بعد ثورة 14 جانفي 2011 ظننا أن الأوضاع ستتحسن شيئا فشيئا وستكون البلاد أفضل مما كانت عليه قبل ذلك اليوم على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكننا نسينا أن الفاسد رحل إلى السعودية وترك خلفه الفساد الذي انتشر في جميع هياكل الدولة ومؤسساتها. مرّ المجتمع التونسي بمرحلة انتقالية عصيبة نظرا لوجود عدّة تيارات وإيديولوجيات مختلفة تريد أن تفرض نفسها على الساحة السياسية ولو بقوة الذراع. فهناك أقليات شيوعية تتحرك في المجتمع كما يحلو لها وكأنها تعيش في الاتحاد السوفياتي الذي ولّى وانتهى وأصبح لا يوجد إلا في مزابل التاريخ. رغم وجود عدّة أنظمة لينينية وستالينية تعدّ على أصابع اليد بدأت تتقلّص بين الفينة والأخرى. فلقد رأينا كيف أن تشيكوسلوفاكيا الكائنة في أوروبا الشرقية تنكّرت لهذا النظام، الذي اعتبره الشعبين التشيكي والسلوفاكي نظاما داميا ويمارس الديكتاتورية كأشد ما يكون فقاموا بثورة كللت بالنجاح. فأصبحت تشيكيا وسلوفاكيا بلدين مستقلين يتمتعان بنظامين رأسماليين منبثقين عن الديمقراطية، إذ أن النظام الشيوعي يرسي مبادئه على امتلاك جميع الثروات والاستثمارات ويوزعها الساسة الشيوعيون على الشعب كما يريدون، إذ لا وجود للملكية الخاصة، وعقيدة لينين التي كرّسها على أنصار الشيوعية راسخة في الكلمات التالية "لا إله، والحياة مادة" وسقطت الاشتراكية التي تبناها النظام الليبي للعقيد معمر القذافي نظرا للممارسات القذرة التي كان قد سلطها على شعبه المسلم الذي لا يعتقد بتلك المقولة "لا إله والحياة مادة" بل يعتقد في "لا إله إلا الله محمدا رسول الله". وهوت الشيوعية في ألمانياالشرقية بسقوط جدار برلين وتوحّدت بعد ذلك الألمانيتين. وعرفت رومانيا أشد وأنكى وأعتى الاستبداد في عهد الديكتاتور تشاوسيسكو الذي قتله الثوار ونكل به كما نكل بالعقيد معمر القذافي. ولم نر بوتين الرئيس الروسي، الشيوعي المنهج يبتسم أو يضحك لقسوة قلبه الذي تشبّع بمبادئ هذا النظام الفاسد. شاهدت يوما شريطا وثائقيا عبر القناة الفضائية "National géographique" تحكي لنا الممارسات البشعة التي قام بها نظام كوريا الشمالية على إحدى الأسر وذلك بعد أن فرّ عسكري يعمل بالحدود مع كوريا الجنوبية إلى البلد المجاور هروبا من ظلم وطغيان هذا النظام الفاشي فكان عاقبة هذا الفرار أن أهدر دم أسرة بأكملها. فكان العسكري يروي للقناة الفضائية ما حصل لأسرته جراء هروبه وهو يبكي ويذرف الدمع على خده، فهل نجح قادة الشيوعية الذين استنبطوا هذا المذهب الذي يمنع الناس من حرية التملك حتى ينجح حمة الهمامي الأمين العام لحزب العمال الشيوعي؟ إن ما يقوم به هذا الحزب من وضع الدسائس والفتن والعراقيل أمام الحكومة المنتخبة انتخابا شرعيا منبثقا عن إرادة باسلة للشعب التونسي بعد أن فشل فشلا ذريعا في أول انتخابات حرّة وشفافة ونزيهة بعد الثورة بالتواطؤ مع أحزاب أخرى لم تنجح هي أيضا في استمالة الشعب التونسي على الرغم من الإغراءات التي قامت بها وتلميع صورتها عبر الإعلانات والومضات التلفزية. كل هذا لم ينطل على الشعب التونسي الذي حسم الأمر وذلك بوضع ثقته في الترويكا التي تسعى جاهدة لدفع عجلة الاقتصاد نحو الأمام واستقطاب شراكات أجنبية من شأنها أن تستثمر في جميع المجالات الاقتصادية في بلادنا. لقد فقهنا في عالم البطاح "نلعب وإلا نحرّم" ولم يخطر ببالنا أن الأحزاب الفاشلة في الانتخابات سوف تقولها هي أيضا لحكومة السيد حمادي الجبالي بعد أن أجمعوا أمرهم في مسيرة نظموها وكان شعارها "نريد حكومة ائتلاف وطني". فعوض أن يتركوا الحكومة تعمل لصالح البلاد، نصبوا لها كمائن الاعتصامات وبث الفوضى في صفوف التونسيين، والغاية من ذلك إسقاط إرادة الشعب والرجوع بنا إلى عهد الديكتاتوريات التي نهبت الكثير من الأموال الوطنية إذ كان على أحزاب المعارضة أن تضع يدها في يد الحكومة مراعية في ذلك أخلاقيات اللعبة السياسية ولأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار كان على هذه الأحزاب ألا يتوخوا طرقا ملتوية تضر بالمصلحة العليا للبلاد، فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن نبني ولا نهدم. وإذا قمنا بهدم الاقتصاد وذلك بمواصلة الاعتصامات التي لم تعد تجد نفعا في وقتنا الراهن غير التشرذم والتفرق والعنف. إن تغيير المناخ المتقلب في الآونة الأخيرة خاصة بعد سقوط الثلوج في العديد من الأماكن التونسية جعل جميع التونسيين مع اختلاف أطيافها تنسى الحسابات الضيقة والمناورات السياسية بين الحكومة وأحزاب المعارضة إلى وضع أيديهم بأيدي الفقراء والمعوزين من ذوي الدخل المحدود خصوصا في الأرياف التونسية. ورأينا كيف أن المساجد في مختلف البقاع كانت ملجأ للإعانات المادية والمعنوية مثل اللباس والأغطية وغير ذلك من أصناف الإعانات التي كانت في ما مضى حكرا على التجمع الدستوري الديمقراطي في العهد البائد، فالأزمات دائما ما تكون سببا في عودة المياه إلى مجاريها فهي تجمع أفراد المجتمع التونسي على جميع المستويات فتصنع المعجزات. فيصل البوكاري تونس