في الوقت الذي يعيش فيه المواطن التونسي حالة من الاستسلام واللامبالاة تجاه مسألة الانتخابات الرئاسية المقبلة ولا يشغله فيها شاغل باعتبار أن النتيجة معلومة لديه سلفا إلا أن الأحزاب السياسية ومنها المعارضة المستقلة أبدت اهتمامها بالمسألة بل وعبرت عن رغبتها في دخول المعركة والمشاركة الفعلية فيها من أجل إرساء التعددية والتنوع والتداول، غير أن التعديلات التي حصلت خلال الفترة الماضية حالت دون طموحات البعض فقد تدخل رئيس الدولة وأجري بعض التعديلات على المجلة الانتخابية تحت لافتة تدعيم المسار الديمقراطي في البلاد والمشاركة الموّسعة للأحزاب. غير أن السؤال الذي يتكرّر في كلّ محطة انتخابية هو: هل الهدف الحقيقي للتحوير في النصوص القانونية المنظمة للعملية الانتخابية يكمن في تحقيق الإصلاح السياسي أم أنّ ذلك من قبيل الدعاية السياسية التي تتنزّل في إطار مسار المناورات المعتمد من 1987؟ في كل محطّة انتخابية يطوّع الرئيس القوانين حسب رغباته وأهوائه ويقطع الطريق أمام منافسين حقيقيين مفترضين ويواصل مسيرته في الانفراد بالحكم الذي أصبح حكرا على الحزب الحاكم وملكيته المقدسة. لقد قضى على حكم الرئيس بن علي 20 سنة قام خلالها بعدة تعديلات على الدستور وعلى كثير من فصول المجلة الانتخابية هدفه الأساسي والفعلي ضمان استمرار الحكم في قبضة التجمع الدستوري الديمقراطي. فور وصوله إلى الحكم سنة 1987 أدخل أول تعديل على الدستور بما يسمح لكلّ رئيس بترشيح نفسه ل3 فترات فقط مدة الواحدة 5 سنوات. وإنني لأذكر كم كانت فرحة المواطنين كبيرة بتغيير الحكم بعد أن قضّوا ما يقرب من 30 سنة في ظلّ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة متعطشين لحياة سياسية متنوعة ومتعددة ببساطة لأنّ الإنسان بطبعه يعشق التنويع والتجديد وينبذ العيش على نمط فكري وسلوكي واحد، فلماذا يعمل الساسة خلاف طبيعة البشر؟ ربما هي طبيعة حبّ التملك والسيطرة التي جاء استفتاء 2002 ليعبر عنها حيث أتاح للرئيس البقاء في الحكم مدى الحياة كما كان قائما في حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ليصبح نظاما شبيها بالأنظمة الملكية، وتتالت سلسلة التعديلات على المجلة الانتخابية من أجل ضمان الاستمرارية في الحكم وتضييق الخناق على المنافسين من المعارضة المستقلة كما ورد في التعديل الأخير الذي أُعلن عنه خلال الذكرى السنوية لعيد الاستقلال بما يُتيح للأحزاب المرخص لها إمكانية أن يترشح لرئاسة الجمهورية المسؤول الأول عن كل حزب سياسي سواء كان رئيسا أو أمينا أولا لحزبه شريطة أن يكون منتخبا لتلك المسؤولية وأن لا يقلّ يوم تقديم ترشحه عن سنتين متتاليتين منذ مدة انتخابه لقيادة حزبه كما فتح التعديل الباب أمام المشاركة الشبابية والنسائية حيث تمّ تخفيض سن الاقتراع على 18 سنة وأجاز ترشح المرأة لأول مرة لمنافسة الرجل على منصب الرئيس وخصص 30 بالمائة من مقاعد البرلمان والمجالس المحلية للنساء. يأتي هذا التعديل الأخير ليقطع الطريق أمام زعماء أحزاب معارضة معيّنين من الترشح وخوض المعركة الانتخابية وحسب رأي بعض المتابعين للشأن التونسي فإن المستهدف الأوّل بهذا الإجراء هو " أحمد نجيب الشابي" الذي أعلن عن رغبته منذ مدة في الترشح إلى الرئاسة وذلك بعد تخليه عن منصبه منذ سنة 2006 كأمين عام للحزب الديمقراطي التقدمي لقيادة نسائية جديدة وهي ميّ الجريبي. لقد جاء خطاب الرئيس التونسي ليستثني أحزابا معارضة قانونية مستقلّة وبالتالي أمّن مسار العملية الانتخابية لفائدته وقطع الطريق أمام مشاركة زعماء حقيقيين لهم وزنهم وصوتهم وقيمتهم لدى المواطنين. ويعتبر حزب التكتل من أجل العمل والحريات برئاسة الدكتور مصطفى بن جعفر من بين المتضررين بالتعديل القائم ذلك أنه سيعقد مؤتمره الأول نهاية العام الحالي. لقد أصبح النظام الحاكم يفصّل القوانين على مقاسه فيلغي ويسن ويشرع وفقا لمصلحته الخاصة دون اعتبار لا للمواطن ولا للمجتمع المدني ولا للمجتمع السياسي ولا للمصلحة الوطنية هدفه الوحيد هو الحفاظ على الكرسي وضمان الاستمرارية في الحكم مدى الحياة هذا وإنْ لم يصبح ملكا يُورّثُ لذويه من بعده.