كل من يعتبر بالأحداث الجسام التي مرت بها الانسانية منذ فجر الحضارة يدرك بالعقل و التجربة بأن التدافع البشري الذي أعلنه الله سبحانه في القران الكريم يجري على خطين متوازيين وهما خط السلام و التعاون و التجارة و تبادل المصالح و خط الحروب والصراعات و فرض الهيمنة و قهر الخصم أو ابادته كما وقع في عديد الحالات. ولنا في الملاحم و الأساطير و عيون الأدب و نتاج العقل رصيد هائل من تلازم هذين الخطين بين السلم و الحرب. و بشكل مستمر فان الجغرافيا و التاريخ يتغيران و تنعرج بهما السبل عبر القرون الى منعطفات غير متوقعة في منظور العقل البشري المحدود لكن الله في كتابه المجيد رسم العلاقة بين الأسباب و المسببات عندما تعرض النص المقدس الى القرون الأولى و ضرب الأمثال بانهيار الدول وتداول القوة بين الأمم. و الذي يجري اليوم في فلسطين و لبنان و بشكل اخر في العراق و أفغانستان و ما يتوقع المحللون من تداعياته على ايران و الجزيرة العربية و جمهوريات روسيا المسلمة بسبب تنفيذ المخططات الاسرائيلية بدعم متواطىء من الولاياتالمتحدة ومساندة خفية من الاتحاد الأوروبي هو من هذه الأحداث التي ذكرناها و التي ستحور بشكل جذري معالم الجغرافيا و اتجاهات التاريخ للانخراط في الألفية الثالثة التي مع الأسف لم يستعد لها العرب و أكبر الاحتمالات أنهم سيفاجئون بها وهم في غفلة من الزمن أو في سنة من النوم. ان قارىء التاريخ يعرف كيف تقاسمت الأمبراطوريات الأوروبية ثم الولاياتالمتحدة ميراث الرجل العثماني المريض ثم و في حرب الخامس من يونية 1967ميراث الرجل العربي المريض ثم و بسبب الاستبداد و غياب التفكير في العواقب و من خلال احتلال بغداد يوم التاسع من أبريل 2003 ميراث الرجل المسلم المريض. وهي لعمري سلسلة من الحروب المرسومة منذ مؤتمر بازل لليهود عام 1897 و مؤتمر سايكس بيكو عام 1916 و تقسيم الشرق الأوسط الى دول و ممالك تقرر منذ انشائها أن تظل مضخة للنفط و خلق الثروات في الغرب وضمان توسعه الاقتصادي و الصناعي و الثقافي و التكنولوجي بلا مشقة الاستعمار المباشر بل بالاكتفاء بغزو الروح و العقل و نشر ثقافة الالحاق و القضاء على ثقافة الانعتاق. اننا اليوم تجاه عملية تزوير الجغرافيا و التاريخ بتحويل اهتمام العرب من الخشية المشروعة من العدوان الاسرائيلي الخارج عن القانون الدولي الى الخشية من طهران و دمشق، و تحويل اتجاه الصراع التاريخي و المعلن بين الحق العربي والباطل الاسرائيلي الى فتنة بين السنة و الشيعة. و بالفعل فقد نجح الاستعمار الجديد و صنيعته الصهيونية في خلق مواجهة بين بعض السنة و بعض الشيعة في العراق بمؤامرات اشعال نار الطائفتين بالقنابل المزروعة و السيارات الملغومة و اذكاء لهيب الارهاب الأعمى . وهو ما أعطى التشجيع الضروري الى توسيع رقعة الفتنة الى لبنان بتقديم العدو الاسرائيلي المحتل على أنه الحليف الطبيعي للمواطن اللبناني الباحث فقط على لقمة عيشه. و في قطاع غزة يتم تنفيذ نفس السيناريو باظهار حماس البطلة في صورة الارهابي الذي يفسد مخططات السلام و يعكر صفو الشعب الفلسطيني! و الغريب أن اسرائيل واصلت الاغتيالات و التقتيل و التشريد حتى بعد الهدنة، و لم يثر ذلك حفيظة رعاتها و حماتها في واشنطن و أوروبا! ان ذلك يتم تجسيده على الأرض اللبنانية و الأرض الفلسطينية لتنفيذ استراتيجية قوى عظمى بعيدة عن المنطقة و لا تعترف بحقوقنا العربية السليبة، وهي مخططات شيطانية يجب أن يكون العرب حكومات ومجتمعات مدنية واعين بمخاطرها، خاصة بعد أن عودتنا الأمبراطوريات الاستعمارية على مثل هذا الغش التاريخي و الخديعة الحضارية حين تعجز عن تحقيق أهدافها البعيدة بالقوة فتلجأ الى عملية تحويل وجهة العرب نحو أعداء وهميين و فتح أبواب الفتنة أمامهم حتى نؤخر مواعيد الصراع العربي الاسرائيلي الذي هو صراع حق مع باطل و نقدم عليه صراعا بين الشيعة والسنة أو بين العقلانيين العرب ضد المقاومين العرب أو بين حماس و فتح أو بين الحكومات و الشعوب في العالم العربي. و نحن أحوج ما نكون اليوم الى ايجاد حل للأسرى العرب ما بين فلسطينيين و لبنانيين الذين عددهم بالالاف و منذ ربع قرن أحيانا في جو من الصمت الدولي المريب و في مناخ من التأييد الأمريكي الواضح بدون أي أفق لتحرير هؤلاء القابعين وراء القضبان في مأساة انسانية لهم و لأطفالهم و لأهليهم ليس لها من أمل و لا رجاء. و الخلاصة من المؤامرة الراهنة هي كما أعلن موفاز ببلاغة حين قال ما الفرق بين بن لادن و حسن نصر الله و اسماعيل هنية؟ و ما الفرق بين القاعدة و حزب الله حماس؟ ان اللحظة التاريخية العربية في أقصى درجات الخطر و الدقة و يخطأ من يعتقد بأنه في معزل عن مصير عربي مشترك بوعود من القوى العظمى بعد هذه التجارب المريرة التي علينا أن نعتبر بها قبل فوات الأوان. *