل لتخفّفها من الإيديولوجيا؟ أم على أساس إرضاء خصوم العقيدة في الدّاخل والخارج؟ فبأيّ حقّ تفرض اجتهادها ذاك وتجعله ضابط الاعتدال والوسطيّة؟ ومن لا يضمن لنا أنّ هؤلاء السّياسيّين يوظّفون هذا المصطلح ويستعملونه لمستحقّات سياسيّة بحتة كيديّة محضة لا أخلاقيّة ولا إنسانيّة؟ ألا يمكن أن يدرج السّياسيّون هذا المصطلح ضمن الخطاب المخادع أو الخطاب المصطنع؟ أو ضمن الحملات الإنتخابيّة المحضة؟
لقد غالت حركة النّهضة في نصب مسائل فكريّة فرضتها أخطاء عمليّة ومسائل سياسيّة في جعلها على درجة مسائل عقديّة وتعصّبت لها وقالت من وافقها فهو الوسطيّ المعتدل، ومن خالفها فهو المتطرّف المتشدّد! فمن فوّض لهؤلاء أن يمتحنوا النّاس ويصنّفوهم بما رسمته لهم عقولهم وأملته عليهم أهواؤهم؟
إنّ احتكار الوسطيّة غرور ودعوى إلى تقسيم المسلمين يوقعهم في تجريح بعضهم ويغذّي الكراهيّة والعدوان فيما بينهم ويزرع بذور الخلاف والشّقاق والبغضاء، وهذا كلّه مخالف لهدي الإسلام السّمح، قال الشّاطبي رحمه الله تعالى:"فكلّ مسألة حدثت في الإسلام فآختلف النّاس فيها لم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنّها من مسائل الإسلام، وكلّ مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتّنافر والتّنابز والقطيعة علمنا أنّها ليست من أمر الدّين في شيء، إنّما هو لآتّباع الهوى"....
إنّ التّزكية مدعاة إلى التّلميح بل بالإشارة المباشرة إلى طعن وتنقّص من خالفهم، ومن ثمّ لا تعجب من أمرهم، إذ عرف عنهم شهوة اتّهام النّاصحين وتصنيفهم وتجريح المنافسين بالتّشدّد والغلوّ قصد التّشهير والتّنقيص والإسقاط والتّحذير. وقد نهى الشّارع عن التّعرّض للنّاس عشوائيّا بلا تمييز، وتوعّد فاعل ذلك بأنّه ليس من أمّة النّبيّ :"من خرج من أمّتي على أمّتي يضرب برّها وفاجرها، لا يتحاشى مؤمنها، ولا يفي بذي عهدها فليس منّي"، كما ندّد بمن يبتزّ بأخيه فقال:"من أكَل برجل مسلم أكلةً فإنّ الله يطعمه مثلَها من جهنّم، ومن كُسي ثوبا برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثلَه من جهنّم، ومَن قام برجل مسلم مقامَ سمعة ورياء فإنّ الله يقوم به مقامَ سمعةٍ ورياء يومَ القيامة"5. والنّصوص في هذا الباب لا تحصى.
إنّ الخطاب النّهضويّ المزكّي لذاتها لا يستهدف إلاّ الدّفاع عن نفسها، وحشرها في قائمة السّياسيّين القابلين للصّفقات، كما يستهدف إذاية المنافس، والطّعن في المخالف، وكلّ هذا يناقض أمر الشّريعة.
إنّ هذا الخطاب يؤدّي بالضّرورة إلى التعصّب وجعل الحركة ومنهجها وأشخاصها وفكرها مناط الولاء والبراء والامتحان والافتتان، فيجعلون تلك الوسائل حجّة على الخلق وإمامة للأمّة، وهذا كلّه يجب أن يصرف للإسلام وحده لأنّ هذا هو محض حقّ الله تعالى ورسوله. قال شيخ الإسلام:"وليس لأحد أن ينصب للأمّة شخصا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النّبيّ ولا ينصب لهم كلاما يوالى عليه ويعادى غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمّة، بل هذا من فعل أهل البدع".
لقد رأيت في خطاب حركة النّهضة كبرياء غير مبرّر والمتابع المنصب يعرف ضعفها وفشلها وعجزها، و في الحديث:"...والثّلاثة الذين يبغضهم الله ... وذكر منهم الفقير المختال.."
على كلّ حال، يحاول الغلاة في كلّ حين أن ينصبوا مسائل فكريّة محدثة، ويجعلونها في رتبة مسائل العقيدة ويتعصّبون لها ويتحزّبون، ويصنّفون النّاس على مقاساتها. وهذا من أصول المبتدعة ومن وسائل المفرّقة الذين يلزمون الأمّة بما لم يلزمها به اللّه ورسوله والمؤمنون المتّبعون.
فالحاصل، أنّ خطاب حركة النّهضة يزكّي نفسه لا على أساس أصول عقيدة منزّلة أو تربية ربّانيّة أو على منهج واضح بيّن، أو على ضوابط الشّريعة، بل يقوم أساسا على الفوضى والضّبابيّة والمرحليّة والإرتجاليّة، أو قل إنّه خضع لضغوط ثلاثة: 1 الفشل المتكرّر 2 الهوى والطّموح 3 التّنازلات القاسية، والتي يمكن تلخيصها في وسطيّة استرضاء الآخرين.
إنّ الغلوّ الذي يمارسه الفكر النّهضويّ أمر لا يجوز السّكوت عنه، و الإفراط في تقدير المصلحة السّياسيّة قادح كبير في تضييع الأمانة وهذه هي الصّخرة التي تحطّمت عليها مصداقيّة ذلك الخطاب وشرعيّته، وفي الصّحيح"المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور "
واللّه المستعان!
باريس في 28 جمادى الثّانية 1429
الموافق02 /07/2008.
1 عنوان الرابط :
http://www.tunisalmoslima.com/modules.php?name=News&file=article&sid=818


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.