حققت عُمان قبل أيام، قفزة واسعة على صعيد الانفتاح الاجتماعي والسياسي، حين قررت السماح للعمال بتشكيل نقاباتهم المهنية وممارسة حق الدفاع عن أنفسهم. واللافت أن هذه الخطوة غير المسبوقة، أتت قبل وقت قصير من تصويت الكونغرس الأميركي، على اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، بيد أن ما تلاها كان أشد إثارة للاهتمام؛ إذ لفت تقرير أصدره الاتحاد الدولي للنقابات الحرة أخيراً، أن العمال الأجانب، وخصوصاً الآسيويين، محرومون من معظم حقوقهم في الخليج. وكان السلطان "قابوس بن سعيد" قد أصدر مرسوماً السبت الماضي يجيز فيه للعمال تأسيس نقاباتهم المهنية، وممارسة حقهم في الإضراب، وذلك في إطار تعديله لقوانين العمل السارية في السلطنة. ويتيح المرسوم للعمال إقامة نقاباتهم المستقلة، ويمكنهم من إعفاء المسئولين النقابيين؛ إذا أخلوا بواجباتهم. وذكرت صحف محلية أن وزير العمل يزمع إصدار قوانين، تجعل من الممكن التفاوض بصورة جماعية "لتحسين شروط وظروف العمل ورفع مستوى الإنتاجية وتنظيم إضراب سلمي أو توقف عن العمل"، كما جاء في المرسوم. جدير بالذكر أن عُمان، وهي دولة مصدرة للنفط والغاز لكنها لم تنتسب لمنظمة "أوبك"، قد أبرمت اتفاقية للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة في وقت سابق. ومن المقرر أن تُطرح الاتفاقية للتصويت في الكونغرس الأميركي خلال شهر يوليو (تموز) الجاري. وسيؤدي تمرير الاتفاقية إلى إعطاء التجارة بين البلدين دفعة قوية يعتقد أنها ستتمخض عن رفع القيمة الإجمالية للتبادل التجاري بين البلدين التي بلغت عام 2005 مليار يورو. ولم يستبعد مراقبون وجود صلة بين الخطوة التاريخية التي اتخذتها السلطنة قبل أيام، وبين الرغبة الأميركية المعلنة، حول تعديل الدولة الخليجية، بما فيها عُمان، قوانين العمل المطبقة لديها. والأرجح أن المرسوم العماني الجديد، سيشكل ورقة ضغط إضافية على دول الخليج الأخرى؛ بغرض التحرك بشكل أسرع على طريق تطوير قوانين العمل فيها. وكانت الإمارات العربية المتحدة التي ترغب أيضا بالتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع أميركا، قد أعلنت أنها غير مستعدة لتقديم أي تنازلات سياسية لواشنطن؛ لقاء الاتفاقية المأمولة مع أنها بدأت عملية تعديل لقوانين العمل فيها. يُشار إلى أن قوانين العمل في قطر كانت عائقاً، لم تنجح الدولة الخليجية في تذليله، عندما رغبت في توقيع اتفاقية تجارة حرة مع أميركا، الأمر الذي أدى بها إلى تجميد المفاوضات في أبريل (نيسان) الماضي، معتبرة أن واشنطن لا تبدي مرونة كافية في موقفها من القضية. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات بعد عما إذا كان حق تشكيل النقابات سيشمل الأجانب العاملين في السلطنة، فليس هناك ما يشير إلى أن السلطات ستستثنيهم من هذا الحق. والأرجح أن من حق الأجانب الانتساب إلى النقابات المعنية بقطاع عملهم، والتي تضمهم إلى جانب رفاقهم العمانيين. يُذكر أن عدد سكان السلطنة يربو على 3 ملايين، ربعهم فقط هم من العمانيين أباً عن جد. وأياً كان أمر العلاقة المحتملة بين المرسوم الأخير والتصويت الأميركي الوشيك على الاتفاقية، فهذا الإجراء على أية حال، لم يأت في فراغ. وكانت عُمان قد بدأت توجهاً يتسم بالليبرالية، قبل أكثر من 15 عاماً، حين أجريت أول انتخابات غير مباشرة لاختيار مجلس الشورى في السلطنة عام 1991. وبعد ثلاث سنوات من ذلك، قامت عُمان بخطوة أخرى على هذه الطريق، حين كانت سباقة بين دول الخليج في إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشح لمجلس الشورى. وأُجريت الانتخابات المباشرة الأولى لمجلس الشورى في السلطنة عام 2003. وعلى صعيد ذي صلة، تشهد الكويت، وهي أول دولة خليجية تقرر اتباع النظام البرلماني في 1961، حالياً الكثير من الأخذ والرد بين الحكومة والأطراف الأخرى؛ بسبب القوانين البرلمانية التي يعتقد البعض أنها بحاجة للتعديل. وقد انتخب اليوم الأربعاء "جاسم الخرافي" الذي يعتبر صديقاً للحكومة، رئيساً جديداً لمجلس الأمة؛ وذلك إثر فوزه ب36 صوتاً لقاء 28 صوتاً لمنافسه الليبرالي المعروف "أحمد السعدون". ولفت مراقبون إلى أن عودة "الخرافي" إلى المنصب الذي احتله في الماضي مرتين، هو تطور يصب في مصلحة الحكومة. وجاء انتخاب "الخرافي" بعد يوم واحد من إقرار الحكومة لمجموعة من التعديلات للقوانين البرلمانية، تحظر بيع الأصوات وإنشاء دوائر انتخابية أكبر مما ينبغي. وكانت هذه الإصلاحات المحور الأساسي لخلاف حاد بين الحكومة ومجموعة من النواب الإصلاحيين، الذين تصدرهم "السعدون"، الأمر الذي دفع الحكومة إلى حل البرلمان في مايو (آيار) الفائت. وعمد الأمير "صباح الجابر" أوائل هذا الأسبوع، إلى إعفاء وزيرين من منصبيهما، بعدما اتهمتهما المعارضة بمحاولة العبث بالاقتراعات و إعاقة عملية تعديل القوانين البرلمانية وتطويرها. يُشار إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة في 29 يونيو (حزيران) رجحت كفة المعارضة، بشقها الإصلاحي على وجه الخصوص. فقد احتل الإصلاحيون، والإسلاميون بدرجة أقل، معظم مقاعد مجلس الأمة.