رحلت عميدة الصحافيين السوريين الاعلامية السورية البارزة سلوى الأسطواني عن عالمنا يوم الاثنين 3-7-2006 بعد أن قضت أياما صعبة في إحدى مستشفيات العاصمة السورية دمشق (مستشفى السيدة التخصصي في صيدنايا)، وذلك بعد أن أصابتها جلطة دماغية منذ حوالي الأسبوعين وتلتها أخرى أوصلتها للغيبوبة منذ 5 ايام. وتعتبر الأسطواني إحدى إبرز الإعلاميات في العالم العربي بعد مسيرة إعلامية طويلة على مدار 40 عاما قضتها في وسائل إعلام عربية وأجنبية وأبرز محطاتها كانت في إذاعة "بي بي سي". واستطاعت أن تحظى باحترام الاوساط الإعلامية السياسية الرسيمة وغير الرسمية من خلال موضوعيتها ومهنيتها واهتمامها بحقوق الإنسان، والمجازفة في كثير من تقاريرها الصحفية عن الشأن السوري أوصلتها للمحاكم العسكرية ذات يوم، فضلا عن التزامها بالدفاع عن الهموم الوطنية لسوريا خلال عملها الصحفي خارج وداخل البلاد فحظيت باحترام شخصي من الرئيس الراحل حافظ الأسد. وكانت عقارب الساعة قد دقت الثامنة صباحا يوم 22 يونيو/حزيران وأشعة الشمس تنسل هاربة خلف تلال دمشق، حزينة، وقد تعودت على مدار السنين الماضية أن تستلقي على شرفة سيدة دمشقية، بعد أن ملت عربات المزارعين وقبعات بائعي الصحف. أسدلت سلوى ستائر شرفة منزلها في ذلك اليوم؛ بعد أن قرر الموت أن يلعب دور الباعة الجوالين، ويبحث عن الأدباء والصحفيين والمثقفين في سوريا ليأخذهم في رحلة طويلة ضمن صفقة يعطيهم فيها راحة أبدية، مقابل لفافة تبغ أخيرة أو فنجان قهوة على شرفة منزل يضج صمته بصوت فيروز. في الأمس كان الروائي عبد السلام العجيلي، وقبله الشاعر محمد الماغوط، وقبلهما الشاعر ممدوح عدوان. واليوم اختار القدر أن يزور "عميدة" المراسلين الصحفيين السوريين الزميلة سلوى الأسطواني، ويرسل لها جلطة دماغية بعد جلطة سابقة نجت منها العام الماضي. وكم يتمنى المرء في هذه اللحظات أن تكون كل تقارير الأطباء كاذبة والصور الطبية الشعاعية مزورة وصفحات الحوادث ملفقة. وتنطبق إحدى إبداعات الشاعر أدونيس على الزميلة الأسطواني فقد كانت "مفردا بصيغة الجمع"؛ وهي صاحبة القلم الذي حظي باحترام الجميع، سلطة ومعارضة، عندما نأت بقلمها عن كتابة أخبار أو تقارير صحفية تنال من المعارضين أو تسريب أخبار تسئ لسمعتهم، كما أنها أبت إلا أن تعبّر دائما عن الهموم الوطنية وتدافع عن بلدها في مختلف المراحل التي مرّ بها. حظيت باحترام شخصي من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وهي التي عاصرت أبرز المراحل في التاريخ السوري المعاصر عندما جلست مع كبار المثقفين والأدباء والساسة في مقاهي العاصمة.. كتبت عنهم في زاويتها الأسبوعية الساحرة في مجلة "هنا لندن" قبل أن تتحول إلى "المشاهد السياسي" التي تصدر عن "بي بي سي ". خسرت في الآونة الأخيرة صديقين سوريين بارزين في مجال الأدب وكانت تجمعها بهما صداقة قديمة هما الأديب والشاعر محمد الماغوط والروائي عبد السلام العجيلي . حينها قالت " لقد سبقوني ويبدو أن نهايتي باتت قريبة جدا". اخترقت جسدها رصاصة، تشبه الرصاص الذي يلاحق الصحفيين بعراق اليوم، وذلك في منتصف التسعينات عندما كانت تغطي تظاهرات ومسيرات في المخيمات الفلسطينية بدمشق، قبل أن تحكم عليها محكمة عسكرية بالاشغال الشاقة بعد أن كشفت في تحقيق صحفي مطول عام 1998 الفساد في مؤسسة سورية وكان التحقيق لصالح صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، ليصدر عفو عنها من الرئيس السوري الراحل في وقت لاحق. تنقلت الزميلة سلوى الأسطواني في مؤسسات صحفية عربية وأجنبية، فحط الرحال بها في لندن حيث كانت مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قبل أن تعود مراسلة لها بدمشق، وعملت في طهران والقاهرة مراسلة اقليمية ل"سي إن إن" الأمريكية، قبل أن تنتقل للكويت وتعمل مع صحفها هناك. كما عملت لسنوات طويلة مع "الشرق الأوسط" وبرزت في تغطيتها للحرب اليمنية ولقاءاتها الصحفية مع الرئيس السابق علي ناصر محمد. وكانت بداياتها الصحفية في وقت مبكر من حياتها متزامنة مع دراستها للعلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حيث تخرجت فيها. عادت إلى دمشق واستقرت فيها وعملت مع وسائل إعلام عربية وأجنبية عديدة على مراحل زمنية مختلفة: الشرق الاوسط، بي بي سي، المشاهد السياسي، وكالات أنباء عالمية مثل يونايتد برس إنترناشونال، وكالات أنباء أوروبية عديدة، مراسلة لبعض الصحف الكويتية واللبنانية، وتعاونت أيضا مع "العربية.نت". سحبت وزارة الإعلام السورية بطاقتها الصحفية منها عام 2001 على خلفية تغطية نشاطات المعارضة السورية داخل البلاد لصالح هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وأوقفت عن عملها الصحفي حتى عام 2004 عندما أمرت الرئاسة السورية بإعادة بطاقتها الصحفية ورفع جميع أنواع الضغوط التي وقعت عليها، بعد أن تمكنت الأسطواني من إيصال ما تعرضت له للرئيس السوري بشار الأسد. سلوى عبد الغني الاسطواني، التي ولدت عام 1938، عرفت المآسي في حياتها مبكرا عندما فقدت ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات إثر حادث سيارة أليم. وكانت الزميلة الأسطواني تشتكي من مضايقات مستمرة من قبل بعض "زملاء" المهنة بهدف الحصول على عملها الصحفي، وهذا ما حصل معها في أكثر من وسيلة إعلامية كانت تراسلها وفجأة تفقدها بعد أن يحصل عليها صحافي آخر "مدعوم" كما أسرّت لنا في لقاءات سابقة. وأبرز نشاط صحافي للزميلة الأسطواني في الآونة الأخيرة كان حوارها مع نائبة الرئيس السوري د. نجاح العطار والذي نشرته مجلة المرأة العربية الصادرة في دبي في شهر مايو/ايار الماضي. قالوا عنها .. "العربية.نت" تحدثت إلى عدد من الشخصيات السياسية والاعلامية السورية االتي عرفت الزميلة الأسطواني عن قرب ، وكان هذا قبل رحيلها بساعات : صباح قباني، سفير سوريا الاسبق لدى الولاياتالمتحدة وشقيق الشاعر نزار قباني، قال ل"العربية.نت": "سلوى الأسطواني امرأة عظيمة وأخلاقها رفيعة. منذ زمان طويل أعرفها وأحترمها كثيرا. أخلاقيات المهنة الصحفية كانت متجسدة فيها تمام التجسد، وكانت مثالا للصحافي الذي يحترم نفسه ويحترم ما يكتب ويحترم الاخرين فهذا موضع التقدير وأنا كنت من وقت لآخر أتصل بها وأعلق على نشاطها الصحافي خاصة مع "بي بي سي". مع الأسف هذه النوعية من الصحفيين والإعلاميين لا تنجح كثيرا في أوساط تريد أنماطا أخرى من الناس وهي كانت لا تستطيع أن تكون من النمط الآخر وهذا ما جعلها تبتعد عن وسائل إعلام عديدة.. وأتمنى لها الشفاء العاجل". المحامي حسن عبد العظيم، الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض في سوريا، قال : "سلوى إعلامية بارزة ومتزنة وموضوعية، ولها علاقات عامة مع الجميع من السلطة والمعارضة وتحترم الجميع والجميع يحترمونها، وتاريخها الإعلامي مشرف وهي اسم اعلامي بارز في سوريا . شفاها الله وأمد الله بعمرها، وغياب سلوى خسارة كبيرة للإعلام في سوريا". الزميل شعبان عبود، مراسل صحيفة النهار اللبنانية بدمشق، قال: "هي أميرة الصحافة في سوريا. منذ سنوات وعندما كان الرئيس حافظ الأسد على قيد الحياة، حاول أحد الصحفيين أن يأخذ عملها كمراسلة لهيئة الإذاعة البريطانية عن طريق علاقاته على مستوى معين والتي كانت تؤهله أن يحظى بما يريد ولكن قالوا له آنذاك إن هذه السيدة خط أحمر من قبل الرئيس حافظ الأسد وعليك ألا تقترب منها . بمعنى أنها امرأة قديمة ومهنية ومحترمة جدا" . ويتابع متحدثا عن ظروف عملها: "عانت أكثر من غيرها من ظاهرة محاولة بعض الصحفيين الحصول على عمل زملائهم، وهناك وسائل إعلام كانت تعمل معها أيضا لم تقدر قيمتها وقفزت من فوقها لتجري اتصالات مع صحفيين آخرين والمفروض أن يتم احترامها حتى اللحظة الأخيرة. هي سيدة الصحافة السورية، وأنموذج للصحافيات والصحافيين وتشكل قدوة لهم فهي متزنة وكانت تعمل بموضوعية في تغطيتها للشأن السوري". وأضاف "في مراحل معينة من عمرها كبرنا ونحن نسمع صوت سلوى في إذاعة لندن، وكانت له رنة خاصة، ووجدت فيما بعد أن صوتها الذي كان في ذاكرتي كانت قريبة من الصورة التي رسمتها لها قبل أن ألتقي بها، وعندما عرفتها عن قرب ازداد احترامي لها، ونحن في سوريا بحاجة لنماذج مثل سلوى الأسطواني، وما كان يزعجها عدم احترام البعض للمهنية والدخول للمهنة بطرق ملتوية". حسن معوض، مقدم برنامج نقطة نظام في العربية، ومسؤول دائرة البرامج الإخبارية سابقا في "بي بي سي"، يقول عنها : "دخلت بي بي سي وكانت سلوى هناك. كان عملي معها كصحافي عادي وكمسؤول عن دائرة البرامج الإخبارية والمراسلين. عملت في ظروف كانت صعبة عموما في العالم العربي ولم يكن من السهل قول كل شئ ولكنها عملت رغم ذلك بالقدر الممكن وهي كانت نافذتنا على سوريا ومصدر معلوماتنا. لقد قضيت معها حوالي 20 سنة. وعلى المستوى الشخصي كانت صديقة، وكنا دائما نذكرها بالخير في بي بي سي، وعندما اوقفت عن العمل منذ سنوات في سوريا حاولنا مساعدتها والوقوف إلى جانبها". الصحافي والدكتور فائز الصائغ، المدير العام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري، يقول : "أطلق عليها حملة الهموم والمتاعب- الصحفيون- في سوريا ووصفوها (بالشيخة سلوى) وبعضهم (بالمرجعية) نظرا لقدم تعاملها مع الصحافة، وفي الواقع كانت ولاتزال عميدة المراسلين والعرب في دمشق. بي بي سي سلوى الأسطواني دمشق- كانت هذه أسطوانتها المفضلة، كما اسطوانة الصحفيين. مصادرها في دمشق أصدقاؤها، استطاعت بهم وبمن حولهم تقديم الحقيقة إلى الرأي العام المتابع لأعرق محطة أجنبية ناطقة بالعربية". ويتابع" كنا نتلمس دروب الصحافة بلا هدى عندما كانت السيدة سلوى الأسطواني صحفية بكل المقاييس والمواصفات، لم يتبدل صوتها على الرغم من تراكم السنين، ولم يتبدل موقفها الوطني على الرغم من تراكم الأحداث وتسارعها، وبقيت سلوى الأسطواني صاحبة الصوت الدافئ والنفس الحميمة وجمعت معها وحولها نخبة من الصحفيين التلاميذ والأصدقاء معا". ويختم " لقد سألت عن حالتها الصحية للتو حيث ترقد في مشفى السيدة بصيدنايا، وفي ظلال الطبيعة الهادئة، ولم أتفاءل بوضعها الصحي، فقد دخلت سلوى مرحلة الغيبوبة التامة والسبات السريري .. لا نسمعها ولا تسمعنا فيما لا نملك أمام القدر والإرادة الإلهية إلا الدعاء لها سلامات يا سلوى". العربية نت