" الاسلام قرب البيت " كتاب جديد للصحافية الايطالية الشابة فرانشيسكا باتشي عن العرب و الاسلام في ايطاليا باتشي : الاسلام له قدرة على الاقتاع .. و المسلم جار لا يثير الخوف " بعد 11 سبتمبر 2001 أصبح العرب متهمين و غدا الاسلام و بشكل مفاجئ في نظر الكثيرين معاديا ، و حضما عنيدا ، و عدوا للغرب و بالتالي لايطاليا " المسلمون في ايطاليا 1،100،000 إضافة إلى أكثر من 50 ألف ايطالي اعتنقوا الاسلام سراييفو : عبدالباقي خليفة يلقي عنوان كتاب فرانشيسكا باتشي و مضمونه ، نظرة اهتمام على الاسلام في ايطاليا ,خاصة و أن الجالية المسلمة تزداد أهمية كلما ازدات عددا ، و انخراطا في نسيج المجتمع الايطالي . وترى الكاتبة في ذلك لقاءا بين الاسلام و الغرب ، و ترد على من يشكك في صعوبة اللقاء من حيث الدين و المبادئ المجردة كما يقولون ، إلا أنه ممكن في الحياة اليومية كما الحال في تورينو التي تعرفها فرانشيسكا جيدا ." لقاء يبدد الاختلافات الظاهرية و يزيلها " . ولد العنوان " الاسلام قرب البيت " كما تقول باتشي من امكانية تبديد الخلافات هذه ، ففكرة الكتاب الاساسية ، هي أن اللقاء بين الاديان و الثقافات المختلفة ، كما هو حال الثقافة الاسلامية و العالم الغربي ، و ايطاليا خاصة ، معقدة جدا على الصعيد النظري ، و من ناحية المبادئ و القيم المرجعية . على عكس ما يحدث في الحياة اليومية ، و في المباني السكنية ، فصورة " الاسلام أمام البيت " هي صورة المهاجر المسلم ، " صورة جارنا الذي يطبخ بجانبنا ، و تتصاعد روائح أطعمته التي تشبه التوابل التي نشتريها من نفس السوق ، و تقربنا منه أكثر فأكثر ، جار لا يثير الخوف إذن ، و لا حتى الارتياب الناجم عن مفهوم "صدام الحضارات " الوارد في كتاب صامويل هنتغتون الذي أخذ شهرة عالمية بسبب الاثارة الحضارية التي تضمنها ، فهذا الارتباب يتبدد و يخف كثيرا مع تتابع الحياة العادية يوما بعد يوم " . وتقول أنها تأثرت بالكاتب الأمريكي جوزيف ناي في كتابه ( صافت باور ) " السلطة الناعمة " و قد رأى المحلل السياسي من خلاله كيفية نجاح أمريكا " الروك درول " ، أمريكا المعارضة للتيارات الثقافية الامبريالية ، و قدرة رجال الايقاع على كسب محبة العالم بفضل الصافت باور " السلطة الناعمة " . و كيف لم تجن سلطة الاسلحة ، و الحروب القاسية في المقابل ، سوى البغض و الارتياب و الرد بالمثل . و قالت " للاسلام قدرة على الاقناع و التأثير ، هذا هو الانطباع الذي كونته خلال رحلتي عبر الاسلام في ايطاليا " و تابعت " قدرة ناعمة تتغلغل بفضل ثقافة بنيت على أدب جم و تقاليد عريقة ، يختلف عن وجه الاسلام العنيف الذي ترسمه التلفزيونات ،و بعض مواقع الانترنت بشكل مخيف " و قالت " هذه الصورة الثقافية و كذلك دعوات الاستئصال تثير الفزع في النفوس ، بينما يتمتع الاسلام بسلطة ناعمة قادرة على الاستحواذ ، تدخل إلى بيوتنا و تتغلغل في ايطاليا عبر قناعة الناس " و في كتاب فرانشيسكا باتشي فصول كثيرة مثيرة للاهتمام ، تعالج مظاهر الحياة المتعددة ، و تعبر عنها بعناوين مبتكرة مثل " الاممالمتحدة في غرفة النوم " و تقول عن ذلك " اخترت هذا العنوان لأن ارتفاع عدد المهاجرين المسلمين يرافقه الزواج المختلط الذي يتم بين المسلمين و الايطاليات و يشهد نموا ملموسا في ايطاليا ، تبعا لمعطيات هيئة الاحصاء ، و ملفات منظمة كاريتاس " . لكن الزواح المختلط كما تقول الكاتبة يواجه مشاكل عديدة لأن الاسلام " يرفض مبادئ معينة بشكل صارم أكثر من الديانات الأخرى " و قالت " حاولت بناءا على ذلك رواية هذا الواقع كما في بقية الفصول الاخرى ، من خلال قصص أشخاص حقيقيين ، بعيدا عن تحديدات و نظريات نمطية مفروضة من فوق " . و ذكرت بأنها أرادت أن تنطلق من قاعدة و منهج اتبعته في كل فصول الكتاب . و من بين الفصول تحريم زواج المسلمة من غير المسلم " لأسباب تتعلق بدين الابناء و عدم اعتراف الزوج ، ما لم يسلم بدين المسلمة " . في حين " يمكن للمسلم أن يتزوج من غير مسلمة ، و لا سيما المراة المسيحية و اليهودية لانه يؤمن بنبوة موسى و عيسى و يعترف بالمسيحية و اليهودية كدينين سماويين ، و هذا هو جواب الاشكالات المطروحة في هذا الصدد " . و من بين المواضيع التي يطرحها كتاب فرانشيسكا باتشي مسألة المقابر الخاصة للمسلمين في ايطاليا و " أين يدفن المسلمون موتاهم في ايطاليا " و قد طرحت الكاتبة كما تقول السؤال على نفسها مرارا " لقد ظهر الآن الجيل الثاني من المهاجرين الوافدين من البلاد العربية ، من شمال افريقيا ، و من الشرق الاوسط " فهم " يدرسون في المدارس مع أبناء الايطاليين ، و نراهم في الاسواق يسوقون منتوجاتهم كالنعناع الأخضر مثلا ، الذي أصبح من المواد المتوفرة في الاسواق في تورينو ، و نراهم كمشترين يستهلكون ، و يبتاعون منتوجاتهم ، و طالما تساءلت أين يدفنون موتاهم " . و قد دفعها ذلك للقيام بجولة في المقابر ، " صحيح أننا لا نطرح المسالة كمشكلة مرتبطة بالواقع ، لكن الموت جزء من الحياة اليومية ، و يعاني المسلمون من مشكلة محددة ، فوفقا لتعاليم القرآن يجب أن تبقى الأجساد في الارض حتى يوم القيامة ، و لا يمكن تحريكها بعد دفنها ، أما القوانين الايطالية فتنص على نقل الاموات بعد مرور عدد معين من السنوات " و قالت " عمل المسلمون و إلى عهد قريب في ايطاليا على نقل جثامين موتاهم إلى بلدانهم الاصلية ، و هي عملية باهضة الثمن تصل كلفتها إلى 2500 يورو " و لكن في عام 1990 أصدرت الحكومة الايطالية قانونا يسمح للبلديات بتخصيص مدافن للموتى المسلمين " و قد ظهرت قطاعات مسلمة ضمن بعض مقابر مدننا و إن كان ليس في كلها حتى الآن ، و هذا ما نلاحظه في تورينو ، و ميلانو ، و روما ، و بولونيا ، و منذ أيام فقط تم منح المسلمين في مدن أخرى قطع أراض لدفن موتاهم " و هذه القبور كما تقول الكاتبة " تثير الفضول يعلوها هلال عوضا عن الصليب و مجردة من الصور إذ يحرم الاسلام عرض صورة الميت على قبره ، كما تحمل كتابات بالعربية ، و هي موجهة إلى مكة ، لذا تبدو مغايرة للمقبرة العامة " . و تتحدث الكاتبة عن عيد الاموات في ايطاليا ، مشيرة إلى أن ذلك " غريب عن الدين الاسلامي ،و رغم ذلك يزور المسلمون موتاهم في هذا اليوم فقط أصبح طقسا مالوفا بالنسبة لهم ، و يصادف المرء في المقبرة أناس مختلفون ، نساء محجبات يضعن على قبور الراحلين أشياء للتذكير بهم و إن كان بطرق مختلفة " . وتقدر فرانشيسكا باتشي عدد المسلمين في ايطاليا ب " 1،100،000 مسلم ، يضاف إليهم أكثر من 50 الف ايطالي اعتنق الاسلام ، و هذا معطى واقعي ازداد أهمية في السنوات الأخيرة ، و نحن نتحدث عن الدين الثاني في ايطاليا في الوقت الحالي " . و لا تتحدث الكاتبة عن مدينة تورينو فقط بل عن واقع الاسلام و العرب و المسلمين في ايطاليا عامة ، رغم أنها تعتبر تورينو " حالة مميزة إذ تسلك الهجرة إليها خاصة من شمال افريقيا نفس المسارات التي سلكها المهاجرون إليها من جنوب ايطاليا في الخمسينات و الستينات ، كما أن واقع الحياة في تورينو يسمح للمهاجرين بضرب جذورهم في المجتمع الايطالي " و ترى فرانشيسكا باتشي أن " العمل المتوفر في مصانع السيارات رغم كل الصعوبات المرتبطة به ، أكسب الجالية المسلمة أهمية كبيرة هناك ، و لها حضور في المدن الأخرى ، و ليس في شمال ايطاليا و حسب ، حيث يتوفر العمل بشكل أكبر ، و تسهل عملية الاندماج في المجتمع الايطالي " . و قد خصصت الكاتبة فصلا كاملا من الكتاب للحديث عن ما أسمته " مدرسة الشرق و الغرب " والوجود الاسلامي في الجنوب الايطالي ، و لا سيما في مدينة صقلية . " فهذه المدينة أقرب إلى تونس منها إلى ايطاليا جغرافيا ، لا بل ثقافيا أيضا " . و تشير إلى أن " هناك انقسام في المجتمع ، منذ زمن طويل ، فالتونسيون يتعلمون اللغة الصقلية الدارجة قبل اللغة الايطالية " بل أن ذلك ينطبق على الصقليين العاديين كما تؤكد " أنهم لا يعتبرون اللغة العربية معقدة و صعبة كما هي بالنسبة للايطاليين الآخرين ، فقد اعتادوا استخدامها " . و يلاحظ القارئ في الكتاب روح متفائلة حيث تجيب على امكانية انخراط المسلمين في ايطاليا على أرض الواقع رغم المنغصات التي تسببت فيها أحداث 11 سبتمبر " لقد تعقدت الامور بعد 11 سبتمبر 2001 دون شك و أصبح العرب متهمين ، و غدا الاسلام و بشكل مفاجئ معاديا في نظر الكثيرين ، و حضما عنيدا ، و عدوا للغرب ، و بالتالي لايطاليا " مما زاد كما تقول من حدة التوتر بين المجتمع الايطالي في كافة المدن و المهاجرين ، و لا سيما العرب و المسلمين منهم " مما يجعل المسلمين مضطرين في كل الاحوال إلى التبرير و الاعلان عن معارضتهم ورفضهم في المناسبات و غيرها للعنف " و التأكيد " على أن هناك اسلاما معتدلا و أن القرآن لا يدعو لقتل الآخرين لمجرد الاختلاف في وجهات النظر أبدا " . و لا تخفي حقيقة أن " عملية الاندماج صعبة ، و الحوار بين الثقافات معقد بالطبع، و لا سيما عندما يكون لممثليها قيم مختلفة إلى هذه الدرجة " لكنها مع ذلك تصر على أن التغلب على كل العقبات ممكنا . و يطمح الكتاب كما تؤكد فرانشيسكا باتشي أن " يصبح التعايش واقعا ، قرب البيت و في متناول اليد رغم الاختلاف ، لان في التنوع إثراء للحياة البشرية ، و لان الكون مبني على التنوع بكل تناقضاته التي نراها في الطبيعة " و هو تعايش ترى الكاتبة أنه " يحملنا لاكتشاف نقاط التشابه و ليس الاختلاف فقط ، و المهم في النهاية هو الحياة اليومية و المدرسة و السوق و الرياضة و غيرها و كل هذه الاشياء عناصر توحيد " . و تشرح ذلك بوضوح أكبر " فإذا عاش المرء في مدينة و كسب رزقه منها و استهلك حاجياته فيها ، تقاسم و سكانها الحياة ، و إن لم يتفق معهم في قيمهم و نصوصهم المقدسة و شعاراتهم المجردة " .