مكة:لا تخطئ العين التطور الذي تشهده الأماكن المقدسة في السعودية عاماً بعد عام، وهاهو منظر الحجيج ذهاباً وإياباً يزيد من بهاء مكةالمكرمة التي ازدانت بأضواء الأبراج المرتفعة التي باتت تحتضن الحرم من مسافات بعيدة من خارج مكة .ومن بين أبرز المعالم الجديدة في العاصمة المقدسة مشروع وقف الملك عبد العزيز آل سعود للحرمين الشريفين “أبراج البيت”، الذي تبدو أبراجه متلألئة من على مسافة عشرة كيلومترات .وستكون “أبراج البيت” ثاني أعلى ناطحة سحاب في العالم عند اكتمالها نهاية العام الحالي، ويبلغ ارتفاعها 601 متر، كما تعتبر أضخم برج مساحة في العالم، وتتجاوز مساحة الأرض 4 .1 مليون متر مربع، ويتكون من 7 أبراج متلاصقة باستثمارات تتجاوز مليار دولار . إلا أن هذه الطفرة العمرانية ولمسة المدنية التي غطت شوارع مكة وأضفت عليها طابعاً معمارياً يغاير نوعاً ما الطابع الإسلامي، أثارت ردود فعل متباينة . فهناك من يرى أن لافتات المتاجر المكتوبة باللغتين الفارسية والأوردية هيمنت على العربية، وأن الفنادق التي تحتضن الحرم وتحجب رؤيته إلا من على مسافة 200 متر أضفت هوية جديدة على قبلة المسلمين . ويقول عبد العزيز سايشو، صحافي ياباني، (72 عاماً) الذي أدى الفريضة قبل 42 عاماً، إن الأوضاع الآن أكثر راحة وأمناً عما كانت عام ،1968 حين كان الحج نوعاً من المغامرة . ورأى أن النهضة العمرانية من فنادق وخدمات تمثل تطوراً إيجابياً يحسب للحكومة السعودية، وأضاف أن هذا هو “التطور الطبيعي للحج، وأن الأمر أصبح صناعة الحج السياحي” . وقال إبراهيم سمان، وهو مصري يعمل مهندساً بإحدى شركات البترول الأجنبية، إنه يعاني ليجد أي شيء عربي خالص، فالمطاعم إما تقدم الطعام الهندي والباكستاني وإما أنها مطاعم للوجبات السريعة . وأضاف أنه يلمس جهد الحكومة السعودية في خدمة الحجاج . وذكر أبو حذيفة حسن (27 عاماً) وهو سوداني يعمل مهندساً للاتصالات، أنه “من الأفضل أن تحافظ الحكومة على الطابع العربي للمدينة المقدسة، وألا تسمح باستخدام لغات أجنبية في كتابة أسماء المتاجر، كما هو الحال في الصين على سبيل المثال” . بينما رأى حلمي (63 عاماً) أن عمليات التوسعة التي تجرى حول المسجد الحرام أضفت “طابعاً سياحياً” على المكان الذي يتوافد عليه ما يربو على ثلاثة ملايين حاج كل عام . ويعارض مسؤولو الحكومة السعودية فكرة التربح من الحج، قائلين إن المملكة تنفق مليارات الدولارات على خدمة الحجاج كل عام، ولا تهدف للربح التجاري على عكس ما هو متوقع . وقال المسؤول البارز بمعهد أبحاث الحج عثمان قزاز، وهو معهد بحثي تابع لجامعة “أم القرى” يعنى بإجراء دراسات ميدانية ولوجستية لتسهيل مناسك الحج، إن “المملكة تنفق ببذخ على الحجيج لتوفير سبل الراحة والأمان لهم ليتسنى لهم قضاء مناسك الحج والعمرة بيسر”، وأضاف أن “المفهوم السائد أن السعودية تتربح من الحج مخالف للحقيقة تماماً” . وتسجل كلفة الحج ارتفاعاً سنوياً مستمراً في ظل طلب يتعدى العرض، فيما تلتهب أسعار المساكن في مكةالمكرمة خصوصاً بالقرب من الحرم الشريف . وترتفع أسعار رحلة الحج بنسبة 3 إلى 5% سنوياً، إلا أن الأسعار ارتفعت بنسبة 15% هذه السنة في بعض الحالات . وقال شاه نواز المدير في وكالة أطلس للسفريات في بومباي بالهند إن “إيجار المساكن في مكة والمدينة ارتفع بشكل كبير، كما أن أسعار الغذاء مرتفعة جداً أيضاً” . ورغم أن شعائر الحج تتطلب عادة 5 أيام، إلا أن أغلبية الحجيج يمضون أسبوعين أو أكثر، فيما تستمر رحلة الحج بالنسبة للبعض أكثر من 40 يوماً بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة . ويمكن لرحلة الحج أن تكلف آلاف الدولارات، إلا أنه في الدول التي تحظى بكثافة سكانية إسلامية عالية، تقوم جهات حكومية بدعم هذه الرحلة المقدسة خصوصاً بالنسبة للفقراء . ويحظى 75% من الحجاج الهنود البالغ عددهم 175 ألفاً بأسعار مدعومة، وتصل كلفة رحلة الحج مع الهيئة الرسمية للحج في الهند إلى 2700 دولار، وهي رحلة تستمر 45 يومياً، فيما تؤمن وكالات سفر خاصة هذه الرحلة مقابل 6700 دولار . وفي إندونيسيا التي يؤدي منها 220 ألف شخص الحج هذه السنة، لم يتغير سعر الرحلة المدعومة وبقي عند 3200 دولار، وهو سعر يشمل تذكرة السفر والإقامة والوجبات، رغم ارتفاع الكلفة على المنظمين بنسبة 3% . لكن رحلة الحج بالنسبة للباكستانيين، ورغم الدعم الحكومي، ارتفعت كلفتها بنسبة 16% ووصلت إلى 2800 دولار . وتستمر رحلة الحج الباكستانية 40 يوماً . ويستفيد نصف الحجيج البالغ عددهم 160 ألفاً من الدعم حكومي، أما رحلة الحج غير المدعومة فتكلف 4100 دولار . وبالنسبة لحوالي مائتي ألف شخص من سكان السعودية ومواطنيها يؤدون الحج هذه السنة، فإن الكلفة ارتفعت بنسبة 20%، حسب سعد القرشي المسؤول في غرفة التجارة في مكة . ومقابل ألفي دولار، يمكن للحاج السعودي أن يحظى بشقة في منى، إضافة إلى وجبات غذائية متنوعة وذات نوعية جيدة .