دوز الشمالية: حريق بوحدة تصدير التمور يُخلّف خسائر مادية    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الدورة التاسعة للمهرجان الدولي الجامعي للمونودراما    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    الداخلية تشرع في استغلال مقر متطور للأرشيف لمزيد إحكام التصرف في الوثائق    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    هطول كميات متفاوتة من الامطار خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    القيروان: القبض على مقترفي عمليّة سرقة قطيع أغنام    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    بركان ينفت الذهب.. ما القصة؟    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها على البلجيكية غريت    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتمان صوتك الإنتخابي إثم عظيم والمشاركة ليست مباحة بل فريضة.
نشر في الحوار نت يوم 07 - 09 - 2011

كتمان صوتك الإنتخابي إثم عظيم والمشاركة ليست مباحة بل فريضة.
قال تعالى : „ ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه “. البقرة 283.
وأخرج الإمام مالك في موطئه عن علي رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت : الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه القرآن ولم تمض فيه منك سنة؟ قال : „ إجمعوا العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد”.
ما هو الدليل على أن الصوت الإنتخابي شهادة كاتمها آثم قلبه.
1 الدليل الأول من القرآن الكريم بطريق الإستنباط ومؤداه أن المقصد العام الذي يعرفه كل من قرأ آية الدين لأول مرة في حياته هو : حشد كل الأسباب الممكنة لأداء الحقوق المادية إلى أهلها والحيلولة بالطرق كلها دون ضياع تلك الحقوق. ذلك هو المقصد الأسنى العام من أطول آية من كتاب الله تعالى أي آية الدين في آخر سورة البقرة. توخى ذلك المقصد لتحققه وسائل كثيرة منها : الكتابة أي التوثيق الكتابي مع عسر ذلك في زمن لا يعرف القلم ولكن يعرف السيف على عادة العرب قبل الإسلام في فض خلافاتهم. ومنها عدل الكاتب ووجوب تلبيته الدعوة إلى الكتابة ومنها أن يقوم المدين ( من عليه الحق ) بالإملاء لتجنب الزيادة في قيمة الدين لو أملى الدائن. ومنها الدعوة إلى التقوى ومنها إستبعاد السفهاء والضعفاء من المشهد الحقوقي وتوكيل أوليائهم عنهم مع الدعوة الحارة إلى إلتزام العدل دوما. ومنها الإستشهاد بأقوى ما يمكن ممن تدرب على مثل ذلك بسبب عراك الحياة وليس بسبب الفحولة كما يظن مرضى فقر الدم في البضاعة الفقهية والعلمية إذ ما يجب أن يحيد إستنباط مقصد أطول آية عن سيره وهو : حفظ الحقوق وليس التمييز بين الرجال والنساء بسبب الفحولة أو الأنوثة ولذلك علل ذلك بقوله : „ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى”. إستخدم آلية أصولية إسمها: مفهوم المخالفة لتفقه المعنى الذي هو : إذا ضمن أداء الشهادة بما يضمن أداء الحقوق لأهلها دون خوف من ضلال إحداهما فلا بأس من ذلك نشدانا لتحقق المقصد الأسنى الذي هو ليس سوى : آداء الحقوق إلى أهلها وحفظها من الضياع. ومنها إنتخاب الشهداء المرضي عنهم من المجتمع. ثم كرر الدعوة الحارة إلى وجوب تلبية الشهداء الدعوة.كرر ذلك في الآية ذاتها لتغليظ أمر الشهادة وتغليظ دورها في حفظ الحقوق. ومنها الحرص على تقييد وتدوين وكتابة كل شيء مهما كان صغيرا أو كبيرا ومنها ضبط ذلك بأجل. ثم بين المقصد من كل ذلك : „ ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا”.ومنها أنه في حالات السفر وهي حالات إستثنائية في العادة .. في تلك الحالات الإستثنائية لا بد من الإتيان بشيء يقوم مقام الشهادة والشهداء وهي : الرهن المقبوض. ومنها ضرورة سيادة الأمن من بعضنا لبعض وأداء الأمانة من بعد إستكمال المشهد الحقوقي فضلا عن التذكير بالتقوى في كل مرة. ثم ختم المشهد كله بقوله : „ ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه”.سل نفسك هذا السؤال لتفقه مسألة الشهادة حق فقهها. أنت في حالة تعاقد مالي مع كافر وليس هناك من حولكما سوى من هو على غير دينك من رجال ونساء. من تستأمن هنا إستئداء للحق إليك أو أداء له لصاحبه؟ هل تستأمن على أساس الفحولة والأنوثة أم على أساس العدل والثقة والوفاء؟ أجب نفسك بنفسك لتدرك أن المقصد الذي يجب أن يتحقق بالوسائل كلها هو حفظ الحقوق وليس التمييز بين الناس هنا أي في مجال التعاقدات المالية والسياسية وليس في مجال الدين الموقوف لا على أساس من الفحولة والأنوثة ولا على أساس من الإيمان والكفر. تدبر بنفسك وجمد وأنت في حال تدبرات ما ورثته أو سمعته لئلا يشوش عليك الغث منه.
2 كل ما تقدم يخص أداء الحق المالي. هل يمكن لأحمق أن يقول اليوم : ذلك يخص الحق المالي ولذلك شدد فيه وأحاطه بإجراءات تأمينية مشددة جدا لأن المال قوام الأعمال ولكن ذلك لا يمكن أن نقيس عليه الحقوق الأخرى من مثل حق الولاية العامة ومختلف الولايات أي المسؤوليات السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي ستتحكم من بعد ذلك في مجرى تلك الحقوق المالية بسبب التغيرات الطارئة ومنها :إنبناء الدولة اليوم على طريق تكون فيه السياسة مهيمنة على بقية الحقول أي أن من يتولى تصريف الشؤون السياسية في البلاد والمجتمع والدولة يكون تصريفه لما دونها من باب أولى وأحرى. أليس ذلك هو الذي حدا بالسلفيين من مثل الشيخ محمد حسان وغيره إلى مراجعة أمرهم في إستبعاد الإهتمام بالسياسة من بعد ما رأوا بأعينهم كيف أن الإصلاح الأجمع والأجمل ( نسبة إلى الإجمال وليس إلى الجمال ) والأنفع والأبقى لا بد له أن يمر من بوابة السياسة. هل يقول أحمق اليوم بأن الحق السياسي الذي سيسطر سياسة الحقوق المالية والإدارية والإجتماعية من بعد ذلك.. هل يمكن لأحمق اليوم أن يقول : لا نحتاج إلى مشهد نظير لمشهد الإشهاد في الحقوق المالية؟ من يقول ذلك نقول له : من إستيقظ من سباته من بعد الثورة فله منا تحية لا يعكر عليها أن إستفاقته جاءت متأخرة نسبيا أما من مازال يغط في نوم عميق فأغلب ظننا أن به من جنون الغرور مسا أو يتخبطه مس العجب والتعالي والتطاول ولا شأن لنا بالحديث مع من ذاك شأنه إلا أن يسلم نفسه إلى مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية.
3 المشهد السياسي إذن هو المقصود بالأصالة اليوم من خلال التفصيل في المشهد المالي في آية الدين. المشهد السياسي إذن لا يقاس اليوم إلا على ذلك المشهد المالي ليس حفظا للحقوق السياسية فحسب ولكن كذلك حفظا للحقوق المالية بسبب أن السياسي من بعد الإنتخابات هو الذي سيتولى صياغة القوانين والتشريعات والإجراءات الإدارية التي تمكن من حفظ الحقوق المالية وتأمين عدم ضياعها. سل نفسك هذا السؤال لتفقه المسألة فقها لا يشغب عليك فيه شاغب. هل لك دليل على فريضة إقامة الدولة في الإسلام؟ طبعا ليس لنا دليل صريح لا من قرآن ولا من سنة. طبعا ليس لنا دليل بالعبارة كما يقول أهل العلم. من أين أتينا بالدليل إذن؟ الدليل هنا هو دليل إشاري أو إقتضائي أي بالإستنباط والإستنباط إجتهاد إسلامي أمرنا به في قوله :“ ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم”. خلو الإسلام إذن من دليل على فريضة إقامة كيان سياسي جامع يظل الأمة ويصرف أمرها الداخلي تنظيما ويحميها من غوائل الأعداء.. خلو الإسلام من ذاك بصراحة أو عبارة لم يمنع الصحابة من نفيرهم بالجملة إلى تجهيزهم الأمر السياسي في السقيفة حتى لو كان نفيرهم ذاك يصرفهم عن نفيرهم إلى تجهيز الرجل الذي تعلموا منه بالثقافة العملية وليس بالثقافة القولية أو بالفقه العملي وليس بالفقه القولي أن تجهيز الشأن السياسي مقدم على تجهيز دفنه صلى الله عليه وسلم. خلو الإسلام إذن من مشهد يحدد مسائل الإنتخابات وأصوات الناخبين وغير ذلك لا يعني كما فهم بعض السلفيين الحقيقة أن سلفيينا المعاصرين فهموا ذلك أما أم السلفية الإسلامية أي الخوارج فلم يفهموا سوى أن السياسة من لب الإسلام ولو لم يفهموا ذلك لما نقموا على علي رضي الله عنه من بعد ولائهم له ولما كونوا حزبا سياسيا ومذهبا كلاميا ومدرسة أصولية إضطر علي عليه الرضوان للتفاوض معها في فترة توشك فيها الخلافة الراشدة على التهاوي خلو الإسلام من ذلك إذن لا يعني أنه لا يحتمل ذلك حتى لو لم ينص عليه بالعبارة الصريحة وتلك هي مشروعية الإجتهاد في الإسلام والتجديد الذي أمر به عليه الصلاة والسلام العدول في الحديثين المعروفين ( حديث العدول وحديث التجديد ).
4 المشهد السياسي الإنتخابي إذن يتكون من الأجزاء التالية من بعد قياسه على المشهد المالي: الشاهد وهو الناخب بتعبيرنا المعاصر.المشهود له أو عليه وهو المرشح أو المترشح بتعبيرنا المعاصر. حكم الشهادة لفلان أو على فلان. الكاتب الذي يتولى تنظيم العملية الإنتخابية ماديا وإداريا وغير ذلك مما هو معروف. والمقصد الذي من أجله ينشأ المشهد السياسي الإنتخابي. لنحاول تطبيق ذلك القياس تطبيقا عمليا. الشاهد في المشهد المالي هو الناخب الفرد الذي يؤدي شهادته من جانبه فإذا أدى جميع الناس شهاداتهم تحول الشاهد من فرد إلى أمة أو شعب أو مجتمع ليكونوا في الآن ذاته : شهداء على المشهد السياسي من جانب ومن جانب آخر يكونون طرفا في العقد الإنتخابي السياسي بمثل ما كان الدائن في المشهد المالي طرفا. الفرق الوحيد هنا هو أن المشهد السياسي يحتمل أفرادا كثيرين بما يقتضي أن يكونوا شهداء من جانب كونهم أفرادا ثم طرفا كامل الحقوق والواجبات من بعد إستكمال العقد الإنتخابي السياسي. المشهود له أو عليه في المشهد السياسي الإنتخابي هو المرشح أو المترشح أي هو الذي سيكون من بعد قليل هو الدولة أو المؤسسة الحكومية أو الرسمية التي هي في المشهد المالي : المدين أو المشهود له أو عليه. في الفقه الإسلامي السياسي لا يكون الشعب بمجموع ناخبيه إلا دائنا ولا تكون المؤسسة أو الدولة أو الحكومة إلا مدينة لأن الدولة في الإسلام خادم للأمة والأمة هي صاحبة الأمر تولية ومحاسبة وعزلا أو تمديدا. حكم الشهادة من لدن الناخب هو ذاته حكم أداء الصوت الإنتخابي في العملية الإنتخابية السياسية أو النقابية أي : الوجوب. يتخفف حكم الوجوب عندما لا يدعى الشاهد أما عندما يدعى الشاهد أي يصدر مرسوم حكومي إلى المواطنين بإنتخاب مجلس تأسيسي مثلا فإن حكم الوجوب الشرعي يتغلظ حتى يصل الحكم القرآني المنصوص عليه مباشرة : „ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه”. في علم أصول الفقه : تلك هي العلة التي هي مدار القياس أي قياس المشهد الإنتخابي السياسي أو النقابي على المشهد المالي فإذا إشترك المشهدان في العلة أي حفظ مقصد آداء الحقوق إلى أهلها وأن أفضل وسيلة لتأمين ذلك هي الشهادة مع وسائل أخرى تعرضنا إليه في تحليل أطول آية آنفا إتخذا الحكم الشرعي ذاته. العملية في علم أصول الفقه رباعية المنظر : علة تعرضنا إليها و أصل يقاس عليه وهو المشهد المالي وفرع يقاس وهو المشهد السياسي والحكم الذي تعرضنا إليه كذلك. أما الكاتب الذي تحدث عنه المشهد المالي فهو في المشهد السياسي التونسي مثلا : اللجنة العليا للإنتخابات المسوؤلة عن تنظيم وإدارة المشهد الإنتخابي المقبل بكل تفاصيله. الكاتب في المشهد المالي يجب أن يكون محايدا من جهة وكفؤا من جهة أخرى وليس له أن يأبى الكتابة لتوثيق المشهد توثيقا كتابيا يقيده أن يكون من بعد ذلك مسرحا للتلاعب بحقوق الناس. الفرق الوحيد هنا هو أن الشارع في المشهد المالي فضل أن يكون المكتوب مملى من الذي عليه الحق أي المدين لأن المدين لن يمل مبلغا أرفع من المبلغ الذي تسلمه أو وعد بتسلمه بينما لو أملى الدائن ذلك لأغرته نفسه ولعب به الشيطان ليرفع في المبلغ ولو قليلا. وذلك دعا الشارع ولي الذي عليه الحق أن يتولى الإملاء إذا كان موكله سفيها أو ضعيفا لئلا يغفل أو يخضع لتهديد من الدائن أو إغراء أو إغواء. ولكن ذلك ليس مقصودا لذاته والدليل هو أنه في الحالات الإستثنائية أرشدنا إلى قبض الرهن بديلا عن الكاتب والكتابة والإملاء بما يجعلنا نتعلم أن الكاتب والمملي أو وليه إنما جيء بهم هنا في المشهد المالي لحفظ الحقوق وعلى ذلك يقاس المشهد السياسي الإنتخابي . المشهد الكتابي المالي تغير اليوم ولم يعد الذي عليه الحق هو من يتولى الإملاء بسبب تطور الأمور الإدارية ووجود الكتاب والإدارات المختصة بذلك وإنما كان ذلك التشريع في يوم تجوب فيه الأرض طولا وعرضا فلا تجد كاتبا ومن جهة أخرى لأن الناس لا يجتمعون كما نجتمع نحن اليوم ليتاح لنا وجود الكاتب .الناس يومها بدو رحل لا يقر لهم قرار ولو جاء التشريع يأمرهم بأن يكون الكاتب ومثله المملي أو ولي المملي لا دائنا ولا مدينا لجابوا الأرض عرضا وطولا مرتين فلا يجدون كاتبا وإن وجدوا كاتبا لا يتفرغ لهم الكاتب لأمر كهذا.
نقصر الحديث على ذلك الدليل بسبب ضيق المساحة وهو دليل كاف واف ضاف في الحقيقة.وعمدة ذلك الدليل ولبه هو أن الحق السياسي أولى بالحفظ من الحق المالي سيما في زماننا الذي لا يحفظ فيه بالتأكيد تجربة وليس كلاما نظريا حق مالي دون أن يحفظ فيه الحق السياسي من قبل ذلك بسبب هيمنة السياسة والدولة وما في حكمهما على بقية الحقول والمناشط وحتى يتطور الفقه السياسي اليوم إلى التفريق تفريقا تمييزيا فيه الوصل وفيه الفصل بين الدولة والمجتمع ليستقل المجتمع بما يليه من حقوق وخيارات وضرورات .. حتى نتأهل ذلك وعيا وعملا يكون لكل حادث حديث إن شاء الله تعالى.
عمدة الدليل هو إذن : حقظ الحقوق المالية واجب ولكنه واجب لا يقوم إلا بحفظ الحقوق السياسية بما يقول لنا : حفظ الحقوق السياسية إذن مقدم على حفظ الحقوق المالية لأن الأولى تضمن الثانية ولا تضمن الثانية الأولى في وضعنا الراهن.
أداء الشهادة فريضة وليس مجرد مباح كما يقول بعض المنتسبين إلى العلم.
لست من المقبلين على تصفح الفايس بوك بكثرة ولعل ما يزهدني في ذلك أمورا منها تغيير مقصود متعمد من بعض المنتسبين إلى العلم لبعض المسائل الحيوية عن أصلها الصحيح ومقصدها الأسنى وفصلها عن إطارها المناسب. من ذلك أنك تلفى في الفايس بوك بعضا من المنتسبين إلى العلم يروج له الشباب عن جهل ممن يجتهد حاشدا قواه كلها لإقناعنا أن الإنتخابات مباحة. كان بالأمس القريب سيما من قبل ثورة تونس 14 يناير يجتهد حاشدا قواه كلها لإقناعنا أن الإنتخابات مكروهة أو محرمة أو رجزا من عمل الشيطان. ربما لم أجد أمرا يزعجني في حياتي أكثر من أن يعمد بعض من هؤلاء إلى أمر مباح بالضرورة والفطرة والسنن فيجعلون منه محل إجتهاد شرعي ليكون حكمه من بعد ذلك الجعل مكروها أو محرما في الأغلب الأعم عندهم. بل يزعجني أن يدار الأمر على مائدة الحوار والإجتهاد أو أن يقول فيه المنتسبون إلى العلم كلمة مهما علا كعب بعضهم.. يزعجني ذلك الإتجاه الذي يتجه إليه كثير من الشباب اليوم ليعرضوا كل شيء على الحكم الشرعي والشريعة والإسلام والدين. يزعجني ذلك لأن ذلك يحيل الحياة جحيما وليس ذلك على كل حال هو فقه الصحابة. قام فقه الصحابة على أن ما لم يرد فيه نص بالتحريم أما الكراهة فهي قيمة إستنبطها الفقهاء من بعد ذلك ولم يكن عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة من بعده في العصور الذهبية للفقه الإسلامي والإجتهاد القويم .. لم يكونوا يعرفون هذه المنزلة الجديدة في الفقه أي منزلة الكراهة وذلك بسبب إنحيازهم الفطري إلى اليسر ورفع الحرج ووضع العنت قام فقه الصحابة إذن على أن ما لم يرد فيه نص بالتحريم يبقى على أصله أي : أصل الإباحة والحلية.
هذا أبلغ دليل على ذلك.
تدبر معي هذا الدليل الصحيح لتفقه إتجاه الفقه التشريعي الإسلامي فقها يجنبك القول عليه سبحانه بغير علم وأنت تعلم أن أكبر ذنب أجل. أكبر ذنب نبه إليه القرآن الكريم هو القول على الله أو على رسوله عليه الصلاة وا لسلام بغير علم. لا تقل لي : الشرك أكبر ذنب وليس القول على الله بغير علم لأن الشرك لم يكن كذلك سوى لأنه بلغ أقصى درجة من درجات القول على الله بغير علم. الشرك هنا إذن هو فرع عن ذلك الإثم العظيم الذي ندد به سبحانه زهاء عشرين مرة في كتابه العزيز. الشرك هنا هو فرع وليس أصلا. تدبر معي هذا الدليل من الحديث الشريف.
عن سلمان عليه الرضوان أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن السمن والجبن والفراء. فماذا قال جوابا عن سؤال السائلين؟ قال : „ الحلال ما أحله الله تعالى في كتابه والحرام ما حرمه الله تعالى في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم”. ماذا تفهم من الجواب؟ ألم يكن حريا به أن يجيبهم عن حكم السمن والجبن والفراء؟ كيف تجاهل السؤال وأجابهم بكلمة ليس لها أي علاقة بالموضوع؟ أليس ذلك هو ما “ يستنبطه “ من إستودع عقله في مستودع لا يملك مفتاحه؟ أي علاقة للجواب النبوي بالسؤال؟ العلاقة هي أنه عليه الصلاة والسلام وضع لهم خارطة طريق بالتعبير المعاصر أو خط لهم خطا مستقيما في إستنباط الحلال والحرام قائما على أن الحرام الذي يعاقب فاعله ويجازى تاركه إيمانا وإحتسابا طبعا.. الحرام قوامه ما ذكر في القرآن الكريم. وما لم يذكر في الكتاب العزيز ليس حراما. عجب عجاب؟ وما شأن ما حرمته السنة؟ هنا تفصيل لا يتسع له هذا المجال. ولكن في ذلك مذاهب فقهية ومن قبل ذلك مدارس أصوليه أرجحها قولا هو أن ما حرمته السنة إما أن يكون محرما من قبل ذلك بالقرآن الكريم ودور السنة هو دور المؤكد وإما أن يكون محرما ليس مذكورا في القرآن الكريم وأرجح الأقوال هنا هو أنه مجرد مكروه ولا يرتفع إلى درجة الحرام تحكيما لحديث سلمان هذا وإما أن يكون بعضه محرما في القرآن وليس كله وهذا أمره يتطلب أكثر تعمقا في العلم للفقه في مسائل الخصوص والعموم والإطلاق والتقييد.
الذي يهمنا اليوم هنا هو أنه عليه الصلاة والسلام رفض أن يجيبهم بالفتوى أو الحكم في كل سؤال فرعي لأنه يريد أن يؤهلهم للإجتهاد من جهة بسبب أن الأحكام متناهية والحوادث غير متناهية كما يقول الأصوليون ومن جهة أخرى فإنه يريد أن يقرر لهم قاعدة مكينة في الحلال والحرام إسمها : القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يستنبط منه الحلال والحرام وأن الحرام هو ما حرم ذلك الكتاب والحلال هو ما أحل ذلك الكتاب وإنما تكون السنة شارحة أو مبينة أو مفصلة أو مقيدة أو مخصصة أو منشئة بإستقلال لحلال آخر أو حرام آخر وهو ما أنف ذكره أن أرجح ما فيه عندي هو أنه مكروه وليس حراما وذلك حتى نجمع بين هذا الحديث الصحيح الذي هو عمدة في الفقه التشريعي الإسلامي وبين نصوص أخرى في السنة والحديث يضيق المجال عنها هنا. تلك قاعدة عامة ولكن عند التفصيل يتميز الأمر بين محرم في السنة وآخر وذلك بسبب ما أحسن الفقهاء إستنباطه بقولهم أن كثيرا مما حرمته السنة مما يعد شرحا في مثل حالة تحريم الجمع بين المرأة وعامتها أو خالتها مثلا إذ أن ذلك شرح موسع وتعميق لحرمة الجمع بين المرأة وأختها للإشتراك في العلة ذاتها وليس تشريعا جديدا من السنة وبعض من ذلك المحرم في السنة تمكن معالجته أو إدارته وفق الحاجات والضرورات والمصالح من مثل لحوم الحمر الأهلية أو ما في حكمها.المسألة إذن لا يتسع لها هذا المجال هنا رغم حاجة طلبة العلم الجادين إلى مثل تلك التمييزات بين مختلف درجات الحرمة وخاصة في السنة ومنها مقام المشرع ذلك الحقل التجديدي الذي بقي من بعد الإمام إبن عاشور يتيما يسأل الوصل فلا يقابل بغير الجفاء.
ماذا لو سأله سائل عن الإنتخابات.
تصوروا أنه عليه الصلاة والسلام يعيش معنا فسأله أحدنا عن الإنتخابات؟ أليس يكون جوابه هو الجواب ذاته : „ الحلال ما أحله سبحانه في كتابه والحرام ما حرمه في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم”. هل تجد حكما للإنتخابات في القرآن الكريم؟ هل تجد ذلك في السنة؟ ما هو الحكم فيها إذن؟ الحكم فيها هو أنه أمر مسكوت عنه وما سكت عنه فهو عفو نصرفه بيننا بحسب الحاجة والضرورة والمصلحة. الحكم فيها هو أنها حلال لأنها لم ترد في قائمة المحرمات المفصل فيها كثيرا في آخر الأنعام وفي أول الإسراء وفي مواضع أخرى توخى أغلبها الإجمال والإجماع وليس التفصيل كما في حالي الأنعام والإسراء أو في زهاء خمسة أحاديث أغلبها من المتفق عليها بين الإمامين في الموبقات والكبائر وأكبر الذنب فإذا جمعت تلك المواطن كلها من الكتاب والسنة ظفرت بقائمة محرمات لا تتجاوز العشرين وليس الإنتخابات منها ولكن منها بالتأكيد ما يمكن أن يشغب على الإنتخابات من تزييف أو غش أو خديعة أو تزكية مرجوح مع وجود راجح أو إرتشاء أو كذب أو غير ذلك مما يتناقض مع الحلة الأخلاقية الجميلة التي عني بها التشريع الإسلامي أيما عناية.
الإنتخابات وسيلة وليست مقصدا.
تعلمنا في أصول الفقه ومقاصد الشريعة أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها. بمعنى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. إذا كانت أسنى مقاصد الإسلام هي التوحيد والعدل والوسطية والقسط والكرامة والتعارف والوحدة وغير ذلك مما هو معروف لكل دارس وباحث .. إذا كانت تلك هي أسنى مقاصد الإسلام فإن الوسائل التي لا بد منها لتحقق تلك المقاصد يكون حكمها حكم المقاصد أي الوجوب بل الفرضية سوى أن ذلك مقيدا بالمعاملات وليس له إلى العبادات سبيل بسبب أن العبادات ليست معللة التفاصيل رغم أنها مقصدة الكليات.
لذلك يكون البحث من لدن أي عالم يحترم نفسه في حكم الوسائل دون النظر إلى المقاصد أو في حكم ما أصله الإباحة والحلية من المعتقدات والمقولات والمأكولات والمشروبات والملبوسات والمركوبات والمنكوحات والمرئيات والمسموعات والمشمومات والملموسات ومحال التفكير والنظر والمفعولات والمعمولات والمملوكات والتصرفات .. يكون البحث من لدن أي عالم يحترم نفسه في ذلك أدعى إلى العبث أو إلى الجهل لأنه سبحانه حدد لنا مجال الإجتهاد وهو ثلاثة أرباع العلم وحرم علينا ذلك في ربع واحد وهو ربع : المقطوع بحكمه أيا كان ذلك الحكم ومنه حكم الإباحة بصورة تكافلت فيه المورودات مع المدلولات. إرجع بتدبرك إلى أولى آيات آل عمران ( هو الذي أنزل عليك الكتاب ..)لتدرك أن الإجتهاد في المباح أو المسكوت عنه أو وسائل المقاصد إلا من لدن ولي أمر لتقييد بعض ذلك أو تعيين وسيلة أولى من وسيلة هو إجتهاد في الوقت الضائع. الرجال يجتهدون في الأرباع الثلاثة الأخرى وهي المتشابهات سواء كانت مما ورد ولم يقطع بدلالته أو مما لم يقطع بوروده أو مما لم يقطع لا بوروده ولا بدلالته وهو كثير كثير كثير إستغرق الإجتهاد والتجديد في عمر الأمة السالف ولن يزال كذلك حتى ينفخ في الصور.
القول بأن الإنتخابات مباحة قول مائع.
هي الميوعة الفكرية عينها. ماذا تقول في عالم سألته عن حكم الجلوس على مائدة تدار فوقها خمرة فقال لك : هو مباح في الأصل ولكنه يقيد بكذا وكذا؟ الجواب خاطئ منهاجيا.كيف؟ لأن النهي عن ذلك فيه حديث صحيح والعالم الذي يحترم نفسه يحزم نفسه أخذا للكتاب بقوة ليقول لك : الأصل هو الحرمة وليست الإباحة ولكنها حرمة تباح للحاجة أو للضرورة. أرأيت الفرق بين الجوابين. الأمر ذاته لو سألته عن دفع الربا لآكله. الجواب الأصح هو : الأصل الحرمة ولكن يباح للحاجة أو للضرورة. ولكن لو سألته عن حكم شم الورد ولثمه في يوم من أيام رمضان والشام صائم. الأصل أن يقول لك : مباح مطلقا ولا تقييد عليه حتى لو كانت النية من ذلك التقوي على الصيام بالإنتعاش مثلا. وهكذا لا بد من الأيلولة إلى الحكم الأصلي أولا ثم بحث مسألة التقييدات إذا كان الأمر مباحا قابلا للتقييد رغم أن كل المباحات نظريا وليس عمليا معرضة لذلك أو بحث مسألة الحاجات والضرورات إذا كان الأمر محرما وقابلا للإباحة بسبب ذلك. أغلى ما يمكن كسبه من طلب العلم في الفقه هو أن أكثر أحكام الشريعة سيما في المعاملات بسبب معقوليتها معرضة إلى الأحكام الخمسة ولكن من بعد تقرير الحكم الأصلي واحدا من الخمسة المعروفة أو من الثلاثة المعروفة في عهده عليه الصلاة والسلام وعهد الصحابة وعهد إزدهار الفقه أي : الحرمة والإباحة والوجوب أي قبل ورود الإستحباب والكراهة وكثير مما فصله بعض الفقهاء وليس كلهم مهم ومفيد ليوسع دائرة الملكة الفقهية حتى لو كان يشغب من جهة أخرى على بعض مما جاوره بمثل ما يشغب الحرام على المكروه ليجعل من بعضه حراما بمثل ما بحث في ذلك الدكتور أحمد الريسوني في مقال له شهير قال فيه إنه ألفى أن تسعة أعشار المحرمات في الأعراف المعاصرة هي إما مكروهات مخففة أو مباحات أو بمثل ما يشغب الواجب على المستحب فيجعل من بعضه واجبا مثله وإن كان شغب الأول على جاره أشد شغبا من شغب الثاني على جاره.
إذا كانت الإنتخابات اليوم هي الوسيلة الوحيدة لإقامة العدل والقسط وإتاحة فرصة الدعوة إلى الإسلام بالمنهاج الإسلامي المسطر في الكتاب والسنة والتعارف بين الناس والكرامة وغير ذلك مما هو معروف .. إذا كانت الإنتخابات هي الوسيلة الوحيدة المتاحة اليوم فإن القول بأنها مباحة قول مائع أدنى ما يقال في قائله أنه لم يأخذ الكتاب بقوة. أكثر الذين يقولون ذلك القول المائع من علماء الخليج الذين إضطروا إلى المنّ علينا بإباحة الإنتخابات بمثل ما منوا علينا بإباحة التصفيق وخروج المرأة ومازالوا لم يمنوا على المرأة عندهم بجواز سياقة السيارة وسيفعلون تحت مطارق أمريكا والعولمة وليس تحت مطارق الإجتهاد والتجديد المفروضين في الإسلام ويا خيبة المسعى أكثر أولئك ممن إضطروا إلى القول بإباحة الإنتخابات من بعد الثورات التي تأجج أجيجها في تونس يوم 14 يناير 2011. أغلب أولئك إضطروا لذلك القول المائع لمجاراة نبض الأمة الثائر وإنما يميعون التعبير عن الحكم الشرعي ولسان حالهم يقول لنا وللناس هناك : الإنتخابات المقصودة بالإباحة مجرد إباحة وليس واجبا ولا فريضة هي في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن أي في البلدان التي ثار أهلها أما عندنا نحن فالملكية هي الخلافة الراشدة المهدية التي لا تجب سوى طاعتها حتى لو جلدوا ظهرك ولطموا وجهك كما ثبت الجاهلون والمفسدون في كراسات الفقه التقليدي القديم.
سل أولئك عن المقاومة لتحرير فلسطين لتسمع جوابا أشد ميوعة من ميوعة حكم الإنتخابات.
سل أولئك عن التطبيع مع العدو الصهيوني لتسمع الأمر ذاته.
سل أولئك عن حكم الثورة لخلع حاكم ظالم قاهر مستبد لتسمع الأمر ذاته.
ألا ما أبأس الفتوى السياسية المائعة وما أشقى أهلها.
حري بأولئك ألا يحشروا أنوفهم في قضايا السياسة من بعد ما ظلت تلك الأنوف محشورة لعقود طويلة في طمث النساء إستحاضة وحيضا ونفاسا حتى ألفت ذلك الطمث ولم تعد تقدر على إستنشاق الهواء الحي الطلق النافع الذي تفرضه الشعوب بالثورة عدلا إقتصاديا وحرية سياسية وحقا في مقاومة المحتل. الفتوى السياسية والمالية والعسكرية لها أهلها الذين لا يقبضون من الحكام والدول والمؤسسات والحكومات لا قرشا ولا درهما. وحري بالشباب و كثير منهم متعطش لمثل تلك الأسئلة رغم أنها أسئلة بطالين فارغين حري بهم أن يجيدوا السؤال لأن حسن السؤال نصف العلم أو هو نصف الجواب كما جاء في الحديث. فإذا سألوا فعليهم أن يميزوا بين المسؤول هل يكون :واعظا أو كاتبا أو إماما أو خطيبا أو مدرسا أو صاحب شهادة في العلوم الشرعية أو صاحب هيئة “ إسلامية شرعية “ .. كل تلك المنازل لا تبيح له الفتوى بمثل أنها لا تبيح للسائل إلقاء إستفتائه. إنما يسأل الفقيه وليس كل فقيه ولكن يسأل الفقيه المتخصص في ذلك الضرب من العلم ولا يكفي ذلك بل لا بد من إضافة شرط آخر وهو أن يكون ذلك الفقيه وليس مجرد عالم أو حافظ أو واعظ أو كاتب أو إمام أو خطيب أو مدرس أو صاحب شهادة أو صاحب مظهر “ إسلامي “ من بعد تخصصه السياسي أو المالي فقيها مجتهدا وليس فقيها مقيدا ولا يكفي ذلك كذلك بل لا بد أن يكون الفقيه مجتهدا إجتهادا مطلقا وليس مقيدا بمذهب فقهي واحد لأن مثل هذه المسائل المعاصرة لا تجد فيها الجواب الكافي في أكثر ما دون من قبل بسبب عدم تعرضهم لها. حري بالسائل أن يكون واعيا بزمانه ومكانه وموضوعه وحري بالمسؤول أن يكون كذلك.
الأمر شبيه بهذا : شعرت بألم في ضرسك فأي طبيب تعود؟ هل تعود الطبيب العام؟ طبعا لا.لم؟ لأنك تعرف مسبقا أن الطبيب العام ليس طبيبا مختصا في معالجة الأضراس والأسنان ولهذه طبيبها الخاص.
قل لي بربك : كيف ينطلق عقلك تلقائيا إلى عيادة طبيب الأضراس في مثل تلك الحالة ولكن العقل ذاته يعود الواعظ أو غيره من الخطيب والإمام إلخ .. وهو يلقي سؤاله مستفتيا؟ قل لي بربك : كيف يطاوعك العقل منك لفعل الأمر الصحيح عندما يتألم ضرسك ولكنه يفعل الفعل الخاطئ عندما يتألم هو نفسه أي عقلك نفسه؟ قل لي بربك فإني إلى جوابك ظامئ.
إذا عدت بعد اليوم طبيب الأسنان لألم في عينك فلا حرج عليك أن تعود حتى القيامة واعظا أو خطيبا أو إمام صلاة أو غيرهم ممن لا خبرة له في الفقه والإفتاء.
نداء حار إلى كل تونسي وتونسية.
بمناسبة قرب موعد الإنتخابات ( 23 أكتوبر 2011 إن شاء الله تعالى ) فإن علينا جميعا أن نعلم أن الإدلاء بالصوت الإنتخابي شهادة لله تعالى نزكي بها من نشهد له في صدورنا بالقدرة على تحمل المسؤولية على أساس إعتبارين : „ إن خير من إستأجرت القوي الأمين” أي القوة وهي الكفاءة والأهلية والأمانة وهي الوفاء لهوية البلاد والثورة.. أو من نقبل الشهادة فيه ممن نثق فيهم. إذا علمنا أن الصوت الإنتخابي شهادة وأن الشهادة لله تعالى وأن كاتمها آثم قلبه ولو كان آثما في موضع غير قلبه لهان الأمر ولكن إثم القلب إثم عظيم لأنه خيانة وأي خيانة أقترفها في حق نفسي وديني وبلدي وأمتي وثورتي إذا علمت أن فلانا أو فلانة أجدر بعضوية المجلس التأسيسي ورغم ذلك إنتخبت غيره إذا علمنا ذلك فلم يبق لنا سوى أن نعلم أن الصوت الإنتخابي أمانة عند كل واحد منا وهو شهادة لا مناص لنا من الإدلاء بها سيما أننا دعينا إلى ذلك والمتخلف عن ذلك بغير عذر هو متخلف عن الزحف الذي به تنتصر الثورة وتستعيد به البلاد مجدها التليد ومن ورائها الأمة العربية والإسلامية عدلا إجتماعيا ووحدة لا يضيرها التنوع ولكن يزيدها التعدد جمالا.
المشاركة في الإنتخابات إذن ناخبا أو منتخبا فريضة إسلامية وضرورة وطنية وواجب قومي وليس مجرد عمل مباح يستوي مع شرب الماء لغير الظمآن. تلك ميوعة العلماء الذين يصدرون الفتاوى بطلب من السلطان الجائر أو بحسب ما يقبضون من مال.
إذا مت وأنت متخلف عن أداء تلك الشهادة بغير عذر فقد مت وفي دينك ثلمة. ولا يرضى تونسي واحد ولا تونسية واحدة أن يموت وفي دينه عشر معشار ثلمة بله ثلمة كاملة.
والله أعلم.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.