توجه لاستعمال الحافلات الكهربائية    صندوق الضمان الاجتماعي ينفي    نحو 60 دولة وفي 7 أشهر تونس صدّرت 195 ألف طن من زيت الزيتون    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الهلال السعودي و ريال مدريد    عاجل: النادي الإفريقي: المصادقة رسميا على قائمة الدكتور محسن الطرابلسي    نابل...وفاة طفلة غرقا    وزارة التعليم العالي تفتح مناظرة لانتداب 225 عاملا..التفاصيل..    اليوم انطلاق مناظرة ''النوفيام''    الإعلاء    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    ديوان «نجمة .. بعد حين» لحميد سعيد .. البنى العلائقية وبلاغتها لعلامات الترقيم    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    معهد باستور: تراجع مبيعات لقاح السل وتوقف بيع الأمصال ضد لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وداء الكلب    لقاء بوزارة الصناعة حول تعزيز التكامل الصناعي التونسي العماني    شركة "إيني" الإيطالية تعزز استثماراتها في قطاع المحروقات بتونس    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    مدير عام الامتحانات: استكمال إصلاح اختبارات البكالوريا    في الرشقة الأخيرة: إيران تستخدم صواريخ "أسرع من الصوت".. #خبر_عاجل    بنزرت: العثور على جثة طفل ملقاة على الطريق    "نهدف الى تطوير قاعدة ممارسي الرياضات البارالمبية في تونس" (رئيس اللجنة الدولية البارالمبية)    وزارة الفلاحة تدعو كافّة شركات تجميع الحبوب إلى أخذ كلّ الإحتياطات اللاّزمة والإستعداد الأمثل للتّعامل مع التقلبات الجوية المرتقبة    ترامب: لا أستطيع الجزم بشأن قصف إيران    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    عاجل/ روسيا تحذّر من كارثة نووية وشيكة في الشرق الأوسط    مكتب نتنياهو يعلن حصيلة أضرار الصواريخ الإيرانية وأعداد النازحين حتى اليوم    وزارة الداخلية: تنفيذ 98 قرارا في مجال تراتيب البناء ببلدية تونس    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    خامنئي: الكيان الصهيوني ارتكب خطأ فادحا وسيلقى جزاء عمله    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    مونديال كرة اليد: المنتخب الوطني يستهل اليوم المشوار بمواجهة نظيره السويسري    عاجل : انتداب جديد في النادي الافريقي    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    بطولة برلين للتنس: "أنس جابر" تواجه اليوم المصنفة الخامسة عالميا    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    9 فواكه تناولها يوميًا لطرد السموم من الكبد والكلى..تعرف عليها..    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    ب50 مقاتلة.. إسرائيل تكشف تفاصيل هجوم "ليلة الأربعاء"    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    كأس العالم للأندية 2025 : فوز ريفر بلايت الأرجنتيني على أوراوا ريدز الياباني 3-1    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربط بين ضياع القدس والأندلس والمناداة بتحريرهما!
نشر في الصباح يوم 11 - 06 - 2011

كانت خطبة الجمعة قبل الماضية في مسجد وسط مدينة غزة، عن النكسة (هزيمة حزيران ) ولم يكن غريباً أن يتناول الخطيب هذا الموضوع، ولكن الغريب وغير المستوعب أن يكرر في خطبته الحديث عن ضياع الأندلس (التي حكمها العرب والمسلمون ألف عام كما قال) وهو يتكلم عن ضياع القدس ويطالب العرب والمسلمين بتحريرهما واستعادتهما!
سألت نفسي: هل هذا الربط بين القدس والأندلس في محله؟
فقدس الأقداس منذ أن كانت يبوس وحتى يومنا هذا مدينة عربية، ومنذ العهدة العمرية في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي إسلامية، بل إن القرآن الكريم ذكر المسجد الأقصى المبارك في أول آية من سورة الإسراء. وأهل القدس وفلسطين وكل البلاد من حولها هم عرب مسلمون في غالبيتهم العظمى وينطقون بلغة الضاد، وهي تقع في قلب الإقليم الذي نطلق عليه في الجيوبوليتيك «الوطن العربي» الممتد من المحيط إلى الخليج. وسقوطها (كما بقية فلسطين) في يد العدو الصهيوني على مرحلتين ( 1948 و 1967) كان تتويجاً لمشروع استعماري ضخم شاركت فيه القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى مع الحركة الصهيونية، سبقته أو تزامنت معه عدة أحداث كبيرة في مقدمتها موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين واتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور. وأتاح انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لهذا المشروع الاستعماري أن يستكمل مخططاته الرهيبة ضد فلسطين والأمة العربية وأن ينتج ما اصطُلح على تسميته بالشرعية الدولية (كالأمم المتحدة وقرارات وأنظمة دولية) والتي اعترفت بقيام دولة إسرائيل على ما يقرب من نصف مساحة فلسطين التاريخية عام 1948. ومع أن هذه الشرعية الدولية منحازة حتى اليوم -بفعل الهيمنة الأمريكية والتواطؤ الأوروبي والضعف العربي- لإسرائيل إلاّ أنها لا زالت ترى في الوجود الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية العربية (بما فيها القدس الشرقية) وجوداً غير شرعي، مع ملاحظة أن جهود إسرائيل في الوقت الراهن ومعها اللوبي الصهيوني في أمريكا منصبة على إقناع العالم باستحالة التنازل عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، وأن السلام الإسرائيلي يستند على قدس موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل وسيطرة على الأغوار وضم الكتل الاستيطانية الكبيرة مع تبادل للأراضي.
رغم كل ما تفعله إسرائيل وحلفاؤها، ورغم مرور 63 عاما على النكبة و44 عاماً على النكسة، فإنّ تمسك الشعب العربي الفلسطيني بحقوقه يزداد يوماً بعد يوم، وفلسطين وقدسها قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، وجداناً وفكراً وواقعاً وليس مجرد شعارات، ومجمل التطورات التي حدثت بعد هزيمة1967 تشير بوضوح إلى أن مشروع إسرائيل الاحتلالي العدواني في انحسار وفي حالة دفاع، ومن الصعب أن يُكتب له البقاء في ظل هذا الإصرار الفلسطيني والعربي والإسلامي على بطلانه وعدم شرعيته. وعقول وقلوب وعيون أكثر من مليار إنسان على وجه هذه الأرض تتطلع لليوم الذي تتحرر فيه فلسطين والقدس، وهذا ليس بعيد المنال، وخاصة بعد أن نفضت الجماهير العربية عن نفسها غبار النوم والعجز والخوف وصنعت ثورات تفتخر بها الإنسانية. وعلى صعيد التاريخ، استطاع سكان هذه البلاد العرب والمسلمون، بقيادة صلاح الدين الأيوبي، أن يحطموا أطماع وأحلام الصليبيين الذين تمكنوا عبر حملاتهم المتعاقبة من احتلال القدس وأجزاء واسعة من فلسطين وجوارها.
أما الأندلس فلها قصة مختلفة، ولا يوجد مقارنة بينها وبين فلسطين، ولا يمكن أن تكون الأخيرة كالأولى فالأندلس بلاد أوروبية قديماً وحديثاً، وهي الآن إسبانيا والبرتغال، وهما دولتان في الاتحاد الأوروبي ، وعندما فتح العرب المسلمون الأندلس واستمروا في حكمها لما يقرب من 800 عام كان ذلك في زمن يختلف عن هذا العصر اختلافاً كبيراً من حيث العلاقات الدولية والحدود السياسية والمفاهيم الإنسانية والقيم البشرية المشتركة ومفاهيم حقوق الإنسان، فالعرب المسلمون كانوا يقومون بفتوحات بدأت منذ صدر الإسلام واستمرت قروناً طويلة اتسعت خلالها رقعة الدولة الإسلامية بشكل كبير. وكانت الإمبراطوريات الأخرى في ذلك الزمان تقوم أيضاً (قبل وأثناء وبعد الخلافة الإسلامية) بغزو البلاد الأخرى والسيطرة عليها، وذاكرتنا العربية والإسلامية لا زالت تحتفظ بما قام به التتار والصليبيون وصولاً إلى حركة الاستعمار الحديث.
لكن الملاحظ في الفتوحات الإسلامية أن الغالبية العظمى من أهل البلاد التي فتحها المسلمون أصبحوا مسلمين وأصبحت بلادا أخرى مسلمة بحكم علاقات التجارة والجوار أو تضم أقليات مسلمة كبيرة، ويمكن تأمل هذه الظاهرة من خلال الرقعة الجغرافية الممتدة من حدود العراق الشرقية وحتى حدود الصين الغربية ومن الجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي سابقاً حتى أقصى جنوب القارة الهندية، وإذا اتجهنا غرباً نجد تركيا وجزءً من قبرص وألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو. وبمفاهيم العصر الحديث قَبِل العالم أن تكون دولة مثل البوسنة والهرسك إسلامية رغم أنها في قلب أوروبا لأن سكانها مسلمون، بل ورأينا كيف وقف المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا وأوروبا إلى جانب هؤلاء المسلمين في الصراع الدموي الذي دار بينهم وبين الصرب بعد تفكك الاتحاد اليوغسلافي، وهو ما تكرر فيما بعد مع إقليم كوسوفو المسلم الذي كان جزء من صربيا (طبعاً أفهم أن هناك مصالح وأطماعا ودوافع وحسابات للدول الكبرى تتعلق بهزيمة أحلاف قديمة وتشكيل أخرى جديدة في مثل هذه المسائل)
فيما يتعلق بالأندلس، هناك أمر تجدر دراسته بتحليل وعمق، وهو: لماذا وبعد حكم عربي إسلامي لها دام ثمانية قرون لم يصبح سكان الأندلس مسلمين، كما حصل مع بلاد كثيرة معظمها في الشرق وبعضها في الغرب؟ وبمجرد هزيمة العرب عام 1492 وإخراجهم من الأندلس عادت تلك البلاد إلى بيئتها الأوروبية، عقائدياً وثقافياً وسياسياً وجغرافياً، ولم يبق للعرب من فترة حكمهم الطويلة إلاّ الأدب الرفيع وخاصة الأشعار الجميلة والآثار العمرانية الساحرة مثل القصور الفخمة وتاريخ بعضه مشرف وجزء كبير منه عبارة عن مؤامرات وصراعات داخلية (صراعات ملوك الطوائف)
بعد مرور أكثر من خمسمائة عام على خروج العرب من الأندلس، وفي ظل واقع عالمي جديد، منظم تنظيماً محكماً، سياسياً وإدارياً وحقوقياً ومرجعياً، هل يجوز أن يكون للعرب والمسلمين خطابهم الشاذ وهم أصلاً غير قادرين على تحقيقه؟ كيف سيكون مقبولاً أن يشمل هذا الخطاب المطالبة باستعادة إسبانيا والبرتغال؟ وهل سيتحقق ذلك إلا بالقوة المسلحة أي بالغزو والاستعمار وحكمهما بالحديد والنار لأن سكانهما ليسوا مسلمين وليسوا عرباً؟ ومن المنطقي في هذه الحالة أن نتصور أن أفضل وسيلة لإخضاع إسبانيا والبرتغال، الدولتين الأوروبيتين الديمقراطيتين، هي التطهير العرقي وإحلال سكان جدد بدلاً من السكان الأصليين ولا يهم في هذه الحالة حجم المجازر التي سترتكب.
رغم سذاجة وخيالية وعدوانية هذا التفكير فإنني أناقشه من باب المسؤولية، التي تعني أن نكون مسؤولين عن تفكيرنا والكلام الذي نتفوه به ونردده، لأن هذه القناعات الخاطئة تتحول عن طريق الخطباء والمثقفين والأساتذة والآباء إلى تعبئة فكرية خاطئة للأجيال القادمة، ولك أن تتخيل أن ابناً أو أخاً أو صديقاً لهذا الخطيب يدرس الآن أو سيدرس مستقبلاً في إسبانيا ولديه مثل هذه القناعات عن أحقيتنا في السيطرة على إسبانيا والبرتغال، كيف سيكون تفكيره؟ إننا بمثل هذه الأفكار الخارجة عن روح العصر نجني على أبنائنا ونحن نظن أننا نسدي معروفاً لأمتنا بينما نحن في الحقيقة نمارس أسوأ وأردأ تنشئة فكرية تقود الإنسان العربي والمسلم إلى التعامل بطريقة مشوهة مع الآخر، فيما الآخر هو الذي يتقدم ويتطور وينجز ويكتشف ويخترع ويصدّر الأفكار والتكنولوجيا ويقدم المساعدات للدول الفقيرة.
على الذين لا يزالون يتحدثون عن تحرير الأندلس أن يحرروا عقولهم من الأوهام والأفكار غير المنطقية وغير الإنسانية وأن يستحضروا في أذهانهم الخطاب الإلهي الخالد «وما أرسلناكً إلاّ رحمةً للعالمين» أما الاستعداد الحقيقي والأهم فيجب أن يكون للقدس وفلسطين.
* كاتب صحفي من غزة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.