حاول البعض لغايات لا تخفى على أحد إعطاء المشهد الإعلامي الرسمي وجها مزيّفا غير وجهه الحقيقي القاتم ،فتطرق على أعمدة الصحف إلى مواضيع بدا وكأنه يقْدِم فيها على فتح جديد في مشهد تغلب عليه اللغة الخشبية والمواضيع تحت الطلب أكثر منها ممارسة حرّة لا تتقيّد إلا بشرف المهنة وبواجب الإعلامي الأخلاقي والحضاري تجاه مشاهديه ومستمعيه وقرائه وشعبه، ولكن المعدن يصّر على المحافظة على أصله ويرفض المساحيق وسرعان ما يكشف الشحذ العملة السَتُوق (العملة الزائفة) ويبرز خصائصها المعدنية الصحيحة عبر إزالة قشرة الذهب لتظهر العملة النحاسية التي يراد لها أن تُصرف على أنها ذهب أو هكذا قال خبراء الدراهم في أواخر عهد الدولة الأغلبية والمشهد الإعلامي "الستوق" الذي نتحدث عنه هو ما حاول انجازه أحدهم عبر قناة حنبعل فتم تأثيث برنامج تحيلك موسيقاه التصويرية إلى أجواء ثورية حيث تسمع أغاني الشيخ إمام وأغاني تمجد البطل الأممي تشي غيفارا ، وهنا لا يستحي صاحب الفكرة من استغلال رمزية رجل رفض ممارسة مهنة الطب في بلاده ليهب نفسه للثورة ورفض وزارة صديقه كاسترو ليناضل مع الأفارقة ضد الظلم والاستعمار ، في حين نرى البعض ممن يحلو لهم استعمال هذه المضامين يتنكرون لماضيهم ويعتبرون نضالهم أيام الشّباب مجرد أطوبيا وعدم معرفة بالواقع إلى درجة أنهم لم يعرفو ثمن البطاطا والبصل إلا بعد أن "فتح "الله عليهم بالاستفاقة من تلك الغيبوبة والرجوع"للواقعية التونسية " ، حاول أصحاب الفكرة (البرنامج ) تأثيث البرنامج بضيوف من جيل طلابي قديم نسبيا له تاريخ نضالي مشرف ومصداقية وبعض الشباب الحالي الذي يبدو للبعض أنه جريء . وأصبح البرنامج يستقطب بعض المشاهدين الذين –ربما- يحلمون بمشهد إعلامي منفتح تتصارع فيه كلّ الأفكار والرؤى صراعا ديمقراطيا بناءا ،وكان صانعو اللعبة والماسكون بخيوطها صابرين على ما قد يقوله بعض الضيوف ويتحملون "أذى "أغاني الشيخ إمام ،وربما يعتبرون ذلك ضريبة لابد منها لصنع المشهد الزائف ولكن الحصة التي صورتها صاحبة برنامج "نقاط على الحروف "يوم الخميس 19 فيفري الفارط سوف لن ترى النور ،فتزييف المشهد لا يحتمِل المسّ من ثوابت المشهد وقواعد اللّعبة ، لم تكن المسكينة تدرك أن من يقف وراءها لا يمتلك قوّة فرض لعبة التزييف وليس بيّده صياغة المشهد والتحكم فيه إلى النهاية ،بل لعلّها لا تدرك أنه هو ذاته جزء من اللعبة وليس من تُدَار اللعبة لفائدته فجاءت الأوامر –لا نعرف إلى حدّ الآن من أين أتت ولعل" الصانع " يعرف ذلك – بوقف المسرحية فالمسألة بدأت تتجه لأن تصبح جدّا والمقصود كان الحوار اللعبة وليس الحوار الحقيقة ،أما ضحيتا هذه "الحقيقة "المرّة فلم يكونا سوى باحثين في اختصاص الحضارة العربية ،أحدهما مرّ بدروب صعبة ومعاناة مرّة ولكنه ثابت على الإيمان بالحوار حتى مع أشد مخالفيه في الرأي ، ولا يرى في تونس سوى واحة خضراء يعيش تحت ظلالها الجميع ،والأخرى باحثة وأستاذة جامعية تتخوف من" بعبع" اسمه التيار الإسلامي ، ويؤسفها أن مشاريع المقاومة في المنطقة لا يمكن أن يستفيد منها إلا مخالفوها في الرأي ،وآلمها ما أقدمت علية إسرائيل من قتل في غزّة لأن "المستفيد الوحيد منه لن يكون سوى حركة حماس الأصولية " وتأمل من "الحداثيين ودولة الحداثة أن يصيغوا برنامجا مضادا للمشروع الأصولي ،هكذا كان حظّ الباحث سامي براهم والباحثة أمال القرامي الباحث سامي براهم والباحثة أمال القرامي حاولا أن يقدما رأيهما بكل حرية وصداقة في قضية الاجتهاد كمبحث من مباحث الفكر العربي المعاصر ولكن الذي"يلعب لكي يغلب ويبقى له الملعب" أراد عكس ذلك وأرجعهما إلى الحقيقة المرّة والمؤلمة لكل التونسيين وهي حقيقة انغلاق المشهد الإعلامي فلم تصل صورتهما ولا صوتهما لمن تبقى من التونسيين وفيّا للقنوات التونسية ، كان لهما شرف المحاولة ،وظهر المشهد الإعلامي بائسا لمن يريد إظهار عكس ذلك رغم إصراره الكبير على تمرير المسرحية فهل سيواصل صنع "الدراهم الزُيُوف أم سيعود له الوعي ...الأمل ضعيف في عودة الوعي ...