بثت قناة تس دي اف ZDF الألمانية، في ثلاثة أجزاء، أضخم فلم وثائقي عن الإسلام منذ نهايات شهر مايو المنقضي, وقد حظي شريطها المذكور بنسب مشاهدة عالية بلغت بحسب بعض التقديرات ما يزيد عن الثلاثة ملايين مشاهد. وفي الوقت الذي تخطط فيه القناة الثانية للشبكة الألمانية المنتجة لتطوير مشروع الفلم وإصدار نسخته الانجليزية هذه الصائفة , فإن الكثير من النقاد والباحثين في العلوم الإسلامية ومسيرته التاريخية نظروا عموما بعين الارتياح إلى الصورة المشرقة التي أبرز بها سيناريو الفلم مسيرة 1400 سنة من تاريخ الدعوة الإسلامية. صورة حضارية مشرقة برزت في الجزء الأول من الفلم حين تم الإنصاف التاريخي لرسالة الإسلام ولخاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام. إذ تعتمد رواية الجزء الأول على الدراسات العلمية الحديثة في تحليل أسباب الانتشار السريع للإسلام في ثلاث قارات بعد قرون قليلة من وفاة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. أما الجزء الثاني فانه يقف على صورة لا تقل إشراقا , حين يصر منتجوه على إبراز مظاهر التفوق العلمي والتقني والعمراني للمسلمين في بغداد في القرن التاسع للميلاد كما في بلاد إسلامية أخرى في آسيا الوسطى , وصولا إلى الأندلس ومظاهر التفوق بها في مرحلة القرون الوسطى، حين شهدت أوربا أوج تخلفها في مقابل اسهامات ابن النفيس وابن سينا وابن رشد وعلوم الطب والجراحة التي مازالت حاضرة بآثارها إلى اليوم في مدينة قرطبة عبر أول مستشفى أوربي أسسه المسلمون . مسيرة إنتاج الشريط التي استمرت لمدة سنتين , مرت ب11 دولة كانت 9 دول منها من الحاضنة الإسلامية, بل إن بعض أحداث الشريط شهدت توقفا وتعثرا في ظل تداعيات الحرب المعلنة على قطاع غزة . قناة التسي دي اف التي تعد الأبرز في القنوات الرسمية الألمانية, قامت بتجزئة بث العمل الوثائقي إلى ثلاث حلقات , وقع عرضها في كل مرة على مدار 45 دقيقة . ويتجه الفلم في عمومه إلى إبراز صورة ايجابية عن الإسلام من خلال إحياء فكرة الحوار بين الحضارات والأديان, وإن كان السرد التاريخي لم يخل في بعض محطاته من الوقوف على نقاط تاريخية شهدت الاشتباك الكبير بين المسلمين والعالم المسيحي. الشريط أبرز في جزئه الثالث بداية ارتعاش الغرب من وصول الإسلام إلى معاقل أوروبية, ليقف على اقتراب الإسلام سنة 1883 من أسوار فيينا حين قويت آنذاك شوكة الدولة العثمانية . وفي الجزء الثالث من أضخم عمل وثائقي ألماني عن الإسلام, تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كطرف مساهم في إنتاج الشريط من خلال إبرازها كمثال ناجح في العالم الإسلامي , إذ يراها المنتجون مثال الممازجة الناجحة بين الأصالة والتحديث, ونموذج ريادة في الاستثمار المزدوج بين الجامعات والمساجد وروح المبادرة الاقتصادية . الفلم الوثائقي الألماني الذي حمل عنوان "المشرق", تم تصوير سبعة أيام من فصوله بمدن دبي وأبو ظبي والشارقة, حيث تدور بعض مشاهده بين مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، الذي يعتبر رمزاً من رموز الحضارة الإسلامية، وكذلك جامعة الشارقة مع مشاهد لمدينة دبي باعتبارها رمزا للتعليم والتقدم الاقتصادي في العالم الإسلامي . شخصيات مؤثرة وأصابع اماراتية : وحيث يبرز الشريط صورة إيجابية جدا عن دولة الإمارات كمثال إسلامي تقدمي, ويلقي الضوء على شخصيات مؤثرة في العالم الإسلامي والمسيحي، كوزير الأديان في مصر، محمود زقزوق، وهانس كونغ، أحد أبزر علماء اللاهوت في المسيحية، وأغا خان الرابع، الزعيم الروحي للمسلمين الشيعة من الطائفة الإسماعيلية، ورضا أصلان، أحد أبرز علماء الإسلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية, فإن أصابع الشيخ سلطان بن محمد القاسمي أمير دولة الشارقة تبدو غير بعيدة عن الدعم ومراجعة نص سيناريو الفلم . ويؤكد الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة , خلال مقابلة مع القناة التلفزيونية الألمانية الثانية حرص دولة الإمارات العربية المتحدة علي إرساء قيم العدل والتسامح بين الأديان والحضارات من أجل أمن واستقرار البشرية جمعاء . ويشير إلى أن المجتمعات الإسلامية اليوم تسير في طريق التحديث، هذا الطريق الذي بدأ بالفعل خلال فترة النبي محمد صلى الله عليه وسلم . أما الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي بدولة الإمارات، فيذكر في سياق الفلم الوثائقي الضخم الذي بثته القناة التلفزيونية الألمانية الثانية, أن السبيل الوحيد للقضاء على التطرف والعنف، أو حتى الجهل، يكون من خلال التعليم والتعليم فقط , وليس من خلال أية طريقة أخرى . ويذكر المراقبون أن تكاليف إنتاج فيلم "المشرق", بلغت حوالي خمسة ملايين درهم إماراتي وهو ما يجعله من أغلى الانتاجات الوثائقية في تاريخ الشاشة الصغيرة . وعن دواعي إنتاج الفيلم يقول دانيال غيرلاخ، كاتب النص ومدير مشروعه, والذي يقوم بإصدار مجلة "زينث" الألمانية المهتمة بشؤون العالم الإسلامي : "إن أهم الأسباب لهذا المشروع، هو محاولتنا فهم ما يجري من وراء الكواليس, فعندما بدأت بالدراسات الإسلامية عام 1998، كانت وسائل الإعلام الألمانية تركز على الحرب والإرهاب دون التطرق إلى الحياة اليومية في العالم الإسلامي، أو تسليط الضوء على جذور الصراع. ولذا لا زالت صورة هذا العالم في كثير من الدول الغربية تنحصر بتخيل المحجبات أو إصدار أحكام تقطيع الأيدي أو المفجرين الانتحاريين. لكن هذا العالم مختلف تماماً وملئ بالمفاجآت، وهو أيضاً شديد التعقيد ومتنوع, خاصة وأن أتباعه يتجاوزون 1.3 مليار شخص موزعين في أرجاء المعمورة " انتهى كلام دانيل غيرلاغ. ويبقى "المشرق" واحدا من الشموع الألمانية الإعلامية والثقافية المضيئة في سماء ألمانيا والغرب, وسط هواجس إذكاء نار الصراع بين الأديان والحضارات بدل حوارها, وهو ما يجعل منه ردا راقيا على تداعيات الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أو ما سبقها من أحداث دموية بشعة حين شهدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أحداثها الإرهابية الشهيرة . وبحسب بعض الحوارات الالكترونية المفتوحة على الشبكة العنكبوتية , فان الكثير من المثقفين المسلمين والعرب وجدوا في الشريط بادرة ألمانية جديرة بالاحترام, مبدين تقديرهم للمشاركة الإماراتية في إنتاجه ومراجعة نصه, وقد عبر البعض عن عظيم سعادته بأن يتجه المال الخليجي والعربي إلى دعم مثل هذه المشروعات الثقافية والتوثيقية الناجحة.