تعيش سلطنة عمان على وقع حدثين هامين يؤشران لمرحلة جديدة في سلسلة المراحل التي قطعتها السلطنة منذ السبعينات في العمل الجدي للنهوض بالإنسان العماني بعيدا عن الصخب الإعلامي ..الحدث الأول يتمثل في الاستعدادات الكثيفة لتنظيم أول انتخابات بلدية ,أما الحدث الثاني فهو يتنزل ضمن جهود التشغيل المركزة حاليا على القطاع الخاص. سياق الحدثين واضح وهو يجمع بين مواصلة تطوير العملية السياسية وتعزيز المشاركة فيها وبين دفع الاقتصاد ضمن الإصلاحات السياسية التي تم الشروع فيها منذ عام في أعقاب ما يعرف بأحداث فبراير 2011 على خلفية تطورات الربيع العربي. ويذكر أنه بعد احتجاجات في بعض المناطق العمانية تخللتها مطالب بالإصلاح السياسي وتشغيل الشباب استبق السلطان قابوس بن سعيد المزايدات ومحاولات التوظيف واحتمالات تأجيج الأوضاع من قبل جهات أجنبية بإعلان سلسلة من الإصلاحات السياسية والإجراءات تتماشى وتطلعات الشعب العماني المعروف بهدوء طبعه ورغبته في الحفاظ على الاستقرار الذي ميز عمان منذ عقود طويلة. وعلى عكس بعض بلدان الربيع العربي اتسمت الأوضاع في سلطنة عمان بالهدوء بما ترجم عن درجة الوعي لدى المواطن العماني وتشبعه بمبدإ التدرج في العملية الديمقراطية وفي هذا السياق يتم الإعداد للانتخابات البلدية التي لم يتحدد تاريخ تنظيمها بعد غير أن الاستعدادات المادية مضت شوطا كبيرا وقد حدد تاريخ 30 سبتمبر الجاري كآخر أجل لتسجيل الناخبين. تطوير العملية السياسية ولأن هذه الانتخابات البلدية هي الأولى التي ستنظم بالسلطنة فإن الرهان بشأنها كبير لإنجاحها ولاشك أن انتخابات مجلس الشورى ستشكل خبرة تراكمية تنظيما وشفافية كما أنها تأتي في إطار جهود الحكومة لتطوير العملية السياسية وتدعيم مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار في المجالات التنموية وتعزيز تنمية الوعي السياسي لدى المواطن العماني بأهمية تحمل المسؤولية والمشاركة. وعلى صعيد التشغيل يلاحظ الزائر لمسقط أن هناك منحى متزايدا نحو فسح المجال أمام الشباب العماني للعمل في مجالات كانت في الماضي حكرا على العمالة الآسياوية وذلك ضمن سياسة التعمين حيث أصبحت الفنادق مثلا تعتمد اعتمادا شبه كلي على اليد العاملة العمانية وهو ما يمثل نقطة تحول ووعيا بتحديات الشتغيل. وحسب أرقام آخر تعداد للسكان(2010) يقيم في السلطنة 816 ألف وافد أجنبي فيما يبلغ عدد العمانيين مليون و157 ألفا وهو ما يجعل عدد السكان لا يتجاوز الثلاثة ملايين أي مليونين و773 ألفا في بلد تبلغ مساحته 309.5 ألاف كلم مربع وتعد بذلك ثالث بلدان شبه الجزيرة العربية من حيث المساحة. مساحة السلطنة الشاسعة والثروات التي يختزنها باطن الأرض من نفط وغاز طبيعي وعديد المعادن والبحر تمثل قاعدة يستند عليها الاقتصاد العماني سواء في توفير مواطن الشغل أو في الصادرات وفي تطوير القطاع السياحي إضافة إلى قطاع الخدمات. الهجرة نحو القطاع العام ويبقى التشغيل حاليا تحديا بدأت السلطنة تحرز فيه تقدما وكانت السيدة ميثاء المحروقية وكيلة وزارة السياحة ذكرت في لقاء مع الصباح الأسبوعي «أن الربيع العربي زادنا دفعا للاهتمام بالتشغيل» وذلك من خلال حملات التشغيل التي تقوم بها وزارة القوى العاملة التي تبحث حاليا خطة لتمكين القطاع الخاص من استيعاب 20 ألف باحث عن الشغل ولعل الرغبة في تشريك هذا القطاع في التشغيل يؤشر إلى الجمع بين التشغيل والانتاج أي تمكين القطاع الخاص من دور فاعل في الاقتصاد بدل إثقال كاهل القطاع العام بتعيينات لا تأخذ بعين الاعتبار الجدوى والمردودية . لكن في مقابل هذا الرهان على القطاع الخاص لوحظت في الآونة الأخيرة استقالات من القطاع الذي يشهد معدل 300 استقالة يوميا حيث يفضل جانب كبير من المستقيلين الالتحاق بالقطاع العام بحثا عن امتيازات وشروط عمل أفضل وحتى في حالة الحصول على وظيفة ذات راتب منخفض في القطاع العام فإن هذا القطاع يوفر فرصا تعوض الراتب المنخفض مثل سهولة الحصول على قروض شخصية. نمو اقتصادي ولا شك أن النمو الاقتصادي المتطور بسلطنة عمان يدفع ببعض الأجانب إلى المغامرة بالتسلل إلى الأراضي العمانية فبين الفينة والأخرى يتم ضبط مئات المتسللين فقد ألقت الشرطة العمانية القبض خلال شهر جويلية الماضي على 2293 متسللا أجنبيا حيث أصبحت عمليات التسلل تشكل هاجسا حقيقيا على الصعيد الأمني والاقتصادي والاجتماعي والصحي. السيد عبد الله بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال في سلطنة عمان يشير إلى أن الاقتصاد العماني لا يختلف كثيرا عن اقتصاديات بقية دول مجلس التعاون الخليجي غير أن علاقته باقتصاديات العالم ليست بنفس القدر فهناك حصانة وجهات رقابية بما حال دون تأثر السلطنة بالأزمة المالية الاقتصادية العالمية. ويقول السالمي أن الاقتصاد العماني أكثر الاقتصاديات انفتاحا في المنطقة منذ السبعينات فبعد أن كان المستثمر الأجنبي يحق له امتلاك مساهمات في شركات بعمان بنسبة 49 في المائة من رأسمالها وأصبحت النسبة اليوم 70 في المائة بل إنه في بعض المجالات يمكنه أمتلاك 100 في المائة . 9 صحف يومية قطاع آخر يشهد بدوره تطورا ملحوظا وهو قطاع الإعلام وتحديدا الصحافة المكتوبة حيث ارتفع عدد الصحف اليومية إلى تسع صحف يومية وهي: عمان -الوطن الشبيبة- عمان اوبزرفر تايمز أوف عمان- عمان تربيون- الزمن- مسقط دايلي- الرؤية . محتوى الصحف أصبح يتسم بالتعدد فإضافة إلى الاعتماد على برقيات وكالة الأنباء العمانية فيما يتعلق بالأخبار الرسمية تعتمد الصحف العمانية على امكانياتها الخاصة في تغطية الأحداث المحلية سواء كانت ندوات أو اجتماعات أو فعاليات رياضية وفنية . موفد «الصباح الأسبوعي» تحول إلى مقر جريدة «الرؤية» اليومية وهي من أحدث العناوين فقد تأسست سنة 2009 وتصدر عن «مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر» بتمويل من مجموعة من رجال الأعمال . يقول الأستاذ حاتم الطائي المدير العام رئيس تحرير «الرؤية»، أن الصحيفة ذات طابع اقتصادي وشاملة في نفس الوقت وتصدر في 24 صفحة كما تتميز الصحيفة بصفحات الرأي التي يساهم فيها كتاب عمانيون. وتمثل الصحيفة إضافة نوعية وتجربة متميزة للصحافة العمانية من خلال دماء جديدة أي التعويل على الشباب وإخراج فني يعتمد الابتكار والتجديد. وبخصوص هامش الحرية المتاح لصحيفته يقول الأستاذ الطائي أن هناك مجالات عديدة للحرية موضحا أن القذف والشتم لا يعد حرية كما أكد على وجود حرية النقد شريطة عدم التشخيص. من مبعوثنا الخاص : نور الدين عاشور