قابس: إسعاف 15 تلميذًا بعد تعرّضهم للإختناق والإغماء    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    المبادلات التجارية الجزائرية - الأوربية تلامس 47 مليار دولار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    رئيس إتحاد الفلاحة: أسعار الأضاحي 'معقولة'    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب الرئيس زين العابدين بن علي بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين للتحوّل

في كنف النخوة والاعتزاز يحتفل شعبنا بالذكرى الحادية والعشرين للتحول، وكله ثقة بالمستقبل وعزم على مزيد العمل والبذل من أجل تونس ومناعتها وازدهارها.
إحدى وعشرون سنة من الإصلاح المتواصل حققنا خلالها المكاسب والإنجازات في جميع المجالات بفضل وفاء شعبنا، والتفافه حول خياراتنا، وانخراطه في برامجنا وتوجهاتنا وما يحدو التونسيين والتونسيات من إرادة قوية وطموح كبير.
ويطيب لي في هذه المناسبة أن أهنئ الفنان زبير التركي بجائزة 7 نوفمبر للإبداع تقديرا لأعماله الرائدة في ميدان الفنون التشكيلية.
وإن ما بلغته بلادنا اليوم من الازدهار والتقدم يؤكد سلامة الخيارات والسياسات التي اعتمدناها. وهو ما يزيدنا إصرارا على كسب الرهانات ورفع التحديات وإدراك الأهداف المرسومة للفترة القادمة برا بالوطن، ووفاء للشهداء، وتكريسا متجددا للعهد الذي أبرمناه مع الشعب منذ فجر السابع من نوفمبر.
وستظل مبادئ التغيير ثوابت راسخة في كل ما نتخذه من مبادرات، وما نقره من سياسات في ضوء ما يقتضيه تطور مجتمعنا، وما تفرضه التحولات العالمية وتغيرات الظروف المحيطة ببلادنا ومنطقتنا.
ويتزامن احتفالنا بذكرى التحول هذا العام مع بداية مرحلة مليئة بالمحطات البارزة، ومن أهمها إحياء الذكرى الخمسين لصدور أول دستور للجمهورية التونسية. وهي مناسبة تاريخية متميزة سنوليها ما تستحقه من العناية لما لهذا المكسب الوطني من مكانة جوهرية في نظامنا الجمهوري وفي حياة شعبنا.
كما تستعد بلادنا لتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة. وتشكل تلك الانتخابات حدثا بارزا سنعمل على إحاطته بكل مقومات النجاح ليعكس ما بلغه شعبنا من نضج، وما تتميز به الحياة السياسية في بلادنا من تقدم على درب الديمقراطية والتعددية. وسنوفر كل الشروط حتى تنتظم هذه الانتخابات في كنف الشفافية واحترام القانون والسلوك المدني الراقي.
إننا حرصنا دوما على تطوير القانون الانتخابي بما يدعم حقوق المترشحين ويضمن حسن سير العملية الانتخابية وسلامتها.
ونحن نأذن في إطار هذا التوجه الذي دأبنا عليه بمراجعة تنظيم حصص تسجيل وبث كلمات المترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية بمؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسيتين أثناء الحملة الانتخابية، وذلك بإسناد صلاحية تقويم التساجيل من حيث عدم تضمنها لما يمثل خرقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل، إلى رئيس المجلس الأعلى للاتصال أو من ينيبه.
ويمكن لرئيس المجلس الأعلى للاتصال في صورة رفض حذف العبارات المخالفة للقانون من قبل المترشح، اتخاذ قرار فوري مؤقت ومعلل في الاعتراض على بث التسجيل.
ويخول للمترشح الطعن في قرار الاعتراض لدى رئيس المحكمة الابتدائية بتونس حسب إجراءات تضمن حقوق جميع الأطراف وتتماشى مع الآجال المحددة للحملة الانتخابية.
إننا نعمل دوما على مزيد دعم الضمانات التي نحيط بها العملية الانتخابية في جميع مراحلها حتى تكون نزيهة وشفافة وتعكس بحق الإرادة الشعبية.
وإذ ينصّ الدستور التونسي منذ إصلاح سنة 2002 على إسناد صلاحية مراقبة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاء إلى المجلس الدستوري، فقد قام المجلس بدوره الجديد لأول مرة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة، لكنه تبين في ضوء ذلك أن جال البت في نتائج الانتخابات التشريعية قصيرة تحتاج إلى مراجعة، لذلك نأذن اليوم بالتمديد في الأجل الأصلي للبت وكذلك في أجل التمديد المخول للمجلس الدستوري.
وهو ما سيمكن المجلس من مدّة معقولة للبت في الطعون دون النيل من مبدأ وجوب الحسم بلا إطالة حفاظا على مصداقية العملية الانتخابية واستجابة لخصوصية النزاعات الانتخابية.
إن عزمنا ثابت على مواصلة التقدم بالحياة السياسية في بلادنا لمزيد ترسيخ الديمقراطية ودعم التعددية وتوسيع مجالات المشاركة وتعزيز دور المجتمع المدني، فالخيار الديمقراطي من الثوابت التي أقمنا عليها مشروعنا الإصلاحي. وهو نابع من تصورنا للبناء الحضاري متكامل الأبعاد.
إننا حرصنا دائما على أن تكون مقاربتنا نابعة من واقعنا، منسجمة مع المبادئ الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ملائمة لخصوصياتنا وتطلعاتنا، في نسق يتطور بثبات بعيدا عن مخاطر التراجع أو الانزلاق إلى ما وقعت فيه بعض التجارب في العالم.
وقد راهنا على خيار التعددية إيمانا منا بأن الاختلاف مصدر ثراء للحياة العامة لا يزيد الثوابت الوطنية إلا رسوخا. فهي الثوابت التي تجمع كل القوى الوطنية وفي مقدمتها الأحزاب السياسية سواء في الحكم أو في المعارضة.
كما جعلنا من الحوار ركنا أساسيا في مسارنا الديمقراطي، وعملنا دائما على توسيع نطاقه بتنظيم الاستشارات حول القضايا الكبرى في مسيرة بلادنا.
وقد عملنا باستمرار على الارتقاء بالحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير، وتعهدنا الساحة الإعلامية بعديد المبادرات والإجراءات لتطوير المشهد الإعلامي وتحسين مستوى دائه، معولين على وعي أهل المهنة وتمسكهم بحرية الإعلام بقدر تمسكهم بأخلاقياته، تلك الأخلاقيات التي نعتبرها من ضمانات الحرية، ومن مقومات السلوك الديمقراطي الذي يخل به البعض أحيانا وخصوصا من الدخلاء على المهنة ومحترفي الافتراء بنشر الأكاذيب والنيل من مصالح البلاد العليا.
وإن من مكاسب مسيرتنا نشر قيمة التضامن وإرساء أسس المجتمع المتآزر المتكافل، على أساس تصور يجعل من هذه القيمة الأخلاقية النبيلة منطلقا لتوفير أسباب التوازن والاستقرار والتماسك الاجتماعي، ومدخلا لتكريس حق الجميع في ثمار التنمية والعيش الكريم.
كما أن المراهنة على المرأة خيار استراتيجي يتكامل فيه تقديرنا لما بلغته من نضج وتطور لأدوارها مع تصورنا لشروط الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك مع رؤيتنا للتنمية بأشمل معانيها وأبعادها.
وإننا نؤكد مجددا أن المرأة شريك فاعل في تجسيم الديمقراطية وتحقيق التنمية. كما نؤكد حرصنا على أن تظل المرأة التونسية وجها من وجوه الحداثة في بلادنا وصورة لتقدم شعبها.
إن التحول النوعي الذي حققته بلادنا في جميع المجالات هو نتيجة لمسيرة تنموية شاملة متوازنة الأبعاد أكسبت الاقتصاد الوطني مقومات الارتقاء إلى مستوى الدول المتقدمة بجدارة واقتدار.
وإننا اليوم على مشارف السنة الأخيرة من برنامجنا الانتخابي 2004-2009 وقد قاربنا إنجازه وتجسيم أهدافه كاملة في أغلب محاوره الواحد والعشرين قبل انتهاء الفترة المحددة.
وقد كنا أعلنا سنة 2006 في الذكرى الخمسين لاستقلال البلاد عن جملة من الأهداف الإستراتيجية الطموحة لتونس في أفق 2016 من أهمها التقليص في نسبة البطالة بأربع نقاط، ومضاعفة الدخل الفردي مرتين ليبلغ ثمانية لاف دينار، وتطوير القطاعات الواعدة وذات المحتوى المعرفي العالي لترتفع حصتها من الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35% سنة 2016، وكذلك مضاعفة شبكة الطرقات السيارة ثلاث مرات والارتقاء بالساحة الاقتصادية الوطنية لتصبح قطبا مميزا للاستثمار الخارجي المباشر.
وإننا نتدرج نحو تحقيق تلك الأهداف بكل ثبات بفضل تضافر جهود الجميع، وفي ضوء الخيارات والبرامج التي اعتمدناها في المخطط الحالي للتنمية والمشاريع والمبادرات التي اتخذناها وفق المعطيات الوطنية والظروف العالمية طوال السنوات الأخيرة.
وقد تمكنا بذلك من مواصلة التقليص في نسبة البطالة لتصبح في حدود 14% هذا العام حيث لم تزدد حدتها إلا بالنسبة لحاملي الشهادات العليا بحكم التصاعد الكبير لأعداد خريجي المؤسسات الجامعية في كل سنة، وهو تصاعد نعتز به رغم ضغطه
على سوق الشغل، إذ نعتبره عنوانا لتقدم بلادنا وحداثتها خصوصا ونحن نحيي هذا العام خمسينية الجامعة التونسية.
ومثلما أكدنا دوما، يظل التشغيل في صدارة أولوياتنا. ولئن توفقنا إلى الارتقاء بإحداثات الشغل إلى 80 ألف موطن سنويا بالتوازي مع مضاعفة عدد المشتغلين من ذوي مستوى التعليم العالي قرابة خمس مرات بين سنتي 1987 و2007، فإننا مقرون العزم على مزيد النهوض بالتشغيل ولاسيما بالنسبة إلى خريجي منظومة التعليم والتكوين.
ولقد تابعنا بكل اهتمام الاستشارة الوطنية للتشغيل التي كنا أذنا بها في الذكرى العشرين للتحول، والتي تحظى لدينا نتائجها بكامل الاهتمام والعناية.
وانطلاقا من توصيات هذه الاستشارة، نأذن اليوم بالقيام بإصلاح عميق للسياسة النشيطة للتشغيل لمزيد تصويبها نحو الفئات التي تلاقي صعوبات إدماج خصوصية، إلى جانب وضع برنامج للارتقاء بجودة خدمات مكاتب التشغيل إلى مستوى المعايير المعتمدة دوليا بما يعزز قدرتها على تيسير عمليات إدماج طالبي الشغل في الحياة المهنية.
كما نعلن قرارنا بوضع برامج خصوصية تستهدف طالبي الشغل من حاملي الشهادات العليا الذين طالت فترة بطالتهم بالشراكة مع المؤسسات الاقتصادية والنسيج الجمعياتي لتأهيلهم وتكوينهم وتيسير انتدابهم أو مساعدتهم على بعث مشاريع. وسيحظى الشبان المنتفعون بهذه البرامج بالمرافقة والإحاطة إلى غاية إدماجهم في سوق الشغل.
وقد ارتفع معدل الدخل الفردي منذ التغيير ليقارب في سنة 2008 مستوى 5.000 دينار وبلغت حصة القطاعات الواعدة من الناتج المحلي الإجمالي 23.5% كما شهدت الاستثمارات الخارجية المباشرة دفعا متميّزا حيث فاق حجمها هذا العام ألفين وثمانمائة مليون دينار.
وإذ حرصنا باستمرار على تحقيق نقلة نوعية لشبكة الطرقات، حتى تستجيب للمواصفات العالمية الحديثة وتواكب مختلف التحولات التي تشهدها البلاد وتعزز القدرة التنافسية لقطاعات الإنتاج وتربط بين سائر الجهات بالنجاعة والسرعة
اللازمتين في الاقتصاديات الحديثة، فقد شهدت الفترة المنقضية دخول الطريق السيارة مساكن صفاقس حيز الاستغلال مما مكن من الرفع في طول الشبكة إلى 360 كيلومترا بعد أن كان طولها 115 كيلومترا فقط سنة 2006.
وتدعيما لهذا المجهود، وبالإضافة إلى قرارنا بخصوص بناء الجزء الرابط بين وادي الزرقاء وبوسالم ومواصلة بناء الجزء الرابط بين صفاقس ورأس جدير على أقساط، وبعد إذننا بربط مدن الشمال الغربي بالطريق السيارة عبر طرقات سريعة، نعلن اليوم عن الانطلاق في إنجاز القسط الرابط بين صفاقس وقابس كمرحلة أولى نحو رأس جدير، كما نأذن بإيصال الطريق السيارة إلى كل من ولايات القيروان وسيدي بوزيد والقصرين وقفصة.
وبذلك سنتمكن من إنجاز حوالي 1200 كيلومتر من الطرقات السيارة وهو ما يتجاوز بكثير الهدف المرسوم لأفق 2016، ويوفر للجهات الغربية والوسطى من البلاد بنية أساسية حديثة للنقل تعزز قابليتها للاستثمارات.
وقد مكنت تلك النتائج والمكاسب والإنجازات بلادنا من الارتقاء بمؤشر اللحاق بمستوى اقتصاديات بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من 29% سنة 2006 إلى 35% سنة 2008.
وهي نتائج تدعمها مختلف التقويمات الدولية المشهود بمصداقيتها وآخرها تقرير منتدى «دافوس» الصادر في 18 أكتوبر الماضي والذي رتب تونس في المرتبة الثانية عالميا من حيث حسن التصرف في المالية العمومية.
وتتزامن الذكرى الحادية والعشرون للتحول مع خمسينية إحداث البنك المركزي وانطلاق العمل بالدينار التونسي وتركيز النواة الأولى من البنوك الوطنية.
ونحن نعطي اليوم إشارة انطلاق الاحتفالات بهذه الذكرى التي تجسم الاستقلال النقدي والمالي للبلاد.
وقد ساهم القطاع المالي طوال هذه المدة في بناء الاقتصاد الوطني وذلك بتطوير قطاعات وأنشطة حديثة وبعث جيل جديد من المؤسسات وتأمين التوازنات المالية للبلاد وتعزيز مناعتها وحمايتها من الهزات الخارجية.
وقد تعهدنا القطاع المصرفي منذ التحول بالإصلاح وتحديث إطاره القانوني وتعزيز أسسه المالية وتطوير مناهج عمله وتوفقنا منذ انطلاق البرنامج الرئاسي 2004-2009 إلى تحقيق نتائج هامة لعل أبرزها التخفيض في حصة الديون المصنفة بما يناهز عشر نقاط كاملة خلال السنوات الأربع الأخيرة والتقدم في تطوير هيكلة مؤسسات القطاع والخدمات التي تسديها.
ومواصلة لهذا التمشي فإننا نؤكد ضرورة مضاعفة الجهد قصد النزول بحصة الديون المصنفة إلى ما دون 10% في آفاق سنة 2011.
ونحن نتدرج بثبات نحو التحرير الكامل للدينار، هدفنا في ذلك توفير الظروف الملائمة لمؤازرة المؤسسات التونسية في سعيها إلى دخول الأسواق الخارجية، واستقطاب المزيد من الاستثمارات، وقد كنّا أذنا في هذا الإطار بمراجعة مجلة الصرف بما يتيح حذف مبدأ إحالة العملات وتوسيع مجال مسك الحسابات بالعملة، وإرساء إمكانية مسك حسابات بالعملة بالخارج في إطار الصفقات خارج بلادنا، وإعادة النظر في الإجراءات الجزائية بالاتجاه قدر الإمكان نحو القانون العام.
كما نأذن في إطار سعينا إلى الارتقاء ببلادنا إلى ساحة مالية إقليمية، بإعادة النظر في قانون 1985 المتعلق بالمؤسسات المالية التي تتعامل أساسا مع غير المقيمين؛ وذلك في اتجاه الرفع من الحواجز بين النظامين والتقريب بينهما بما يمكن من استقطاب مؤسسات مالية ذات صيت عالمي.
وقد تأكد من خلال الأزمة المالية العالمية الراهنة صواب خياراتنا سواء تعلق الأمر بحرصنا على توظيف القطاع المالي في مجال النمو والتشغيل بعيدا عن المضاربة، أو بالتدرج في برنامج التحرير المالي الخارجي مع إعطاء الأولوية إلى تحرير العمليات الجارية المرتبطة مباشرة بالنشاط الاقتصادي، أو بتوجهنا منذ سنة 2001 نحو تعميم صنف البنك الشمولي الذي يخضع نشاطه إلى مقاييس محددة وذلك دون الإخلال بأهداف الاستثمار وتمويل المشاريع.
وإن من واجبنا العمل على استباق الأحداث في المجال المالي الذي يمر بأزمة عالمية عميقة. لذلك قررنا إحداث مركز للبحوث والدراسات المالية والنقدية بإشراف البنك المركزي التونسي يتولى متابعة التطورات العالمية، وإنجاز الدراسات والبحوث اللازمة لاستشرافها وتحليل تأثيراتها على الاقتصاد الوطني وتقديم المقترحات اللازمة للغرض.
إن هذه الأزمة المالية امتدت إلى عديد الدول وتفاوت وقعها من بلد إلى آخر.
وقد تعددت المبادرات والإجراءات للتخفيف من حدتها والحيلولة دون تفاقمها واتساع رقعتها ومعالجة أسبابها.
ومنذ بروز المؤشرات الأولى لها عملنا على رصد تطوراتها والتوقي من تداعياتها وتطويق انعكاساتها على المسيرة التنموية الوطنية.
ويندرج في هذا السياق إذننا بإحداث لجنة لمتابعة الظرف المالي والاقتصادي العالمي واقتراح التدابير الملائمة عند الاقتضاء لتأمين مقومات مواصلة المسار التنموي وفقا للأهداف المرسومة.
وإذ تبرز النتائج المسجلة أن بلادنا توفقت بفضل منوالها التنموي الذي يراعي الخصوصيات الوطنية ويعتمد النجاعة والتلازم بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي، إلى ضمان توازناتها الكبرى وإلى مجابهة التقلبات الخارجية إلى حد الآن فإننا نحرص على ملازمة اليقظة في ضوء المستجدات الجارية والتوقعات بخصوص تراجع نمو الاقتصاد العالمي.
كما نحرص على تفعيل مختلف السياسات والبرامج والآليات الكفيلة بالحفاظ على سلامة الاقتصاد الوطني ودعم قدرته التنافسية ومواصلة حركية النمو والاستثمار والتشغيل.
وقد كنا أذنا في هذا الإطار بالترفيع في الاعتمادات المخصصة للتنمية ضمن مشروع ميزانية الدولة للسنة المقبلة إلى 3900 مليون دينار مقابل 3200 مليون دينار مدرجة في قانون المالية لسنة 2008، وذلك قصد تعزيز نسق تطوير البنية الأساسية ودعم آليات مساندة المؤسسة الاقتصادية ودفع التصدير والاستثمار بما يرتقي بتنافسيتها ويغذي الحركية الاقتصادية ويعزز إحداث مواطن الشغل.
وفي إطار هذا التوجه نأذن بإعادة هيكلة منظومة التأمين على الصادرات ودعم مواردها المالية بما يمكن من ضمان تغطية أشمل لصادراتنا وتأمين القروض التجارية الضرورية واختصار جال التعويض.
ونأذن في السياق ذاته بوضع برنامج جديد لمساعدة المؤسسات على ملاءمة منتوجها مع متطلبات الأسواق الخارجية ومساندتها للمشاركة في المعارض والقيام
بعمليات الترويج بما يعزز نفاذ المنتوج التونسي إلى أسواق البلدان الشقيقة والصديقة ويغذي الحركية الاقتصادية.
كما نأذن بإعداد خطة جديدة لمزيد تحسين مختلف مقومات القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني تشمل الجوانب التشريعية والترتيبية والمؤسساتية واللوجستية إلى جانب دفع برامج تأهيل الإنتاج في مختلف القطاعات.
واعتبارا للمكانة التي نوليها للمؤسسة الصغرى والمتوسطة، التي تمثل العمود الفقري للنسيج الاقتصادي الوطني، فقد عملنا من خلال عديد الإجراءات على دعم قدرتها على الإنتاج والاستثمار والتشغيل والتصدير.
وتعزيزا للجهود المبذولة في هذا المجال، نأذن بمضاعفة رأس مال بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وإعادة هيكلة منظومة ضمان القروض لهذا الصنف من المؤسسات بما يسهم في دفع الاستثمار وبعث المزيد من المؤسسات.
كما نعلن قرارنا بالترفيع في التسبقة بالنسبة إلى الصفقات العمومية المسندة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة من 10% إلى 20% إلى جانب دعم مختلف أشكال الإحاطة بوحدات الإنتاج بهدف تعزيز قدرتها على مجابهة المستجدات والحفاظ على مواقعها في السوق التونسية والأسواق الخارجية.
إننا عملنا دائما على أن تكون الدولة في مقدمة الفاعلين لمعاضدة المسيرة التنموية للبلاد برصد الاعتمادات الضرورية لدعم البنية الأساسية والمرافق العامة، والتشجيع على إحداث المؤسسات مع المحافظة على التوازنات المالية. وهو تمش أثبتت النتائج المسجلة صوابه وجدواه.
ولأن تحقيق هذا الهدف يمر حتما عبر تعزيز مواردنا الذاتية في ظل احترام مبادئ العدالة والإنصاف، فقد حرصنا دائما على تحديث منظومتنا الجبائية ومواصلة تخفيف العبء على المؤسسة والمواطن.
وقد توالت المبادرات في هذا الإطار من خلال إقرار عفو جبائي، وتخفيض نسبة الأداء المباشر على الشركات، وحذف النسبة العليا للأداء على القيمة المضافة، مع تواصل تبسيط الإجراءات وتدعيم حقوق المطالب بالأداء تجاه الإدارة.
وفي نطاق هذا التوجه، نأذن باعتماد دفعة أخرى من الإجراءات وإدراجها ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2009 قصد مزيد تبسيط عمليات إحالة المؤسسات لضمان ديمومتها ومواصلة الانتفاع بالامتيازات الممنوحة للمؤسسة شريطة استمرار نشاطها والحفاظ على مواطن الشغل فيها.
كما نأذن في السياق نفسه وفي إطار تيسير إجراءات تنفيذ الأحكام، بتمكين المتقاضين من تسجيل الأحكام والقرارات التي لا تتعدى ثلاثة لاف دينار بالمعلوم القار، عوضا عن 5% من المبلغ المحكوم به، وإعفاء المنتفعين بهذا الإجراء من كل عملية تسوية لاحقة.
ولمزيد دفع المصالحة بين المواطن والجباية، نأذن بإدراج أحكام جديدة بقانون المالية للسنة القادمة، تؤدي إلى التخفيض بصفة آلية في خطايا المراقبة كلما تضمنت نتائج المراجعة في الوقت نفسه مبالغ لفائدة الدولة ومبالغ قابلة للإرجاع لفائدة المواطن والمؤسسة.
إن البعد الاجتماعي ركيزة أساسية لسياستنا التنموية، وقد عززنا برامج الإحاطة بالفئات الضعيفة وذوي الاحتياجات الخصوصية، وسعينا إلى إذكاء جذوة التضامن في المجتمع في إطار رؤية تقوم على صيانة كرامة الفرد وتمكين جميع التونسيين والتونسيات من الانتفاع بثمار التنمية.
كما يتنزل في الإطار ذاته حرصنا على تحسين أوضاع الأحياء الشعبية ولاسيما منها المحيطة بالمدن الكبرى. وقد كنا أذنا بانطلاق برنامج متكامل للتدخل لفائدة 26 حيا يقطنها 166 ألف ساكن وذلك بهدف تطوير البنية الأساسية وتوفير التجهيزات والمرافق الجماعية ودعم الأنشطة المنتجة.
وامتدادا لهذا البرنامج الذي يتواصل إنجازه بنسق حثيث، نأذن بإعداد برنامج إضافي لتهذيب ما يزيد عن خمسين حيا يقطنها قرابة 200 ألف ساكن مع إيلاء عناية خاصة بمجالات التكوين وتطوير الأنشطة المنتجة، وذلك بكلفة تقدر ب 150 مليون دينار.
وقد اتجه اهتمامنا باستمرار إلى العناية بتطوير الأجور وظروف العمل، والارتقاء بالحوار الاجتماعي وفق نظرة تعتمد على تكامل أطراف الإنتاج وترابط مصالحها. كما حرصنا على تعهد التشريعات الاجتماعية بالإصلاح والتعديل، حتى تواكب التحولات الوطنية والعالمية، وسعينا إلى إصلاح أنظمة التغطية الاجتماعية، وتوسيعها ودعم برامج السكن الاجتماعي، وتيسير شروط اقتنائه، وتعزيز مجهود التحويلات الاجتماعية.
ولئن كانت الإنجازات والمكاسب التي تحققت لبلادنا مصدر فخر لنا، فإن الواجب يقتضي منا، في خضم التحولات الجارية في العالم، وما أفرزته من أزمات وصعوبات، مضاعفة الجهد للتوقي من آثار هذه الأزمات والحفاظ على المكاسب الوطنية وتجسيم الأهداف المرسومة لتطويرها وإثرائها.
ولما كنا حريصين دوما على انتظام دورات التفاوض الاجتماعي حول مراجعة الأجور والاتفاقيات المشتركة، فإننا ندعو مختلف الأطراف إلى العمل من منطلق ما تتميز به من حسّ وطني وإدراك لأهمية الرهانات والتحديات القائمة، على إنجاح المفاوضات الجارية حاليا في إطار الجولة السابعة واستكمالها في أقرب الآجال، بما يؤمن سلامة المسار التنموي ويحفظ مصالح جميع الأطراف ويراعي إمكانيات البلاد والآثار التي يمكن أن تنجم عن الظرف الاقتصادي الدقيق الذي يمر به العالم.
إن في ذلك تعزيزا وتكريسا لمكسب اجتماعي كبير، تنفرد به تونس اليوم بين الأمم، ألا وهو انتظام الزيادات في الأجور وتواصلها بدون انقطاع كل عام منذ 1988.
إن إيماننا راسخ بأن لا معنى للتنمية بدون العدل في توزيع ثمارها بين فئات المجتمع كافة.
لقد تمكنا منذ تحول السابع من نوفمبر من إحكام التفاعل مع التطورات العالمية والتأقلم معها واستشراف تحدياتها ورهاناتها. وتدعمت مكانة تونس في مختلف المحافل الدولية والإقليمية، وتعزز رصيد الثقة والاحترام الذي تحظى به لدى شركائها ولدى مختلف المؤسسات الدولية.
وإن تونس ستبقى دائما منحازة إلى قضايا العدل والسلم في منطقتنا وفي العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي نعتبرها قضيتنا الأولى.
كما حرصنا دوما على توطيد أسس التعاون والشراكة المتضامنة في مختلف فضاءات انتمائنا الإقليمي سواء المغاربي أو العربي أو المتوسطي أو الإفريقي، وذلك من خلال مساهمتنا الفاعلة في الجهود الرامية إلى تعزيز الاندماج والتكامل داخل هذه الفضاءات.
وإننا نؤكد مجددا بهذه المناسبة، ضرورة مضاعفة الجهود من أجل الإسراع في إقامة المنطقة المغاربية للتبادل الحر وإنجاز المشاريع المغاربية الكبرى، باعتبار أهميتها في تحريك مسار الاتحاد المغاربي وتحقيق الاندماج الاقتصادي والشراكة بين بلدان المنطقة.
وانطلاقا من إيماننا بأهمية البعد الاقتصادي والتنموي في علاقات التعاون والاندماج العربيين، فإننا نأمل أن تسهم القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي ستحتضنها دولة الكويت الشقيقة في مطلع السنة القادمة، في دفع مسيرة التكامل الاقتصادي بين الدول العربية وتوسيع دائرة المنافع المتبادلة بينها.
واعتبارا للأهمية الإستراتيجية لعلاقات تونس مع الفضاء الأوروبي، فقد شهدت السنة الجارية دخول اتفاقية منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ. ونحن حريصون على مزيد دفع علاقات التعاون مع أوروبا على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف.
كما عملت تونس على دعم مختلف المبادرات الرامية إلى تعزيز التعاون في الفضاء المتوسطي، وترسيخ الأمن والسلم والتنمية المتضامنة بين شعوب المنطقة كافة.
وسنواصل سعينا إلى مزيد دفع علاقات الصداقة مع دول القارتين الأمريكية والآسيوية، وتطوير التعاون معها لاسيما في مجالات الاستثمار والتكنولوجيات الحديثة والتبادل التجاري.
إن ما يشهده العالم اليوم من تحديات جسام، عمقتها الأزمة المالية العالمية وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية الأساسية وانخرام التوازن البيئي، يحتم تضافر جهود الجميع من أجل إيجاد الحلول الناجعة لتطويق ثار هذا الوضع.
وقد كنا دعونا في شتى المناسبات إلى ضرورة اعتماد مقاربات تنموية تكرس الأبعاد الإنسانية للتضامن، وتضفي عدالة أشمل وتوازنا أكبر على العلاقات الدولية. ونحن نجدد الدعوة اليوم إلى تكثيف الجهود من أجل تفعيل الصندوق العالمي للتضامن الذي اعتمدته الأمم المتحدة منذ سنة 2002 كآلية لمعالجة ظاهرة الفقر والخصاصة في العالم وتقليص الفوارق بين الشعوب.
وتأكيدا للمكانة المتميزة التي أوليناها للجالية التونسية بالخارج، فقد دأبنا على الإحاطة بها ورعايتها ومتابعة مشاغلها في ضوء ما اتخذناه من إجراءات وقرارات لتحسين أوضاعها وحماية حقوقها وصون كرامتها في مختلف بلدان الإقامة وتأمين مساهمتها الفاعلة في المسيرة التنموية للبلاد.
إن عنايتنا بالشباب من أسس رؤيتنا الإصلاحية، ومن مقومات بناء مستقبل البلاد. فالحفاظ على مكاسب الوطن وأمجاده، والذود عن حماه، مسؤولية متجددة تتحملها الأجيال المتعاقبة.
وإن الإحاطة بالشباب اليوم من أدق المهام المطروحة على المجتمعات والبلدان، بحكم ما يشهده عالمنا من تطور، وما تعيشه الحضارة البشرية من تحولات متسارعة تفتح فاقا وفرصا جديدة بقدر ما تحتم حسن تهيئة الشباب للتأقلم معها ومواكبتها والاستفادة منها، حتى يكون فاعلا فيها وحتى نجنبه ما قد ينجر عنها من مخاطر الاغتراب وفقدان التوازن وغياب الوعي بالهوية، هويتنا التي حرصنا دوما على حماية مقوماتها ومن بينها لغتنا العربية التي ندعو وسائل الإعلام وخصوصا المرئية منها والمسموعة بحكم انتشارها، إلى أن تكون أول من يحافظ على سلامتها ويعزز حيويتها.
وإن واجب إعداد شبابنا ليعيش على إيقاع العصر وتحولاته ينبغي أن يتكامل مع تعميق الحس الوطني في صفوفه وإذكاء روح الانتماء والإحساس بالمسؤولية إزاء تونس أولا، واعتبار التفاني في خدمتها واجبا مقدسا وأولوية مطلقة لديه.
إن الشباب عماد التغيير، وعنفوانه المتجدد، وروحه المتوثبة. من أجله نعمل، ومعه نفكر، وبه نبني للمستقبل.
شباب تونس،
لقد دعوتكم إلى الحوار، وأقبلتم عليه بحماس.
وصغتم لأنفسكم ميثاقا، ضمنتموه القيم التي تجمعكم، والمبادئ التي تعملون على هديها. فهذا الميثاق الذي ستمضيه اليوم منظماتكم ونخبة منكم هو ميثاقكم، وهو المرجعية التي تشدكم والإطار الذي يجمعكم.
وإذ يرفع هذا الميثاق شعار "تونس أولا"، فإن في ذلك تكريما لأمجادها، وتوحيدا لطاقاتها، وضمانا لمستقبلها.
وإنها فرصة أشكركم فيها مجددا على رسالتكم التي كان لها في نفسي عميق الأثر، فقد لمست فيها عمق الوفاء وصدق الوطنية والولاء لتونس، وقوة العزيمة والتحفز للمستقبل. وإني واثق بشباب تونس، شبابها من كل الفئات، شبابها المتعلم الواعي، المتفتح المتضامن، الملتزم من أجل عزة تونس.
إنه شباب يغار على مكاسبها، يحمي حداثتها، يعتز بخصوصياتها. شباب يشيع صورتها المتألقة، ويعمل من أجل رفعتها. شباب يؤمن بالحرية، وباختلاف الرأي. شباب يساهم في بناء الديمقراطية والتعددية بكل مسؤولية وثبات.
أردتم من الحوار أن يكون خيارا راسخا، إنه كذلك وسنعمل على دعم قنواته ووسائله وفتحها أمام كل شباب تونس، في الداخل والخارج. إن في ذلك ممارسة للمواطنة، ورقيا للمجتمع وعزة للوطن.
وإني أدعو إلى تطوير هياكلنا الشبابية حتى تتأقلم مع الخصائص الجديدة لشبابنا. فمؤشر التعلم عند شبابنا يرتفع. ومكانته في الحياة الاقتصادية تزداد رفعة.
وحركيته تكبر داخل تونس وخارجها. واطلاعه على الأحداث في العالم وإلمامه بالمستجدات الدولية يتسعان، تماشيا مع تطور العولمة وكثافة الارتباطات عبر الفضائيات والشبكات الإلكترونية وغيرها...
عالم اليوم غير عالم الأمس، وشباب اليوم غير شباب الأمس. لذلك يتأكد تعميق النظر في مدى ملاءمة تنظيماتنا الشبابية لما يحتاجه هذا العصر.
وإني آذن بأن يتمّ الشروع في وضع إستراتيجية لسياستنا الشبابية للفترة 2009-2014، إستراتيجية تضبط الأهداف المقبلة وتمكن من تنسيق أكبر للنشاطات القطاعية المخصصة للشباب بتبويب مناسب للتمويلات يأخذ بالأولويات القادمة، إستراتيجية تضع في الاعتبار ما اقترحه الشباب في الحوار وتفتح المجال أوسع لمشاركته في الحياة الجمعياتية والسياسية.
لقد أقمنا سياستنا على الربط بين التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى استشراف المستقبل والملاءمة بين الظروف السائدة والوسائل المتاحة، وحرصنا على تشريك سائر الأحزاب والمنظمات ومكونات المجتمع المدني في كل القضايا التي تهم مجتمعنا وبلادنا. وهو ما سنثابر على تكريسه وتوسيع مجالاته على أساس احترام مرجعياتنا الوطنية، ووضع مصلحة شعبنا فوق كل اعتبار.
إن التوجه الحداثي لمشروعنا الحضاري خيار ثابت يستمد جذوره من الفكر الإصلاحي المستنير، ويتأسس على خيارات شعبنا ومكاسبه التاريخية، مثلما ينبع هذا التوجه من حرصنا على أن تظل تونس رمزا للتقدم والتطور وامتدادا لإرثها الحضاري العريق.
وإن انخراطنا في الحداثة يتكامل مع تعلقنا بمقومات هويتنا الوطنية، وتمسكنا بخصوصياتنا الحضارية بما يتيح لشعبنا أن يكون دائما في صميم العصر مواكبا لحركة التقدم دون انبتات أو ذوبان، منغرسا في هويته دون انغلاق أو تعصب.
إننا على حب تونس نشأنا، ومن أجل عزتها وكرامة شعبها نعمل ونضحي. هي عندنا فوق كل اعتبار، ولا ولاء لنا إلا لها، ولا وفاء إلا لشهدائها، ولا غاية لنا إلا الارتقاء بها إلى أرفع الآفاق.
ولن تمنعنا الصعوبات من مواصلة مسيرة الإصلاح والبناء بروح التحدي والعزم على الظفر بالرهانات.
وإذ نذرنا حياتنا لخدمة بلادنا والرفع من شأنها، فإننا نجدد العهد لشعبنا بأننا سنواصل تحمل هذه الرسالة المقدسة، مرجعنا في ذلك مبادئ التغيير وروحه الخالدة، وسندنا التفاف التونسيين والتونسيات حولنا، وثقتهم في خياراتنا.
عاشت تونس عزيزة منيعة أبد الدهر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.