جدّت يوم الاثنين غرّة فيفري مواجهات بين أهالي معتمدية الصخيرة (87 كم جنوبصفاقس) وبين قوّات الأمن تواصلت طيلة اليوم وأدّت إلى اعتقال العشرات من الشباب والتلاميذ وإلى ترويع المتساكنين على إثر حملة مداهمات وإيقافات في المنازل وإطلاق كثيف للقنابل المسيلة للدموع وقطع كلّ سبل العبور إلى المدينة من قبل الأمن. وترجع أسباب هذه المواجهات إلى مطالبة الأهالي وخاصّة الشباب المعطّل عن العمل بحقّهم في الشغل، وذلك على إثر الشروع في إنشاء شركة جديدة لإنتاج الحامض الفسفوري تدعى شركة تيفارت TIFERT التونسية-الهنديّة منذ زهاء السنة والنّصف بالمنطقة الصناعيّة بالصخيرة. وكان الاتحاد المحلّي للشغل بالصخيرة قد أبرم اتفاقا مع السلط المحلّية يقضي – بالنظر إلى الطبيعة الملوّثة لنشاط الشركة - بأولويّة تشغيل أبناء المنطقة بنسبة تمّ الاتفاق عليها بين الطرفين وقبل بها الأهالي والطّرف المشغّل، ويشمل هذا الاتفاق أشغال إنشاء الشركة، حسب ما أفادتنا به الجهات النقابية. إلاّ أنّ ما حدث كان تنكّرا كلّيا لهذا الاتفاق، حيث أن شركات الإنشاء التي انتصبت من مقاولات وغيرها، والتي وفّرت 700 موطن شغل وقتي لم تشغّل سوى 61 عاملا من أبناء المعتمديّة واستقدمت معها بقية العمّال من جهات أخرى. الشيء الذي أثار حفيظة الأهالي ودفعهم إلى الاحتجاج مرّات، كانت آخرها صبيحة يوم الأحد. فقد تجمّع العشرات من الشباب المعطّل عن العمل (والذين تعوّدوا على القدوم من أماكن بعيدة والتواجد على عين المكان على أمل أن يقع انتداب البعض منهم) في الطريق المؤدّية إلى المنطقة الصناعيّة الواقعة في مدخل المعتمدية (5 كلم على مركز المعتمدية) ورفعوا شعارات "بن علي 2010" للتذكير بوعود رئيس الدولة بأولوية قضيّة تشغيل الشباب، كما قطعوا الطريق الصناعيّة مانعين مرور الحافلات التابعة لعدد من الشركات المنتصبة، الأمر الذي استدعى تدخّل أعوان الأمن بالجهة. ويبدو أن العدد المتزايد للمحتجّين وخشية السلط المحلّية من فقدان السيطرة على الوضع دفعا إلى استقدام تعزيزات أمنيّة من مركز الولاية بصفاقس وكذلك من قابس. إلاّ أن الوضع تفجّر مع إطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، وحسب شهود عيان، فإن المتظاهرين ردّوا الفعل بإلقاء الحجارة على الأمن ووسائل النقل الأمر الذي كاد يتطوّر بشكل خطير قبل أن تتخّل عدّة جهات نقابيّة وحتى حزبيّة (من الحزب الحاكم) لتهدئة الوضع وتشكّلت لجنة من الأهالي للتوجّه لمقابلة المعتمد وعرض مطالبهم، أصرّ المحتجّون على مرافقتهم بعد أن راجت بينهم إشاعة بأنه سيتمّ إيقافهم وإيداعهم السجن. ومع انتقال المحتجّين بشعاراتهم إلى مركز المعتمديّة والتحاق عدد كبير من الشباب وخاصّة التلاميذ بهم وإزاء الاستفزازات الأمنيّة تفاقم الوضع وتطوّر ليتحوّل إلى مواجهات وإطلاق كثيف للقنابل المسيلة للدموع واعتداءات وملاحقة للمتظاهرين في الشوارع بلغت حدّ مداهمة بعض المنازل وترويع سكّانها وإيقافات طالت أكثر من ستين شابّا بين تلاميذ ومعطّلين وغيرهم. إضافة إلى ما لا يقلّ عن عشرة مصابين حسب ما أكّدته عديد المصادر من الجهة. ولم تهدأ الأوضاع نسبيّا إلا في آخر اليوم بعد أن أخلي سبيل بعض الموقوفين. وكانت المدينة قد عزلت عن بقية مدن البلاد حيث منع الوصول إليها عبر الطريق الرئيسي رقم 1 من صفاقسوقابس، وأصبح المنتقلون بين هاتين المدينتين يمرّون عبر طرق أخرى أبعد شقّة. ما حدث في الصخيرة لا يمكن إلاّ أن يذكّر المتابع بانتفاضة أبناء الحوض المنجمي، خاصّة في بدايات هذه الأخيرة، وكذلك بما حدث منذ سنتين تقريبا في نقطة القريبة من موقع حادثة الحال. ويعكس الوضع الراهن للعديد من المناطق المنسيّة التي غابت فيها التنمية وتفاقمت فيها البطالة واختلّ التوازن بين ما تنتجه المنطقة من خيرات وما ينالها من عائدات. بل إنّ ما حدث في الصخيرة ونقطة والرديّف وسليانة وسيدي بوزيد والقصرين... من هبّات اجتماعيّة أساسها المطالبة بالحقّ في الشغل، يمكن أن يعطي صورة مصغّرة لوضع قد تصله البلاد إن لم يقع البحث فورا عن حلول جدّيّة للمشاكل القائمة وأوّلها مشكلة التشغيل والتخلّي عن النهج الأمني الذي لا يؤدّي إلاّ لمزيد توتير الأوضاع كما كان الشأن في واقعة الحال.