في ربيع عام 1989 أعلن رئيس ألمانياالشرقية أريس هونكر أن جدار برلين سيصمد مئة عام على الأقل، وفي التاسع من نوفمبر من نفس العام انهار جدار برلين وتوحدت الألمانيتان. في العاشر من فبراير العام 1979 أي قبل يوم واحد من سقوط نظام الشاه في إيران بعث السفير الأمريكي في طهران برقية إلى واشنطن يرد فيها عن القلاقل حول احتمال قيام ثورة شعبية، وكتب حينها: من المحتمل أن يحدث انقلاب في البيت الأبيض ولا يمكن توقع سقوط نظام الشاه. وفي اليوم الموالي قامت الثورة وفرّ الشاه محمد رضا بهلوي إلى مصر دون رجعة. يقول روبيرت كينيدي رحمه الله - الذي غادر عالمنا قبل أيام وترك مواقفه ومقولاته الخالدة- يقول في خطاب ألقاه في جنوب إفريقيا عام 1996: (في كل مرة يدافع فيها شخص عن فكرة ما، أو يسعى لتحسين ظروف الغير، أو يهبّ ضد الظلم، فإنه يبعث موجة صغيرة جدا من الأمل، لتمتزج مع ملايين الموجات الجريئة لتخلق تيارا يكنس أصلب جدران الظلم والاستبداد) سقط الاتحاد السوفياتي وانهار جدار برلين وتهاوت دول التكتل الشرقي وانتفضت الشعوب الحرة ضد الظلم والطغيان في كل أصقاع العالم، من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا باستثناء الشعوب العربية. تحوّل الديكتاتور الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش إلى مجرد مجرم يُحاكم داخل قفص في محكمة لاهاي، وخسرت الجماهير بضع رصاصات على الطاغية تشاوسيسكو وزوجته في رومانيا فدخلا مزبلة التاريخ. كنتُ قبل عام في بوخاراست لتغطية قمة حلف الناتو السنوية. أخذني سائق التاكسي من المطار إلى أحد الفنادق ورأيتُ في طريقنا بناية ضخمة، قال السائق إنها مقر البرلمان وهناك ستُعقد القمة وهو ثاني أضخم بناية حكومية في العالم بعد البنتاغون الأمريكي، سألته عن المكان الذي اُعدم فيه طاغيتهم البائد، فوعدني بزيارته لاحقا، ووفىّ بوعده. تبادلنا أطراف الحديث داخل سيارة داتشيا (اسم لقبائل داتشيا الرومانية) تلك السيارة تسمى في الجزائر (داسْيا- Dacia). سائق التاكسي قال إنه يعرف الكثير عن الجزائر لأنه أمضى سنوات يشتغل في مدينة وهران، تحدث بحماس عن انتفاضة شعبه وعن المكاسب الديموقراطية التي تحققت في بلاده، ثم سألني: هل مايزال الأفلان يحكمكم؟ (حزب جبهة التحرير الذي حكم الجزائر منذ الاستقلال ويتمتع حاليا بغالبية مُريحة في البرلمان) أجبته بخجل، نعم. لايزال الحزب ونفس الأشخاص يحكموننا منذ عام 1962. ولاشك أن المسؤول الذي استورد لنا في الثمانينات سيارات (داسيا) التي ملأت شوارعنا- ومَن يعلم كم تقاضى كعمولات باسم الاشتراكية- هو نفسه الذي يعقد الصفقات لاقتناء سيارات البي أم دابليوBMW والأودي AUDI باسم الانفتاح على الغرب وعلى النظام الرأسمالي. استغرب السائق والتفت خلفه ليُحدّق في وجهي إن كنت أمزح، وقال إنه يعرف الشعب الجزائري جيدا وهو شعبٌ ثائر ولا يمكنه أن يقبل بأن يكون في ذيل الشعوب! قُلت له، بلى. لكن هذا الشعب المناضل وُرّط في حرب داخلية ستدخل عامها العشرين قريبا وهذا ما أنهك قواه. حاولتُ أن أمازحه قائلا، لقد قرأتُ كثيرا عن أساطيركُم حول مصاص الدماء (دراكولا) الذي يعيش في قصر عال في مقاطعة Transylvania، أما عندنا في الجزائر فإن الدراكولا خلّف أبناءً وأحفادا يعيشون في كل ركن من أركان بلادنا الجميلة. ضحك السائق وقال، لا بأس ستسطع شمس الحرية وستحترق عائلة دراكولا. أفكار هذا المقال راودتني وأنا أقرأ التعليقات في الصحف الغربية حول تقرير الأممالمتحدة –المُخزي-عن التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2009 . جريدة الإيكونوميست البريطانية كتبت: إن نظام الحكم العربي بشاكلته القديمة حيث يتواطأ الفساد مع التسلط، فشل على كل الأصعدة، فهو نظام لا يستحق البقاء وسيأتي يوم ينهار فيه انهيارا شبه مؤكد.