مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو القاسم الشابي.. سيرة راهب في محراب الشعر
نشر في الوسط التونسية يوم 04 - 01 - 2010

عن دار نقوش عربية وفي 183 صفحة من القطع المتوسط ،صدر في الفترة القريبة الماضية كتاب "أبو القاسم الشابي شاعر الحياة والحب والحرية" للباحث والناقد التونسي أبوزيان السعدي.
وقد جاء الكتاب احتفاء بمائوية الشابي ومحاولة من الكاتب لمزيد تسليط الضوء على تجربة ابداعية شعرية متفردة أثرت في أجيال متعاقبة،ولذلك فلا غرو أن يقسم هذا الأثر الذي بين أيدينا الى قسمين :"قسم أول يعرف بالشاعر وبحياته ويحلل تجربنه الأدبية الشعرية والنثرية،وقسم ثان يضم مختارات من شعره ونماذج من مقالاته ومذكراته ورسائله".
وعبر التفاصيل المشوقة الكثيرة نرحل مع الناقد أبوزيان السعدي في رحلة تكشف عبقرية وموهبة الشابي وكفاحه من أجل ترلاسيخ قدمه في الساعة الشعرية التونسية والعربية وحرصه عن الدفاع عن وطنه سبيله في ذلك كلماته التي ينتقيها بعناية ويلظمها مسبحة جميلة ومؤثرة.لذلك بقيت تجربته على مر الزمن ونهلت الأجيال المتعاقبة من شعره وقدرته على الجمع بين الأصالة والمعاصرة وبين التجذر في العمود الشعري القديم شكلا والتجديد بمضامين مستحدثة تتماشى وقضايا الراهن.
لذلك يؤكد الباحث أبوزيان السعدي في مقدمة كتابه هذا على هذه المعاني ويبسط هذه الموهبة والعبقرية الخالدة وسبب اهتمام النقاد بها فنراه يقول:" المؤكد أن الاحتفاء بأبي القاسم الشابي طوال هذه السنة 2009 لهو أنموذج رائع للتواصل بين الأجيال وعنوان بارز على أن تونس التغيير اذ تمجد النابغين من أبنائها،فانما لكي تمجد تونس التاريخية،ذات المواهب المتجددة وصاحبة القدرة على أن تكون حاضرة دائما في الوقت المناسب....واذا علمنا أن الأحتفاء بالشابي يتزامن مع الاحتفاء بمائوية المسرح التونسي وبتنظيم استشارة وطنية موسعة حول الكتاب والمطالعة ببلادنا،أدركنا البعد الدلالي لمعنى التواصل بين الاجيال،وتلاقي القديم الأصيل مع المعاصر الجديد،عبر معادلة أن البناء لا يكون على فراغ وأن العلاقة بين القديم والجديد تظل دائما علاقة جدلية تفرز نتائجها الايجابية وفق مقتضيات التطور العلمي والفكري ووفق الاحتكام لطبيعة الثمثل الحضاري والهدف من بناء المجتمع ورسم المنشود من أماله.
ومن هذا المنطلق،جاء اهتمامي بأبي القاسم الشابي وبنبوغه الشعري وبمراحل حياته القصيرة الحافلة بالأوجاع والألام وجاء اهتمام مدير نقوش عربية الأستاذ محمد منصف الشابي الذي رحب بنشر هذا الكتاب عن الشابي شاعر الحياة والحب والحرية.
وقد أردته كتابا يعرف شاعرنا الخالد ويلقي مزيدا من الأضواء على تجربته الأبداعية الرائعة، ويقدم المساهمة اللائقة بمائوية ميلاده ...ورمزا للتواصل بين الأجيال وعرفانا بالنابغين من أبناء تونس قدامى ومحدثين".
وعبر فلسفة الشابي وايمانه الكبير بدور الكلمة الصادقة في تغيير الواقع المريض، يكشف لنا الناقد أبوزيان السعدي تيمة شعره وخصائصه الفلسفية الحكمية والرومنسية التي طبعت حياته كلها وهو ما يحاول توضيحه الكاتب في هذا الأثر وفي الفصل الذي يعتني ب"شعره" حيث يوضح قائلا :"وكما هو واضح مما سبق لنا من حديث، فإن السمات العامة لشخصية الشابي في مجملها،هي صفات رومنسية تنبع من الذات لا محالة ولا حظ فيها لأي تكلف أو افتعال، ولكن الحساسية المفرطة وشدة ثأثرها بما حولها،تظل دائما هي المهيمنة في أسلوب استجابتها للأحداث ولما يقع من متغيرات في الحياة والمجتمع،وذلك بسبب أن" الرومانتيكي غريب في عصره بشعوره واحساسه ولذا كان عصبي المزاج، ذا نفس سريعة الثأثر وعقل جسور ولوع بالجري وراء المتناقضات وبالتطرف في كل أحواله، وقلبه عامر بعواطف انسانية عمادها الوطنية أو الحرية أو الحب القوي الذي يعلو بنفس ذويه أو الطاغي الذي يستبد بضحاياه وهو في كل ذلك معتدا بذاته يعتقد أنها مركز العالم من حوله ويحب لذلك أن يتميز عمن يحيطون به في خلقه وعاداته ومبادئه بل وفي ملابسه ولهجته، وكان أدبه مراة ذلك التفرد وتلك الأصالة".ويضيف "وقد صور الشابي أبلغ تصوير طبيعة هذا الموقف الوجودي للشاعر الرومانسي في قصيدته البديعة "الساحرة" فأنشد:
راعها منه صمته ووجوهه***وشجاها شحوبه وسهومه
فأمرت كفا على شعره العاري***برفق كأنها ستنميه
وأطلت بوجهها الباسم الحل***وعلى خده وقالت تلومه
أيها الطائر الكئيب تغرد***ان شدو الحياة حلو رخيمه
وأجبني فدتك نفسي ماذا ***أمصاب أم ذلك أمر ترومه؟
بل هو الفن واكتئابه والفنا***ن جم أحزانه وهمومه
أبدا يحمل الوجود بما فيه***كأن ليس للوجود زعيمه
خل عبء الحياة عنك وهيا***بمحيا كالصبح طلق أديمه
وفضلا عن معاني الحرية والفلسفة الوجودية والشعور بالغربة الذي كان دائما ما يراود شاعر "ارادة الحياة" فاننا أيضا لا يمكن أن نتحدث عن الشابي ومسيرته الأبداعية،دون التطرق الى هذه الحساسية العالية التي كانت تميزه عن أبناء جيله من الشعراء وبذلك يصح أن يلقب بشاعر الحب بما أنه"صاحب حساسية شديدة وصاحب خيال واسع متعدد الأبعاد وصاحب توق الى الجمال في مظاهره المتعددة لدى الطبيعة بسحرها الأخاذ ولدى المرأة ذات الفتون المبهر والجمال الذي يأسر القلب ويستولي على الخيال،فقد أبدع في الكثير من قصائده صورا رائعة لجمال الطبيعة ولجمال المرأة وما يتردد في نفسه من أصداء عميقة تهز الوجدان وتحرك العاطفة وتلهم القلب بأحلام الحب.ومن ثم لم يكن غريبا عليه أن يتغنى في شعره بجمال الطبيعة وبروعة الحب في ساعة صفاء مع الحبيبة،غناء ندرك معه مدى أثر جمال الطبيعة في نفسه وان كانت روعة اللقاء بالحبيبة لا تعاد لها أي روعة أخرى:
كم من عهود عذبة في عدوة الوادي النضير
فضية الأسحار مذهبة الأصائل والبكور
كانت أرق من الزهور ومن أغاريد الطيور
وألذ من سحر الصبا في بسمة الطفل الغرير
قضيتها ومعي الحبيبة لا رقيب ولا نذير
الا الطفولة حولنا تلهو مع الحب الصغير
أيام كانت للحياة حلاوة الروض المطير
وطهارة الموج الجميل وسحر شاطئه المسير
ومع هذه الرقة والحساسية التي جعلت من الشابي شاعرا فذا ومتفردا،لايمكن أن نهمل ما لهذا المبدع من جوانب خفية لا يعرفها الكثيرون ولعلنا هنا نذكر تفرد تجربته النثرية مثلها مثل مقالاته النقدية ورسائله ومذكراته ولا أحد منا يستطيع أن يهمل ما أحدثته محاضرته الشهيرة والقيمة المعنونة ب"الخيال الشعري عند العرب" من ضجة في الأوساط الأدبية الثقافية التونسية في تلك الفترة.
ولأننا أمام مبدع متعدد المواهب فان هذه الكلمات البسيطة المتواضعة لا تستطيع أن تفيه حقه،وانما هي مجرد محاولة للفت النظر لهذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي غايته هو الأخر التعريف بتجربة الشابي وتسليط الضوء عليها من كل جوانبها. من هنا لا يسعنا ختاما الا الأستماع الى أبي القاسم الشابي وهو يحاول أن يجيب عن سؤال:ماهو الشعر؟ حيث يقول بكلمات جميلة:"ان الشعر هو الحياة نفسها...في حسنها ودمامتها في صمتها وضجتها وفي هدؤئها وثورتها، في نومها ويقظتها وفي كل صورة من صورها ولون من ألوانها.
الشعر وهل يسأل عن الشعر؟
ان الشعر يا صاحبي هو ما تسمعه وتبصره في ضجة الريح وهدير البحار وفي بسمة الوردة الحائرة يدمدم فوقها النحل ويرفرف حواليها الفراش،وفي النغمة المغردة يرسلها الطائر في الفضاء الفسيح ،وفي وسوسة الجدول الحالم المترنم بين الحقول وفي دمدمة النهر الهادر المتدفق نحو البحار وفي مطلع الشمس وخفوق النجوم وفي كل ما تراه وتسمعه وتكرهه وتحبه وتألفه وتخشاه فهل بعد ذلك تسألني عن الشعر؟"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.