عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    عاجل : تأجيل قضية رضا شرف الدين    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة الترجي الرياضي والنادي الصفاقسي    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    كأس تونس لكرة اليد: برنامج مقابلات المؤجلة للدور ربع النهائي    الاعتداء على سائق 'تاكسي' وبتر أصابعه: معطيات جديدة تفنّد رواية 'البراكاج'    4 جرحى في اصطدام بين سيارتين بهذه المنطقة..    إطلاق النار على سكّان منزل في زرمدين: القبض على المتّهم الثاني    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الخارجية الإيرانية تعلّق على الاحتجاجات المناصرة لغزة في الجامعات الأمريكية    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    الحماية المدنية: 17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى تأسيس حركة النّهضة - الحلقة الأولى:الصّمت مشاركة

إنّ المطالبة بإصلاح وضع حركة النّهضة أمر اتّسع لدى الكثير من أبنائها و قياداتهم في الدّاخل والخارج، وكثير منهم شجّعني وأسرّ لي بذلك في المجالس الخاصّة، وأسباب عدم تصريح هؤلاء وأولئك لإسهامهم العلني في عمليّة الإصلاح كثيرة لكلّ ذي عقل وفهم إلاّ أنّها غير مقنعة ولا ترفع عنهم المسؤوليّة أبدا.
وإنّ من طبيعة الأشياء أنّه عندما تكثر الأخطاء من قبل فرد أو جماعة وعندما يتكرّر تعدّيهما على ثوابت الأمّة وعندما تنزلق تلك الجماعة عن الأهداف التي ضبطتها لنفسها في فترة التّأسيس المتّسم بالبراءة والإخلاص، فلا بدّ أن تنشأ ردود أفعال مشروعة تهبّ مدافعة ومصحّحة ومصوّبة.
إنّ واقع حركة النّهضة بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة بحاجة أكيدة إلى مراجعة علنيّة جريئة نوعيّة وشاملة، لأسباب عديدة أهمّها:
أنّه أثقل بسلبيات الحزبيّة من انغلاق وجمود وتصلّب وتعصّب وتمذهب فلم تتطوّر منذ الإعلان، بل شهدت تأخّرا على كلّ المستويات: خطابا وممارسة وتأطيرا وتنظيما وثقة.
انفراط عقد الجماعة واستقالة فعليّة وعمليّة لكثير من الفعاليّات والكفاءات الشّرعيّة، والقيادات التّنفيذيّة والتّنظيميّة لأسباب عديدة منها: غياب الشّورى الحقيقيّة والتّعصّب وإقصاء المصلح والطّعن فيه والاستعلاء عليه.
ذهاب بريق مشروعها المجتمعيّ الإسلاميّ الجمعيّ الأصيل إلى مشروع حزبيّ فئويّ توافقي مع العلمانيّين أعداء المشروع الإسلامي.
أنّ أخطاءها الفرديّة الضّخمة أثقلت الجماعة كلّها.
أنّ منهجها خرج عن ثوابت الأمّة فتميّعت وصار قائما على المغامرة والبحث عن المستحيل والقفز على الخطأ وترقيعه بالخطيئة.
أنّ مسلكها السّياسيّ غلا في النّفعيّة البحتة حيث صار محصورا على انتظار الفرص وتوظيف أحداث يقوم بها إسلاميّون في العالم أو داخل الوطن لاستغلالها لتدور في نفس حلقة "الإعلان الخطأ" الذي حرّف مسارها وأوقعها في سلسلة من الدّوامات لا تكاد تستفيق من الأولى حتّى تغرق في مثلها أو أشدّ منها.
فالحاصل أنّ حركة النّهضة بوضعها المذهبيّ الحالي صارت عبئا ثقيلا على الصّحوة التّونسيّة.
وإنّ المأمول أن نرى مراجعات عديدة تتّسم بالجدّ والعمق والحيويّة والمسؤوليّة نقرؤها من طرف رجال عايشوا هذه الحركة من داخلها لأنّهم الأقدر على تشخيص حقيقتها وكشف عللها وأمراضها لمعرفتهم برجالها وحاجاتها وأدوائها وتصحيح مساراتها وهويّتها وتعديل قوانينها والحدّ من صلوحيّات بعض أفرادها وإعادة جدولة اهتماماتها، وترتيب أولويّاتها ضمن خطّة شاملة مؤصّلة هادئة متدرّجة وواعية، هذا وإنّ المعالجة الجادّة التي يراد لها النّجاح لا بدّ أن تكون خارج الجهاز الذي صار التّحزّب فيه احترافا، تجتمع في رجاله مواصفات بارزة أهمّها: أن يكونوا ممّن احترقوا على الصّحوة لا على الحزب ورجاله، وأن يضعوا نصب أعينيهم مصلحة الإسلام والبلاد، ويجعلوا المبادئ فوق كلّ اعتبار دون دوران حول المصالح والمطامع.
وإنّني على أمل من أنّ المخلصين الجادّين الباحثين عن الحقّ، سيرحّبون بهذه المراجعات المنتظرة الصّريحة وسيشجّعون كلّ من يشهد شهادة حقّ ويقول كلمة صدق، ولا يلتفتون إلى المطفّفين الذين يكيلون بمكيالين ولا يقبلون النّصح ويُجَرّحُون مجتهدي الإصلاح، في حين أنّهم يستحلّون لأنفسهم الحديث عن الآخرين وينتقدون كلّ من خالفهم وصدق الله القائل:"وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ"1
هذا وإنّي أرجو أن تجد هذه الخلاصات قبولا لدى من يصدّهم الهوى عن النّصح، دون اعتبار إلى قواعد تخذيل المشكّكين التي منها"الكفاف أسلم والسّكوت أحكم" و"لا لنشر الغسيل" وغيرها من دعاوى الطّيّبين التي يسخر منها القرآن الكريم وهو يعاتب رسله عليهم السّلام، وعلى رأسهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم في عبس مع ابن أمّ مكتوم وفي الأحزاب في زيد" وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ"2 وفي الإذن للمنافقين في غزو الرّوم، كما اشتدّ الإنكار والعتاب والتّأنيب عليه في سورة الإسراء بالخصوص وكان أشدّ عليه في أسرى بدر، هذا فضلا عن التّأنيب الثّقيل الذي لاقاه الصّحابة إثر أُحُد."قُلْتُمْ أَنَََّّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ"3.
إنّه لا بدّ من تصويب الأوضاع، ولا بدّ أن نقرّ إقرارا نوعيّا أنّنا "جيل فشل"، وأنّ ما وقعنا فيه كان بسبب ذنوبنا وسوء تقديرنا مصداقا لقوله تعالى: "مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ"4 وقوله تعالى:" وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ "5.
ليست المراجعات التي يعلنها الكثير من الإخوة هي التي أضرّت الحركة والصّحوة والبلاد والعباد، بل الأخطاء هي وراء هذا الضّرر، والذي أبّدها هو طول الصّمت وغياب الجرأة والشّجاعة وعدم تحمّل مسؤوليّتنا بعدم الإعلان عن ذلك.
لقد طال الصّمتُ، ولقد صار محرّما بعد اغتيال بعض ثوابت ديننا ممّن هبّوا يوما لإقامته في ربوع الخضراء، ولقد نال ذلك الصّّمت من رجولتنا وشهامتنا، لأنّنا بذلك الصّمت صرنا شركاء في خنق الحقّ واغتيال الصّدق وتأبيد الضّرر والانسداد الحاصل في البلاد.
إنّ أوضاع حركة النّهضة ما عادت تخفى على أحد، فلماذا نصمت والسّلطةُ والمتابعون يعرفون ما لا يعرفه أبناء الحركة أنفسهم؟ ولماذا نصمت ونحن نرى أنّنا على حقّ طالما نقول صدقا، "فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال"6. لقد غصّت حلوق معظم العارفين بشؤون الحركة بالصّمت متذرّعين بالحكمة تارة، وبدرء الفتنة أخرى، غير أنّ الفتنة تكمن في المداراة والمجاملات والكتمان، وليست في الصّدق والجدّ وبيان الحقّ. ألا إنّ الصّمت يصير عارا حين تفرّط الحركة في الدّين ويختطفها سياسيّوها إلى التّحزّب، فحينها تصير حركة النّهضة بوضعها الحالي عقبة تتذرّع بها القوى المعادية لهويّة البلد وشعبها لمزيد خنق الحرّيّات وتجفيف منابع التّديّن واستئصال الشّرف وذبح الفضيلة.
لا ننكر أنّ الحقّ مرّ، ولقد أردنا أن نصلح داخل الغرف المغلقة فاكتشفنا أنّنا نضيّع أعمارنا كما تبيّن لنا أنّنا نطحن في الهواء.
ما عادت السّرّيّة تسعنا لأنّنا لا ندعو إلى حزب، ولأنّنا لا نطرح مسائل شخصيّة، إنّنا نعالج المبادئ التي اتّفقنا عليها وارتدّ عنها سياسيّو الحركة ومختطفوها! إنّنا نعالج المنهج والفكر والممارسات المعلنة. إنّنا بكلّ بساطة نريد أن نعالج الانحراف العلني، وبما أنّ القوم أعلنوا الانحراف، فلا بدّ أن يكون التّصويب علنيّا. وكيف يطالبنا البعض أن نسكت أو ننصح سرّا وهم يظهرون أخطاءهم في العلن، وإنّ ممّا تعلّمناه أنّ الكلام في وقته من أفضل الخصال ومن أجلّ الأعمال.
لقد تشوّش مفهوم الحزب في عقول الكثير من أبناء الحركة الإسلاميّة، ففي حين يرى المنصفون المتحرّرون أنّ الحزب ورجاله ما هما إلاّ أدوات ووسائل لتحقيق أهداف مشروعة، يصرّ الحزبيّون على صنميّة "الكيان" وإن كان هشّا، وتتمسّك بالطّواف على الزّعامة وإن كانت فاشلة. ولذلك لا تتعجّب إن لم تجد لدعوات الإصلاح لديهم قبولا وكلمة الحقّ سبيلا.
إنّ الكثير من أصحاب النّوايا الطّيّبة الذين لا يزالون يثقون في حركة النّهضة قد صودرت حرّيّاتهم حين يضعون عقولهم بين أيدي غيرهم يصنعونها لهم ويرتّبون لهم أفكارهم ويشحنون لهم مشاعرهم، وإنّ على هؤلاء الحزبيّين العاطفيّين الذين ينتصرون إلى جهازهم بالحقّ والباطل ودون بحث عن الحقّ، أن يحترموا أنفسهم وينقذوها من الأخطار المحدقة بهم وأن يتحرّروا ولا يكونوا أداة لأحد، كما أنبّه الذين يحصرون الحقّ عندهم وينتصرون لأشخاصهم وأجهزتهم ويؤيّدون محبوبيهم ولو كانوا على باطل، أنّهم في خطر من دينهم وفي الصّحيح "... ومن قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهليّة..." وفي الحديث أيضا:" من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتّى ينزع عنه"7 وفي رواية: "من أعان على خصومة بظلم، أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع"8.
قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى:" من قلّد شخصا دون نظيره بمجرّد هواه ونصره بيده ولسانه من غير علم أنّ معه الحقّ فهذا من أمر الجاهليّة"9. وقال:" ... من مال مع صاحبه سواء كان الحقّ له أو عليه فقد حكم بحكم الجاهليّة وخرج عن حكم الله ورسوله.... وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كلّ ما يريده وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكيز خان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا وليّاً ومن خالفهم عدوّاً بغيضاً". 10
إنّ المؤمن لا يتعصّب إلاّ للحقّ والخير، أمّا السّاكت عن بيانهما تعصّبا للحزب أو أشخاصه بالحقّ والباطل فهذا ليس من شيم المسلم لعلمه أنّ السّاكت يشترك مع الفاعل والمحرّض والرّاضي لقول الشّارع:"إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها"11.
ولذلك فإنّي أدعو كلّ الإخوة الذين يكتبون في إصلاح التّجربة النّهضويّة أن يوضّحوا ولا يكتفون بالإجمال المخلّ، ولذلك فإنّي أرغب من الأخ العزيز الفاضل البلدي أن يفصّل وهو يتحدّث عن ضرورة إعلان المراجعات، كما أرغب من الإخوة أن يعلنوا ما يتناجون به وأن يكتبوا لنا تقييماتهم، فكم أودّ أن من الأخ صالح بن عبد الله أن ينشر تقييم القطاع الأوسع من القيادة أثناء فترة سجن سنة 1984 وما بعدها، كما أتمنّى أن يكتب الأخ علي العريض عن عدم رضاه على كثير من المسائل التي أسرّ لي بعضها قبل اعتقالنا في ديسمبر سنة 1990، وكم أنتظر من الأخ الحبيب اللّوز أن يصرّح بما يجيش في صدره من زمان أيّام كنّا معا في مكتب مجلس الشّورى، وكم أتمنّى أن أقرأ أو يسمع النّاس ما سَمِعْتُه من الشّيخ عبد الفتّاح مورو في أواخر الثّمانينات.
كما أدعو مشفقا كلّ متعصّب لجماعته أن يجرّب تقييما وهو خارج الجهاز، وأن يشخّص وَهُو حرّ من كلّ مشوّش.
وليعلم النّاس أنّي إذ أدعو إلى البيان والصّدع بالحقّ، فإنّي لا أدعو إلى نشر غسيل القوم، لأنّ المتابعين من كلّ الأطراف يعرفون الغسيل كلّه، ولكنّه سبيل من سبل حلّ الأزمات المتتالية، فإنّ مصلحة البلاد والعباد تقتضي هذا الحوار الشّامل الجادّ والعميق والمسئول، أمّا شعار الحفاظ على وحدة الحركة فما عاد ينفع، فهذه دعوى قديمة بالية استنفذت أغراضها، لأنّه ما عادت هناك حركة موحّدة، فلقد تفكّكت، كما أنّ تجربة الحركة ليست حبسا أو حكرا على ناس بأعيانهم بل هي حقّ مشاع لكلّ النّاس، ولينتبه عبّاد الوسائل، أنّ الحركة وسيلة، والعاقل لا يتمسّك بوسيلة ويغفل الهدف، قال الإمام الشّاطبي:" إنّ تحكيم الرّجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشّرعي المطلوب شرعا ضلال"12. ومن أراد الإصلاح فليتكلّم وليشهد علانيّة، فإنّ غلبة قانون الصّراع الذي هو في صالح السّلطة اليوم لا يغلبه إلاّ قانون الصّدق والشّجاعة والصّراحة وتحمّل المسؤوليّة، لا العناد والكبر وعدم الاعتراف بالأخطاء.
إنّ تفكيك الأزمة ووضع الأصابع على أهمّ أخطاء تجربة حركة النّهضة ليس من المحرّمات، فالحلال بيّن والحرام بيّن، ولقد تعبّدنا اللّه عزّ وجلّ إن جاز التّعبير بتلاوة "غسيل" خير جيل حين كشف عن أسباب هزيمة يومي أُحُد وحُنين، هذا هو الواجب الشّرعي إلاّ أن نكون قد تحزّبنا على أفكار لا على دين، وصار التّمسّك بالحزب أغلى عندنا من مرضاة ربّنا، ومن التمس الهدى وجده في مظانّه، ومن أراد السّقيا فلا يخرج إلى البيداء يلتمسها وإذا أراد الله بقوم خيرا فقّههم في الدّين وبصّرهم بعيوبهم ورزقهم العمل ومنعهم الجدل!
هذا ولتدرك جميع الأطراف أنّنا وللّه الحمد والمنّة والفضل لا زلنا نحمل همّ المشروع الإسلاميّ وتطلّعاته، ولا زلنا نخاصم السّلطة بصدق الكلم طالما أنّها لا تزال تصرّ على كبر جريمة تجفيف التّديّن وطالما أنّها تخلط بين الصّحوة وحقّ تمسّك شعبنا بدينه.
إنّ التّونسيّين اجتمعوا منذ أربعة عشر قرنا أنّ تونس مسلمة العقيدة والدّين عربيّة اللّسان، و الدّولة دون أن نزايد عليها سياسيّا مطالبة بآحترام هذا العقد وبحراسة هذا العهد بتوفير الأمن والأمان والحرّيّة للتّونسيين التّوّاقين لتحقيق طموحاتهم وآمالهم المستجيشة في كينونتهم وللالتزام بدينهم العظيم في معاشهم وحياتهم ومناهجهم وأفكارهم وسلوكهم.
فالحاصل أنّ تقييم أيّ تجربة سياسيّة بشريّة حقّ مشاع لكلّ أحد بشرط أن يصدق ولا يكذب ويذكر الحقائق ولا يتجنّى، وبمناسبة 6 جوان تاريخ حدث الإعلان عن حركة النّهضة التّونسيّة سنتناول في حلقات قادمة أهمّ ما بدا لي من أخطاء في فكرها المتقلّب ومنهجها المتلوّن وكِبْرها المكلّف13، ونحن إذ نكشف في هذه التّقييمات العاجلة والسّريعة فلسنا نتوجّه إلى أشخاص تلك الحركة، ومعاذ الله، ولقد أقللت وأغضيت عن أمور كثيرة قائلا قول عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
أُغمّض عيني عن أمور كثيرة وإنّي على ترك الغُموض قدير
وما من عمًى أُغضي ولكن لربما تعامى وأغضى المرء وهو بصير
وأسكت عن أشياءَ لو شئتُ قُلتُها وليس علينا في المقال أمير
أصبّر نفسي بآجتهادي وطاقتي وإنّي بأخلاق الجميع خبير
1 النّور 49
2 الأحزاب 37
3 آل عمران 165
4 النّساء 79
5 الشّورى30
6 يونس 32
7 رواه أبو داود رقم 3597.
8 رواه ابن ماجة رقم2320، والطبراني في الأوسط رقم2921
9 الفتاوى 1/ 71 72.
10 مجموع الفتاوى 28/13
رقم 4345، وهو في صحيح الجامع 689. سنن أبي داود11
12 الاعتصام للشاطبي، ج‏2/355.
13 اقرأ سلسلة مقالاتنا تحت عنوان:"تأصيل الحزم في المراجعات" تجدها في موقع تونس المسلمة، في ركن"منهج"ليتبيّن لك شرعيّة ما نحن فيه من إعلان في النّصح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.