(في السنة ال 5 من الحصار غير القانوني، الظالم، المضروب عليه) إننا لا نتحدث عن مدينة مثالية فاضلة خطّّ ملامحها فيلسوف حالم سماه أهله إفلاطون الحكيم، لكننا نتحدث عن الواقع بكل مكوناته وتناقضاته، يخطه أناس عاديون بتجاربهم الحياتية، بما فيها من آمال وآلام،وأحزان وأفراح، وسعادة وشقاء. وهم ، وأرجلهم في الأرض، وقلوبهم طافحة بحب الحياة الكريمة، وعقولهم ساهبة للتفكير في الأعدل والأجمل والأفضل، وقد عرفوا وفهموا أن هذه الحياة لن تكون كما يريدون إلا بالديمقراطية، التي هي عندهم ضمان الحرية وممارسة الحقوق حيث يكونون سادة أنفسهم، وبالسيادة يمكنهم أن يختاروا حاكمهم، وأن يناقشوه في مصيرهم ومستقبلهم وكل ما يرقى بهم ويحفزهم لمجابهة كل ما يعترضهم من تحديات، وأن السلطة، وهي سلطتهم، لا تكون متجمعة في يد فرد مهما كانت مكانته وشرعيته بل تتفرق وتتوزع، بين ثلاث سلطات( تشريعية. قضائية. تنفيذية) مستقلة، متعاونة، ودون وصاية من واحدة على الأخرى. والشعوب تعرف أن قوتها تكون في تمسكها بالنظام الديمقراطي، نظام الحرية والعدالة والقانون والمؤسسات. أما أن ينتخب الحاكم نفسه، ويجعل أهواءه ورغباته هي القانون، كما يجعل من نفسه قاضيا ومشرعا، ومنفذا فهذا لا يكون إلافي الحكم الاستبدادي المفردي المطلق ، وهذا ليس نظاما بل فوضى، وفرق كبير بين الفوضى والنظام.ونحن ، إذا أردنا أن نضع مضمون هذه المقدمة على واقع بلادنا، خاصة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا ومسؤولياتنا الإنسانية وواجباتنا الوطنية تجاه هذا التاريخ، وما يطلع به البعض من طروحات وعرائض،تناشد رئيس الدولة زين العابدين بن علي للترشح أو التمديد لرئاسة الجمهورية من 2014، إلى 2019. أقول أن هذه المناشدات( بداية من رجال التجمع، ثم ال65 من " الفعاليات الوطنية" كما سمتهم بعض وسائل الإعلام ، إلى الاتحاد الوطني للمرأة التونسية( وربما ستمتد العدوى إلى اللجان الثقافية والإتحادات والجمعيات الرياضية... إنتهاءا بالمجلس الإستشاري، والمجلس النيابي، ومن ثَم تنقيح الدستور، والقيام باستفتاء" شعبي" يقر التمديد في الحكم لبن علي، أو المناداة له بالرئاسة مدى حياته)- أقول، وصبري على نفسي ولا صبْر الناس عليّ: قد يبدوا ظاهريا أنها( أي هذه المناشدات) تسعى للمصلحة الوطنية، بينما، وبمقابلتها مع الدستور وما إليه من نصوص قانونية أو عهود وطنية، لا نجدها إلا انتهاكا للدستور وضربا للمصداقية، وعدوانا على قيم الجمهورية. فماذا يريد هؤلاء المناشدون، أو من أنزلها عليهم، لتوقيعها، وربما بعيون مغمضة وعقول شاردة؟. قد تكون لهم مصلحة في ذلك، هم أدرى من غيرهم، وهي، مهما كانت لن تكون مصلحة وطنية، وليست مصلحة الرئيس ولا محبة للرئيس ، لأنها ضد الرئيس وضد الديمقراطية التي طالما بحث عنها الشعب التونسي منذ الفترة الإستعمارية، حيث خرج الشعب التونسي في مظاهرات عارمة طالب فيها ببرلمان تونسي في التاسع من أفريل 1938، ثم خرج مجلسه "القومي" التأسيسي في 25 جويلية 1957 بقراره التاريخي القاضي بإلغاء الملكية واعلان الجمهورية وهو قرار يلغي الحكم الفردي والوراثة بجميع أشكاها سواء كانت ملفوفة في الحرير أو مكشوفة، لكن الرئيس بورقيبة دار حول نفسه ودار به الراقصون والهاتفون والمنشدون والمناشدون، ووجد من صفّر له في أذنه وفرض نظام الحزب الواحد ثم رقد وقام فأوعز ل" فعالياته الوطنية"وحزبه بأن يناشدوه ليعلن نفسه رئيسا للجمهورية مدى حياته وجعل كل السلطات في يده المطلقة، فكان الحاكم والمشرع والقاضي وقائد الجيش، حتى أطال الدهر" شيخوخته" وعجز عن أداء مهامه، فأحالته "لجنة طبية" على التقاعد الإجباري في السابع من نوفمبر الذي استبشر به أبناء الشعب التونسي لما تضمنه بيانه من "قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وإلغاء الحكم الفردي والتلاعب بإرادة الشعب"،حيث أعلن في بيانه:" أن لا رئاسة مدى الحياة، ولا قهر بعد اليوم. وأن الشعب التونسي بلغ من النضج والوعي ما يجعلع جديرا بالديمقراطية" فماذا حدث اليوم؟ هل الشعب التونسي فقد نضجه ووعيه ليحرم من اختيار حاكمه في الآجال والاستحقاقات التي يكون مدعوا لاختيار الرئيس؟ ثم، أليس من أكبر القهر أن يُضرب بالدستور ظهر الحائط والطريق والأهواء، فيقال له: يا شعب ليس فيك من هو قادر على قيادتك إلاّ رجل واحد هو زين العابدين بن علي؟ وماذا نقول والعمر يكبر به، وقد لايكون قادرا على الحكم في سنة2014، إلى 2019 ، وللعمر أحكامه وللجسد قدرته المحدودة، والدستور حدد سن السبعين ثم فيما بعد الخامسة والسبعين كأقصى حد للعمر عند الترشح لرئاسة الجمهورية، حيث أنه بعد هذا العمر تبدأ الأمراض والعجز في الهجوم على الجسد؟ وفوق هذا كله الدستور حدد العمر الممكن فلماذا نتحداه ونرفضه؟ كما أن التداول السلمي على الحكم مبدأ من مبادئ الديمقراطية التي ترفض الوصاية وترفض التمديد، باعتباره شكلا من أشكال التوريث يقوم الحاكم الفرد بتوريث نفسه لنفسه وبنفسه !؟ . صحيح أن المناشدون يمارسون حقهم في التعبير والأصح أننا نمارس حقنا في النقد والدفاع عن الحقيقة وقيم الجمهورية والديمقراطية، وكما أن هؤلاء المناشدين للرئيس ليواصل الحكم فإننا نناشده ألاّ يترك نفسه لتطول به شيخوخته، ونريد له أن يخرج من الحكم محبوبا محترما، باحترامه لشخصه ولشعبه ولتاريخ هذا الشعب الأبي ولنضالاته. أما الذين ناشدوه التمديد بأي شكل كان، فإننا نقول لهم أخطأتم الهدف وأخطأتم الوسيلة والطريق. ومهما كانت قيمتكم السياسية والتاريخية والفنية والمالية والصحفية والأدبية فإن الشعب التونسي أكبر منكم وأعظم بقيمه وتطلعاته ونضالاته، فارجعوا إلى الطريق السوي واحترمونا واحترموا إرادتنا، وليس أمامنا جميعا إلا الخيار بين الديمقراطية وبين الفوضى. وقد يكون لنا عودة إلى هذا الموضوع. قليبية في 14 أوت2010 . رئيس الفرع : عبد القادر الدردوري