لم يحظَ انتخاب رئيس أميركي بقدر كبير من التفاؤل في العالمين العربي والإسلامي كما حظي به انتخاب باراك حسين أوباما، نظراًلانتخابه الذي يعتبر حدثاً تاريخياً كبيراً أولاً، لخلفيته لكونه ولد لأب مسلم، وأول رئيس أميركي يعتلي سدة الرئاسة من أصل إفريقي ثانياً، فضلا عن ذكائه الخارق وثقافته الواسعة ثالثاً، وهي العوامل التي ربما تجعله يتفهم أكثر من سواه قضايا العرب والمسلمين العادلة في منطقة الشرق الأوسط التي استقبلت انتخابه بالترحيب الأكبر، على أمل أن يولي اهتماماً فورياً للصراع العربي- الصهيوني، وأن يساعد على حل بقية الأزمات الإقليمية الأخرى. هذا التفاؤل مفهوم جدا قي سيكولوجية الشعوب العربية والمسلمة المقهورة، بوصفه ردة فعل طبيعية على سياسة العجرفة والاستكبار العالمي التي مارستها إدارة الرئيس جورج بوش في التعاطي مع قضايا المنطقة، والتي تحكمت فيها الاعتبارات الأيديولوجية لتيار المحافظين الجدد، القائمة على تمجيد السياسة الأحادية الجانب، والتركيز على الخيارات العسكرية الاستباقية، والدفع بقوة إلى دمقرطة المنطقة قبل أن تنضج الظروف الملائمة، وتحديد الأولويات الأميركية التي كانت تتمحور على الحرب في العراق في السنوات الست الأخيرة، وتفادي السعي الجدي إلى حل عادل للصراع العربي- الصهيوني (حتى السنة الأخيرة من ولاية الرئيس بوش)، إضافة إلى انحيازها المطلق لإسرائيل. السؤال الذي يطرحه المحللون العرب والأجانب، هل هذا التفاؤل المبالغ فيه يعتبر في محله، لجهة أن الرئيس المنتخب سيبلور استراتيجية شاملة لمنطقة الشرق الأوسط تجسد قطيعة مع سابقاتها، أم أن الأمر لا يعدو أن تكون السياسة الخارجية لأوباما هي استمرارية للسياسة الأميركية الشرق أوسطية المعروفة جيدا في العالم العربي، بوصفها سياسة تخضع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لأدوات الضغط الصهيونية، ولاسيما منظمة «إيباك» التي أثبتت سيطرتها شبه المطلقة على السلطة التشريعية في الولاياتالمتحدة الأميركية، أي الكونغرس الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب، الذي يتحكم بصورة كبيرة في عملية صرف الأموال لتنفيذ أية سياسة أميركية؟ من خلال تقديم الرئيس المنتخب باراك أوباما رسميا فريقه الجديد في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مدينة شيكاغو يوم 1 ديسمبر الجاري، والذي يتكون من وزرائه ومستشاريه الكبار لشؤون الأمن القومي والدفاع والخارجية، ووضع على رأس هذا الفريق منافسته السابقة على منصب الرئاسة السيناتور هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، فإن أوباما عبّر عن رؤية كلاسيكية جدّاً لمهمة هؤلاء: إعادة الزعامة الأميركية على العالم، ولاسيما أن الامبراطورية الأميركية تعاني في الوقت الحاضر من الانحدار التاريخي الذي عانت منه سابقتها البريطانية. فقد قال أوباما من دون أي لبس: «في عالم متقلب، حان الوقت لبداية جديدة، لفجر جديد للزعامة الأميركية من أجل تجاوز تحديات القرن الحادي والعشرين»، ولم يثر قضية بناء عالم متعدد الأقطاب، على رغم بروز مراكز نفوذ في بكين ونيودلهي وموسكو وبرازيليا. لقد عيّن أوباما شخصيات تشاطره براغماتيته فيما يتعلق بموضوع استخدام القوة، إن لم يكن أفكاره كلها. وتبين خلفيات أعضاء الفريق أن المقاييس التي اعتمدها أوباما هي مقاييس عملية تتعلق بالخبرة المهنية والمزايا القيادية، وليس بالاعتبارات الايديولوجية أو السياسية الضيقة. وذهب أوباما أبعد في تواصله مع الإستابلشمنت في واشنطن- إنما بمدّ يده إلى الحزبين معا - ففي البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) أعاد أوباما روبرت غيتس إلى منصبه، وهو الرجل الذي عرف كيف يصالح الديمقراطيون في الكونغرس. وتكمن مهمته في «وضع حد للحرب في العراق بطريقة مسؤولة»، وزيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان. وكان روبرت غيتس البالغ من العمر (65سنة) عينه الرئيس جورج بوش بعد هزيمة الجمهوريين في الانتخابات النصفية نوفمبر 2006 ، ودخل إلى وكالة المخابرات المركزية قبل 42 سنة مضت. وحول الملف النووي الإيراني، يعتقد غيتش أن التسوية التي «تحترم العزة القومية» للإيرانيين يمكن التوصل إليها، لكنه متشائم بشأن فكرة اللقاء بالرئيس أحمدي نجاد. وقد انتقد يسار الحزب الديمقراطي إعادة روبرت غيتس إلى منصبه، نظرا لماضيه في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، حيث كانت الولاياتالمتحدة الأميركية تساند الأنظمة الديكتاتورية والفاشية في العالم. لقد فضل استمرار غيتس في منصبه وهو يعلم جيدا أنه لا يشاطره رؤيته كلها، ولاسيما حول نشر الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا الشرقية. أما في العراق، فإن الاختلافات تبدو طفيفة، ولاسيما بعدما تم التوقيع على الاتفاقية الأمنية والاستراتيجية بين العراق وأميركا التي تحدد آخر موعد لانسحاب القوات الأميركية من العراق نهاية 2011. غير أن أوباما أكد مجددا عزمه على سحب جنود القتال الأميركيين من العراق في غضون 16 شهرا، منذ تسلمه لصلاحياته الدستورية، وإن يكن كرر أنه سيستمع إلى اقتراحات القادة العسكريين ونصائحهم في هذا المجال. في مركز مستشار الأمن القومي، عيّن أوباما الجنرال المتقاعد جيمس جونز القائد العام لقوات حلف شمال الأطلسي من سنة 2003 ولغاية 2006، وهو خبير محترم من الجمهوريين كما من الديمقراطيين. هذا العسكري الفرنكوفوني يشغل إلى حد الآن منصب المبعوث الخاص لتنسيق الجهود الأمنية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وقد تم تعيينه في هذا المنصب من قبل وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عقب انطلاق مؤتمر أنابوليس للسلام في 27 نوفمبر 2007. وفي هذا المنصب طور جيمس جونز رؤية عن الملف الفلسطيني – الإسرائيلي اتسمت أحيانا بالنقد لإسرائيل. ويكتسب منصب مستشار الأمن القومي أهمية خاصة الآن، لأنه سيكون الطرف الذي سيتولى تنسيق المواقف والاجتهادات المختلفة التي يتقدم بها وزيرا الخارجية والدفاع وغيرهما من قادة أجهزة الاستخبارات. وفي مجال السياسة الخارجية اختار أوباما السيدة هيلاري كلينتون منافسته السابقة لمنصب وزيرة الخارجية في حكومته. وأشاد أوباما بمزايا كلينتون التي وصفها بأنها صديقة وزميلة ومصدر مشورة ومنافسة انتخابية، وهي تتمتع بذكاء غير اعتيادي وصلابة وأخلاقيات عمل رائعة. هيلاري كلينتون نالت 18 مليون صوت في الانتخابات التمهيدية، وهي تحمل معها تجربة زوجها بيل كلينتون، الذي سيكون من دون شك هو وفريقه الذي عمل معه (مارك هانديك ، ودنيس روس) خير مستشارين في مجال الصراع العربي- الإسرائيلي من دون منازع. فالرئيس كلينتون انخرط كثيرا وأكثر من أي رئيس أميركي آخر، في التفاصيل الصغيرة والكبيرة المتعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي، بلغت حد رسم خارطة الدولة الفلسطينية الأكثر تقدما من وجهة النظر الإسرائيلية، بما فيها تقسيم القدس، عقب المفاوضات التي أدارها في كامب ديفيد بين إيهود باراك وياسر عرفات في العام 2000. وفي عهد الرئيس كلينتون تحقق تقدم هائل على صعيد المسار السوري- الإسرائيلي في «واي بلانتيشن». لاشك أن اختيار أوباما لهيلاري كلينتون في قيادة السياسة الخارجية يشير إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة ستسير في النهج عينه للإدارة الأميركية السابقة فيما يتعلق باعتبار أمن إسرائيل جزءا من الأمن القومي الأميركي، والعمل على القضاء على ما تبقى من جيوب المقاومة الفلسطينية بحجة محاربة الإرهاب، وخدمة المصالح الاستراتيجية والحيوية الأميركية في المحصلة النهائية .