في العاصمة السودانية وعلى ضفاف نهر النيل بمناظره الخلابة، يقف مجمع برج الفاتح الذي يجسد حلما ليبيا تحول الى معلم معماري يتميز بفخامته. وبلغت كلفة البرج المؤلف من 18 طابقا من الفولاذ والزجاج والمصمم على شكل بيضة او حلزونة 130 مليون يورو (190 مليون دولار)، وهو حلم راود الليبيين على مدى تسع سنوات. وتم تشييد البرج بتمويل من الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية وتصميم معماريين ايطاليين. ويحتوي على فندق مؤلف من 230 غرفة وقاعة مؤتمرات وسوق تجاري ومطاعم ومركز للرياضة ومنتجع حديث ليرسي معايير جديدة للفخامة في السودان، حسب ما يقول العاملون في البرج. وقال محمد غولة مدير المشروع الذي نفذته "الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية" ان "هذا الفندق الضخم هو معلم سيضخ حياة اقتصادية واجتماعية جديدة في المجتمع المحلي وخاصة في قطاع الخدمات". وخلال السنوات الخمس التي تبلور فيها الحلم الليبي باقامة هذا المشروع في جارته الغنية بالنفط، طرأت تطورات كبيرة على العلاقات بين نظام القذافي وواشنطن ترغب العديد من الدول مثل الخرطوم في ان تحقق مثلها. وفي عام 2006 شطبت الولاياتالمتحدة ليبيا عن قائمتها للدول الراعية للارهاب، التي لا تزال السودان مدرجة عليها -بعد عامين من اعلان القذافي تخلي بلاده عن جهودها لامتلاك اسلحة دمار شامل. وازيلت العقبة الاخيرة امام اعادة تطبيع العلاقات بين ليبيا والولاياتالمتحدة قبل ايام من افتتاح مجمع برج الفاتح في 17 اب/اغسطس، حين وقعت طرابلس وواشنطن في 14 من الشهر ذاته اتفاقا لمنح تعويضات للاميركيين من ضحايا الهجمات الليبية. ووسعت ليبيا من استثماراتها الخارجية. وتصف ادارة الفندق مجمع البرج بانه "هدية من حكومة ليبيا الى حكومة السودان" لتعزيز العلاقات بينهما. ويقع البرج بالقرب من قصر الصداقة الذي بناه الصينيون في الخرطوم، وهي هدية اخرى من حكومة اخرى. الا ان السودان على وشك ان يواجه عاصفة قوية، حيث صدرت بحق الرئيس السوداني عمر البشير الذي افتتح المجمع، مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب ابادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في دارفور. ومن شأن ذلك ان يدفع الى عزلة نظامه وحذر البشير الاسبوع الماضي من ان اية اجراءات يمكن ان تتخذها المحكمة الجنائية الدولية ضده ستعيق استقطاب الاستثمارات الخارجية الى السودان. الا ان مدراء البرج يبدون تفاؤلا وعزما، ويقول وسام خالق مدير التسويق وهو اميركي من اصل لبناني "نحن واثقون من اننا سنجني الكثير من المال من هذا. بالتأكيد هناك مخاطر -بشان الاستقرار السياسي -لا ان هذه المخاطر محسوبة". ويصدر السودان النفط منذ عام 1999 ولا توجد اية مؤشرات على تباطؤ الحركة العمرانية التي يقف وراءها مستثمرون عرب وصينيون وهنود وماليزيون. وقد اصبح مبنى البرج من معالم العاصمة المعمارية وقال غيوسيب فريدا مدير المشروع من شركة "سي ام سي" ومقرها ايطاليا "اشعر بالفخر، فالمبنى جميل، ويمكن اعتباره معلما من معالم الخرطوم". وتكلف الاقامة في الجناح الرئاسي في فندق البرج 4000 دولار في الليلة، بينما تبلغ كلفة الاقامة في الغرفة العادية 250 دولار في الليلة. ورغم الصعوبات الا انه تم استيراد الاثاث والديكورات الداخلية من اوروبا وبشكل خاص من ايطاليا. كما يضم البرج عددا من المطاعم الفاخرة وسوق سيفتتح في كانون الاول/ديسمبر سيضم عدد المتاجر الفخمة. وتشير التقديرات الرسمية الى ان 40 بالمئة من السودانيين يعيشون في حالة فقر. ولا تستطيع سوى القلة القليلة دفع قيمة فنجان قهوة ناهيك عن الاشتراك في عضوية النادي الرياضي التي تكلف 2250 دولار سنويا.