انعقد في إطار منتدى الجاحظ يوم 27 مارس 2009 لقاء فكري تحت عنوان "الحقل الجمعوي بالمغرب: الهوية المدنية والمطالب المجتمعية" مع الدكتور عبد العالي مستور رئيس منتدى المواطنة بالمغرب وهو جمعية غير حكومية تعمل من أجل المواطنة الديمقراطية والحق في التنمية. وقد أكد المحاضر ما يميز المغرب من وجود مجتمع مدني مستقل عن السلطة معتبرا أن العمل الجمعوي يكاد يكون مرآة للسيرورة الاجتماعية. واستعرض المراحل التاريخية التي تطور خلالها منذ المرحلة الاستعمارية حيث كانت الحركة الجمعوية وطنية (غير محلية) ومركزة في المدن. وقد تبنت وثيقة مطلب الاستقلال لسنة 1944 (سيادة وإصلاح) وعملت في إطار أهدافها وخلفيتها "السلفية الليبرالية" (ثورة الملك والشعب) مع استحضار التجارب الأروبية والشرقية. وعندما وقع الخلاف السياسي في بداية الستينات مالت النقابات والجمعيات إلى المعارضة مع الانفتاح على التجارب الاشتراكية وظهور تمفصلات في العمل الجمعوي ضمن تعبئة الالتزام الوطني والإمكان البشري، وبدأ الحديث عن المواطن بعد أن كان مركزا على الشعب إلى حدود 1963 حيث وقعت قطيعة أو انقسام بين النظام السياسي الذي كان مركزا على تقوية الدولة ولم يعتمد على العمل الجمعوي بل على مؤسسات الدولة والحركة الوطنية التي أصبح محورها تعبئة الجماهير للضغط على السلطة. وبذلك لم يبق العمل الجمعوي في نطاق " المشترك" وشهد نوعا من الانحسار باتجاه "المعارضة" وأصبح اللون اليساري غالبا على الحركة حيث كانت أندية السينما مثلا بالأساس بيد اليسار وكذلك العمل الطلابي والشبابي والنقابي.... وبعد المحاولات الانقلابية في بداية السبعينات شعرت الدولة بضعفها وأدركت ضرورة تحصينها، فتم فتح المجال للانتخابات البرلمانية كما حوّل جزء مهم من اليسار استراتيجيته من " تحرير الدولة" إلى دمقراطتها عبر المشاركة في مؤسساتها، و برزت منذ 1975 مبادرات جمعوية محلية وجهوية وقروية (جمعيات الجبال والسهول...) ونخب جديدة وعلامات أولى للحركة الإسلامية. وفي أواخر السبعينات كانت الانطلاقة الحقيقية للحركة الحقوقية (مع التذكير بأن أول جمعية حقوقية بالمغرب نشأت سنة 1942 وأول جمعية نسائية سنة 1936 ولكنها كانت محدودة الحضور والتأثير) وأصبح العمل السياسي الذي استرجع جزءا من عقلانيته يبحث له عن ضمانات حقوقية وكان أمام الحركة الحقوقية معادلة صعبة بالنسبة لحماية العمل السياسي. وقد بدأ العمل الجمعوي في الثمانينات يملأ فراغات العمل السياسي وينظم مجال ما قبل الحزبي، ليستقل نسبيا في مرحلة موالية عن الأحزاب التي كان مرتبطا بها. ولكن "الفورة الجمعوية" الحقيقية برزت خلال تسعينات القرن الفارط كمرحلة جديدة ذات تغيرات جوهرية، حسب الأستاذ عبد العالي مستور ، حيث لم يعد يقال إن كل شيء مرتبط بالإرادة السياسية، وقد تمحورت بالخصوص حول إنصاف الفئات الاجتماعية (الحركة النسائية) والثقافية اللغوية (الحركة الأمازيغية)، التي أصبحت أطروحاتها تعتبر أن العمل السياسي العام كان يتم على حسابها وأضحت الحركة الوطنية بمثابة عائق أمام مشروعها المنفصل وامتلاك حقوقها الفئوية.وكانت الغاية إعادة إدارة العمل السياسي الحزبي إلى وظائفه الطبيعية. وفي هذه المرحلة التي برزت فيها الحركات الاجتماعية أصبح الاحتجاج الاجتماعي بديلا طبيعيا عن الانتفاضات كما تطور التمويل الأجنبي للعمل الجمعوي بالتوازي مع التدخل السياسي للسلطات العمومية. ومنذ سنة 2000 كمرحلة أخيرة أصبح الجميع بما في ذلك الدولة (الملك) يدرك أهمية العمل الجمعوي في بناء وتنظيم المجال المشترك وإعادة الاعتبار لبناء المشروع الوطني الحداثي. وصار الانتقال الديمقراطي الإطار العام للمرحلة التي من مؤشراتها القبول بتوسع المشاركة المدنية والجمعوية ولأول مرة أمكن للمنتخب أن يقود السلطة المحلية، ولئن أصبحت اليوم المقاربة التنموية المغربية تشاركية بالتشاور بين مختلف الفاعلين (إدارة وقطاع خاص ومنتخبين) فإن الجانب الخدماتي في تدبيرها أصبح مهيمنا في حين أن الهدف مدني بالأساس من أجل تقوية المسار الوطني الديمقراطي واكتساب الحد الأدنى من القيم والمهارات حتى يكون المواطن مواطنا فاعلا. وقد أكد رئيس منتدى المواطنة بالمغرب أن أكبر خطأ في العمل الجمعوي أن يعوض العمل الحزبي لأن الجمعيات ليست بديلا عن الأحزاب. وقوة المجتمع المدني رهينة بقوة جميع أعضائه (جمعيات، إعلام، أحزاب...). وفي رده على بعض الأسئلة والملاحظات اعتبر الأستاذ عبد العالي مستور توسع الشأن السياسي بالمغرب شيئا إيجابيا، فتسييس قضايا مثل البيئة المحلية أو المعاقين يعني تحويلها إلى قضية شأن عام، وهذا ما أدركته مثلا التنظيمات النسائية حين شكلت قطاعات داخل الأحزاب ثم أخرجن قضاياهن إلى جمعيات ومنظمات مختصة لتعبئة المجتمع بأسره حول قضايا المرأة. لأن الجمعيات تتجاوز التمفصل الايديولوجي والسياسي. وحين ظهر الخلاف بين النساء المغربيات (تم تنظيم مسيرة ومسيرة أخرى مضادة حول مدونة الأحوال الشخصية) شكل الملك لجنة توافقية عرضت عملها على البرلمان الذي صادق عليها. وفي هذا السياق أكد رئيس منتدى المواطنة أن التحولات بالمغرب فرضتها القوى الاجتماعية المحلية وليست القوى الأجنبية. مؤكدا قيمة المشاركة وهي الشرط الأول للمواطنة وفق معادلات ومراهنات تاريخية تلتقط متغيرات وإمكانات واقعية مرتبطة بتقوية المجال العمومي المشترك لأن عدم المشاركة لا يضمن ولا يحقق شيئا، و السبيل الوحيد لتحسين شروط المشاركة هو المشاركة، أما العوائق فلا ينبغي أن تصبح هدفا للوقوف بل للتجاوز. والمهم بالنسبة لأي شخص في نظر الناس ليس مرجعيته التي تلزمه وحده، بل مقترحاته وتصوراته واجتهاده لحل المشاكل. وتجدر الملاحظة أن هذا اللقاء الفكري قد تم تنظيمه على هامش دورة تكوينية حول المجتمع المدني وقيم المواطنة نشطها الأستاذ عبد العالي مستور والأستاذ جمال بندحمان من المغرب في إطار منتدى الجاحظ الذي سينظم في الفترة القادمة دروسا مختصة حول ثلاث قضايا: الديانات المقارنة الفرق الإسلامية المؤسسات الدولية.