غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين النخب السياسية و المجتمع التونسي : التباسات بالجملة
نشر في الوسط التونسية يوم 04 - 12 - 2010

من المفارقات أن يتزامن إقبال التونسيين على الخلاص الديني و الدنيوي ، مع إقبال الأحزاب السياسية و النخب التونسية على اقتراح كبرى المشاريع الثقافية و الاجتماعية في محاولة ربما لإعلاء الصوت و رفع الشأن و فرض الذات و تحريك المياه الراكدة أو ربما محاولة لتقديم ما يمكن وصفه بحلول إلى ما يمكن وصفه بإشكاليات. و لكنها محاولة تضاعف الشرخ بين العامة و النخبة و تخلق نوعا من التوتر بين الفاعلين السياسيين لافتقاد الثقة المتبادلة بينهم و على قاعدة أن كل ما يأتي به الآخر هو محض هراء و هذيان و افتراء، و تمنح الدولة ، و ربما هذا الأهم ، تصلبا و تكلسا مضاعفا في مواقفها.
التصلب الأول يأتي من رفضها الاهتداء أو الاقتداء بما يقدم من مبادرات، بمعزل عن أهميتها و قيمتها، طالما جاءت من خارج أطرها الضيقة . قد يكون لهذا التمشي أسبابه التاريخية فالدولة التي نشأت و اكتسبت مشروعيتها من تقديم المبادرات و قيادة المجتمع لا ترضى عن مبادراتها بديلا و كأن في الأمر مس من كبريائها و حتى كرامتها ، لا سيما و السلطة لم تتخلص بعد من طابعها الشخصاني .و النتيجة أن رفض الدولة الأخذ بما تقدمه النخب الوطنية من اقتراحات يدفعها إلى المحافظة على القديم بعيدا عن كل تجديد .
التصلب الثاني يأتي من محاولة استغلال الدولة التوترات الحزبية و النخبوية و تزاحم الاقتراحات و الأفكار، لتقدم نفسها بوصفها الثابت الوحيد الذي يحقق الإجماع حوله، و يضمن الاستقرار للجميع بعيدا عن المغامرات غير المحسوبة و المجازفات الصبيانية. و قد لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا أن هذا المناخ يدعم مشروعية السلطة و الحال أن هذه المقترحات كانت تبحث في ما تبحث ، سحب الشرعية عنها.
من بين هذه المشاريع التي أطلت علينا في المدة الأخيرة الدعوة إلى إقرار قانون يكرس المساواة في الميراث ( النساء الديمقراطيات)، تعديل الفصل الأول من الدستور في اتجاه تعزيزه و تدعيمه (الاتحاد الديمقراطي الوحدوي )، حذف الفصل الأول من الدستور (الجمعية التونسية للدفاع عن اللائكية) ، وضع دستور جديد للبلاد (مشروع نجيب ألشابي)، و أخيرا و ليس آخرا اقتراح قرطاج كاسم جديد للعاصمة بديلا عن تونس( الحزب الاجتماعي التحرري).
لا شك ان الحلم يراود البعض من أصحاب هذه المشاريع في أن يبعث التاريخ بورقيبة من مرقده أو يجود علينا بشخص مثله ليستجيب إلى كل هذه الرغبات و البرامج و ينهض التونسيين في اليوم الموالي على واقع جديد ، لا حول لهم و لا قوة فيه ، سوى التعامل معه بصمت و خوف و الاستماع إلى كل الشعارات الفضفاضة و غير الفضفاضة.
و نحن إذ نعبر عن دعمنا لكل الإصلاحات التي جاء بها المشرع التونسي منذ فجر الاستقلال، فإننا لا نرى فائدة من الاستمرار في نفس التمشي الإصلاحي بعدما أصبحنا محل استهزاء على اعتبار ان إصلاحاتهم ترجمة للتضحيات و النضال، بينما إصلاحاتنا مسقطة و مفروضة من أعلى ، كما جاء ذلك في مداخلة أستاذة مغربية مؤخرا، كانت بصدد مناقشة أطروحة دكتوراه في إحدى الكليات التونسية في إشارة إلى أن مجلة الأحوال الشخصية التونسية لم تكن سوى تتويجا لرغبة بورقيبة بينما قانون الأسرة المغربي جاء تتويجا لنضال اجتماعي و توافق سياسي حقيقي. كما لا نرى جدوى في فرض واقع من الإصلاحات يضاعف الهوة بين الدولة و الشعب واضعا كل واحد منهما في واد، فيتضاعف الإحساس بالغربة و يتضاعف الشعور بالحرمان من زمن مثالي تطبق فيه الشريعة بكل صرامة و يعيش فيه الناس في ضل مبادئ الإسلام في امن و سلام حقيقيين. و لا فائدة من استحضار عدد المرات التي عبّر فيها الناس عن حسرتهم عن عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في تونس و انه متى تم قطع يد سارق سينتفي الشر من جذوره، بل أن بعض النائبات لم يجدن انزعاجا من العودة للعمل بتعدد الزواج في تونس. و على هذا الأساس نقدر تريث الدولة في عدم الإقبال على بعض الإصلاحات الحساسة و ذلك على الأقل من باب عدم مضاعفة الغربة التي يعيشها الشعب و إعطائه الفرصة ليتأمل و يعايش الإصلاحات التي جاء بها المشرع الى حد الآن.
و نحن نعتقد إن انتشار الفكر السلفي في تونس و الذي بات يتسم بنوع من الانغلاق و التعصب أكثر من أي وقت مضى - و هو بالمناسبة فكر لم يعد متاحا كشفه بسهولة ، بعدما بات مغلفا بكل مظاهر التكنولوجيا و قيم الاستهلاك و خدع الحداثة و حتى تفشي ظاهرة الفرنسة التي أصابت حتى أكثر الشرائح تأسلما - ، انما يفسر بسبب غياب التواصل مع الحركة الإسلامية التي كان بإمكانها ان تلعب دورا توجيها و تأطيريا حاسما في هذا الصدد لما تحضى به من ثقة لدى العامة لاسيما بعدما طورت في خطابها و بات يستجيب لمقتضيات العصر. و لا فائدة من الدخول هنا في التفاصيل الجزئية فكلنا يعلم أن صاحب العمامة و اللحية الطويلة يعد اصدق قولا و أصلح رأيا و هو يتحدث في أمور الدين حتى و لو أخطا فيها و أن المثقف العلماني سيضل دخيلا و غريبا عن شؤون الدين حتى و لو قال صدقا و جاء بالرأي الأصلح و الأصح.
و بقطع النظر عن اتفاقنا أو رفضنا لهذه المشاريع المشروعة، نعتقد أن طرحها يتطلب نضجا جماهيريا ووعيا حقيقيا و متابعة مستمرة للشأن العام. و هو يتطلب على من يطرح مثل هذه المشاريع قاعدة اجتماعية حقيقية يتم رصدها بمختلف الإشكال الملموسة و بعيدا عن أي وصاية على الشعب، و أن تكون هذه المشاريع نابعة من واقعها و معبرة عن مطالب شعبية حقيقية، و انعكاس لرؤى فعلية و حاجات ملحة.
أما والقيادات الحزبية مجهولة في الشارع التونسي ، و بعض الشخصيات النخبوية ليس لها في الوعي الشعبي و ذاكرته أي حضور، و شعب يرفض أن يتابع الشأن السياسي أو يشارك فيه معتمدا بالكامل على إمكانياته الفردية في إيجاد الحلول بعيدا عن تدخل الدولة و غير مستعد أن يدخل في نقاشات نظرية قد تستفزه أو تحيره . مفضلا التعامل مع دولة الواقع كما هي بكل ما يترتب عنها من قمع و استلاب على مستوى الحريات و تسامح على مستوى الإخلال بالقانون، فهذا يتطلب تحركا من نوعا آخر.
و هو بالمناسبة وضع أدى إلى تنامي شخصية جديدة للفرد التونسي تقوم على نوعين من الخلاص . الخلاص الدنيوي من خلال البحث عن الربح بشتى الطرق و ضمان أفضل وضع لأسرته بعيدا عن أي تصادم مع السلطة و خلاص ديني يقوم على إقامة العبادات من خلال الحفاظ على الصلوات و صلاة الجمعة و أداء ركني الحج و العمرة و الزكاة و إيتاء الصدقات و صوم رمضان و أيام الاثنين و الخميس من الأشهر الحرم ، و التركيز على الشكليات الخارجية دون أي محاولة لربط تلك العبادات بالواقع . و ليس صدفة أن ترى تصرفات المصلين تشوبها كثرة الشوائب عند البيع و الشراء و كل المعاملات اليومية إلى حد يمكن معه القول أن البحث عن الخلاص الديني ليس إلا محاولة لترميم انزلا قات و ثغرات العمل الدنيوي.
لا نعتقد أن الوقت مناسب في ظل هذا المناخ السلبي لطرح أي مشروع. ذلك أن المطلوب قبل الحديث عن أي اقتراحات هو تأهيل المواطن التونسي و العمل على نقله من حالة الخلاص الفردي إلى مرحلة الخلاص الجماعي و الخلاص الوطني و انتشاله من موروثه الثقافي و السياسي الثقيل الجاثم على صدورنا إلى حالة المواطنة في وطن ، و من ثم إعطائه الفرصة أن يكون له رأي في ما يجري و في الشأن اليومي و لن يتحقق له ذلك إلا بالإقدام على المطالعة و الإطلاع على كل تفاصيل الشأن العام و التاريخ التونسي بكل حيثياته .
إن الإشكالية اليوم في التونسي هو انسحابه من الحياة العامة و شعوره انه غير معني بأي قضية. لقد حدث و أن تم وضع الدستور التونسي دون مشاركة فعلية منه سنة 1959 و وقع تنقيحه لاحقا مرارا في اتجاه تدعيم السلطة التنفيذية و تكريس الحكم مدى الحياة دون أن يثير اي نوع من اهتماماته، و هذا لان الدستور و ضع منذ البداية خارج إرادته . و لا نريد ان يتكرر هذا الأمر و أن تبقى المسائل المرتبطة بالهوية و الإسلام و العروبة معلقة مجددا. و نحن نعتقد إن المعركة ضد الاستبداد إذا كان لابد من خوضها بجدية فهي معركة لا تتحمل الخلاف على المسائل الأساسية المتعلقة بالهوية الإسلامية و الانتماء العربي. إن الخلاف حول الإسلام و العروبة يعني تزكية الوضع الراهن.
و تعليقا على ما جاء في "مشروع ألشابي" فنحن نعتقد أن المشكل إذا كان لا بد منه فهو ينحصر حول الهوية و الانتماء ، ذلك إن المطالبة بإحداث محكمة دستورية أو التحول إلى النظام البرلماني و تكريس كل الإجراءات التي من شانها تحقيق الحريات و ضمان الحقوق باتت قواسم مشتركة بين العديد من الأحزاب السياسية التونسية و هي مطالب سبق و أن دعا إليها العديد من الشخصيات الوطنية و السياسية و حتى الأكاديمية . و الأمر لا يحتاج سوى إلى إرادة سياسية تقبل الانتقال من الحالة التسلطية إلى الحالة الديمقراطية.و هو مطلب تقتضيه الحداثة السياسية و منطق العصر. و لا شك أن الدعوة إلى استحداث مجلس للشيوخ يمثل مختلف جهات البلاد بات ضرورة ملحة بعدما بان فشل تحقيق التنمية العادلة و المتوازنة بين مختلف المدن التونسية و تركز التنمية على مدن قليلة. و لعل افتقاد ولايات الجنوب إلى الماء الصالح للشراب و كل مرافق التسلية و مواطن الشغل اكبر دليل على هذا التفاوت.
إن اعتماد صياغة تونس دينها الإسلام أثارت الكثير من النقاش و الجدل حتى بات لكل مهتم موقفا من الموضوع، و لا نرى فائدة من الاستمرار في هذا الجدل علما و أن النقاش المثار حول هذه المسالة يتلخص في الآتي ، إذا اعتبرنا تونس دولة إسلامية قد ننزلق في الدولة الدينية و إذا أنكرنا على الدولة دينها نكون قد أنكرنا بعدا وطنيا و تاريخيا مهما لا احد يمكن قبوله.
من هذا المنطلق نحن نعتقد إن الفصل الأول يحتاج إلى مزيد من التدقيق رفعا لكل التباس وذلك بالتأكيد على أن الإسلام دين الدولة من جهة و التشديد على البعد الاجتهادي للإسلام. و نحن نقترح الصيغة التالية: "دين الدولة هو الإسلام، إسلام الدولة يقوم على الاجتهاد و لا يتعارض مع الفكر التنويري". و نحن اذ نشير إلى أهمية المزاوجة بين الفصل الأول و الخامس و الثامن من الدستور التي أشار إليها الأستاذ نجيب الشابي، فإننا نعتقد إن هذه المزاوجة غير كافية لتقطع السبيل أمام كل التأويلات المغرضة و غير المغرضة، و سيضل الباب مفتوحا لتفضيل فصلا على فصلا و البحث عن توافقا يصب أما في جهة حقوق الإنسان ضمن الأفق الإسلامي أو حقوق الإنسان ضمن الأفق الدولي.
أما في ما يتعلق بديانة رئيس الجمهورية الذي حافظ عليه "مشروع الشابي" فنحن نفضل تجاوز هذا الفصل إذ لا فائدة من التنصيص على هذا الشرط طالما ان مقتضيات الانتخابات الحرة و النزيهة لن تأتي إلى سدة الحكم إلا من كان مسلما بحكم إن الشعب التونسي في اغلبه مسلما . وبهذا نجنب الدستور أي اتهام بالتمييز بين الأديان .
اما بخصوص الانتماء العربي فنحن نعتقد إن الاكتفاء بعبارة تونس لغتها العربية غير كاف و يفتح المجال أمام أكثر من التباس ، أما اعتبارها جزء من الأمة العربية فهذا كما جاء في "مشروع الشابي" ينطوي على نوع من التبعية غير المضمونة قي ظل الدعوات الإقليمية المتزايدة .
و المطلوب حسب رأينا هو التأكيد من جهة على أن لغة الدولة هي العربية و في ذات الوقت التنصيص على الانتماء العربي لتونس دون الحاجة إلى الاقتداء بأي نموذج أو حتى اعتبارها جزء من أي امة . فتونس عربية بحكم تجربتها التاريخية التي انصهرت مع العنصر البربري و التركي والتي لم تدون إلا باللغة بالعربية و ترسخت لاحقا عبر العصور. تلك التجربة التي انطلقت من القيروان لتشع على كافة منطقة المغرب و الأندلس و استمرت لقرون في ضل الدولة الفاطمية الشيعية و الدولة الحفصية البربرية السنية المالكية و الدولة المرادية و الحسينية ذات الولاء العثماني و تجلت من خلال كتب ابن رشيق و الحصري و سحنون و ابن الهاني و ابن خلدون و ابن عرفة و بن منظور و خير الدين و غيرهم، كما تجسدت من خلال الزوايا و المساجد و "الأسواق العربي" و الأسوار و القلاع و الربطات التي لا تخلو منها جهة أو مدينة ، و استمرت منذ ذلك الوقت إلى اليوم دون انقطاع، و على أساسها خاض الأجداد كفاحهم ضد الاستعمار و هي تشكل اليوم روحنا ووجداننا و تراثنا الحسي و الملموس. و على هذا الأساس نقترح صياغة و واضحة لا لبس فيها و لا ارتياب تكون و فية لماضيها و حاضرها، "تونس دولة عربية و لغتها العربية" و هي صيغة نعتبرها موضوعية و لا تتضمن إقصاء لأي طرف أو حقبة بما فيها الموروث الفينيقي الذي نعتز به و تجسد عبر اوتيك و قرطاج، و حتى الموروث الروماني الذي جاء غازيا و مستوطنا و لكنه ترك في بلادنا ما لا نملك التفريط فيه بأي ثمن من الأثمان. و نحن نعتقد إن هذا الموروث خاص بتونس و تونس وحدها .
و ما تقدم به مؤخرا أمين عام الحزب الاجتماعي التحرري الأستاذ منذر بن ثابت من اقتراح باستبدال اسم العاصمة التونسية تونس بقرطاج على اعتبار أن اسم قرطاج أكثر إنصافا و استيعابا لتاريخ تونس بعيدا عن أي اختزال في إطار الحقبة العربية الإسلامية ، فهذا يدعونا إلى طرح الملاحظة التالية : إذا كان الإبقاء على تونس بوصفها عاصمة الدولة التونسية فيه اختزال لتاريخ تونس فلسنا نرى استبدال تونس بقرطاج حلا أفضل، و الحال أن حضارة قرطاج لم تقم إلا على اضطهاد و قمع السكان الأصليين البربر في ذلك الوقت. ثم إذا كنا سنسمي تونس قرطاج فماذا سنسمي قرطاج كما تسائل في الحقيقة احد المعلقين على الفايس بوك . و إذا كنا نحار في اعتماد تسميات جديدة لشارع او نهج فما بالك باسم تعودنا عليه منذ قرون و اختزل في ذاكرتنا أشياء كثيرة ، و بالتالي لماذا نورط أنفسنا في مغامرات و مطالب فاشلة .
و بالمناسبة موضوع الامازيغية خطاب جديد بات يأخذ حيزا هاما من التعليقات على مواقع الواب و الفيسبوك و هو موضوع يحتاج إلى معالجة عاجلة و موضوعية حتى نجنب الأجيال القادمة ثقافة الحقد و البغضاء التي باتت تتحكم في عواطف المغاربة و الجزائريين و ذلك قبل فوات الأوان.
مرة أخرى إذ تؤكد مجمل الاقتراحات إن نخبنا السياسية تعيش لحظة فنطازيا فكرية في الوقت الذي يواجه المجتمع التونسي تحديات كبرى تتعلق بارتفاع نسب الحوادث و الطلاق و العزوبية و الخصوبة والشيخوخة و الانفلات الأخلاقي و التغريب و الفرنسة و التبذير و التشهير و الدعارة و العزوف عن الشأن العام و القراءة و انسداد الأفق السياسي و انعدام الحوار على كل المستويات .بينما كان المطلوب منها بحث هذه المواضيع و الإقرار بوجود تحديات حقيقية تتعلق بتأمين التواصل الثقافي و الأخلاقي و السياسي بين الأجيال و الطبقات و الأفكار بعدما بات كل واحد يغني على ليلاه و يتصرف وفق منطقه الخاص بكل ما يتضمنه من أنانية و غياب القواسم المشتركة الحقيقية و الطموحات المشتركة ( باستثناء البذاءة و اللامبالات).
إن شعب لا يملك قواسم فكرية مشتركة و طموحات مشتركة أو مشروعا مستقبليا موحدا ، غير جدير بالاحترام و هو محكوم عليه بالعجز و الاختراق من كل أمراض العصر : الجريمة، السرقة، الهجرة السرية ، النهب، السلب، الدعارة، إتلاف الملك العام و بيع الأوطان .
شاكر الحوكي ، جامعي تونس باحث في العلوم السياسية
صحيفة الوطن الالكترونية الصادرة من غزة - تاريخ النشر : 2010-07-27


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.