تزايدت حدة الجدل بين الإسلاميين والعلمانيين في تركيا في أعقاب تأكيدات رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان أنه من حق المتدينين الانخراط في السياسة. وجاءت تصريحات أردوغان بعد 3 أيام فقط من تحذير الرئيس أحمد نجدت سيزر من أن بلاده تواجه "تهديدا متزايدا" من جانب الإسلاميين، فيما يشن عدد من وسائل الإعلام التركية حملة مضادة لحكومة أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم تحذر من تزايد ما أسمته ب"التطورات المناهضة للعلمانية". وقال أردوغان السبت 15-4-2006 أمام حشد من رجال الأعمال المسلمين المحافظين في إستانبول: "في هذا البلد من حق المتدينين أيضا العمل بالسياسة.. لا ينبغي لأحد أن يعطينا درسا في مسألة التطرف". ولم يذكر أردوغان الرئيس سيزر بالاسم ولكنه قال: إن الأتراك لن يغفروا محاولات إبعاد المتدينين عن الساحة السياسية. وكان الرئيس سيزر -الذي ينتهج العلمانية ولا يثق في حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب جذوره الإسلامية، بحسب وكالة رويترز- قد قال الأسبوع الماضي: "إن التطرف الديني بلغ حدودا تنذر بالخطر". وأبلغ سيزر تجمعا لضباط الجيش الأسبوع الماضي أن ما وصفهم بالمتطرفين "يحاولون التسلل إلى مجالات السياسة والتعليم والدولة". واعترض سيزر على الكثير من تعيينات حزب العدالة والتنمية بالمناصب الحكومية لأسباب قيل إنها تتعلق بخلفيتهم الدينية، وكان من ضمن الذين اعترض عليهم مرشح الحكومة لشغل منصب محافظ البنك المركزي في الشهر الماضي، وتردد أن السبب هو أنه رئيس بنك إسلامي يعارض مبدأ الفائدة. على جانب آخر حذر "أوزجن أكار" الكاتب في صحيفة "جمهوريت" التركية التي يرتبط صدورها بتاريخ تركيا العلمانية في مقال له من تنامي الإسلاميين قائلا: "حملتنا تستهدف هذه الحكومة.. فالتطورات المناهضة للعلمانية في السنوات الأخيرة تهدد تركيا ومؤسساتها". وأضاف أكار أن الأمر "لا يتعلق فقط بالعمائم والمدارس (الدينية).. إنه هجوم أخطر بكثير على العلمانية في البلاد"، مشيرا إلى "محاولات لتعيين أشخاص من ذوي العقليات الدينية في مناصب عليا". وكتبت الصحيفة في عنوان رئيسي على صفحتها الأولى مكتوب باللغة التركية "أتدركون الخطر؟". وكتبت العنوان أيضا بالشكل العربي من اليمين إلى اليسار. ويرى الخبراء أن الطريقة العربية التي كتب بها العنوان يعد تلميحا مبطنا للأتراك بأن حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة رئيس الوزراء أردوغان يريد الانقلاب على تغييرات مصطفى كمال أتاتورك الذي أقام النظام العلماني في تركيا، والتي كان من بينها استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية في كتابة اللغة التركية. من جانبه قال "إيهان سيمسك" المحرر الدبلوماسي في صحيفة "الأناضول الجديد" التي تصدر بالإنجليزية: "ليس هناك شيء جديد جذري بشأن الطريقة التي يدير بها حزب العدالة والتنمية الأمور.. لكن الانتخابات تلوح في الأفق، وأردوغان في حاجة لتوصيل رسائل مناسبة لتنظيماته القاعدية". ويقول محللون لوكالة رويترز بأن المؤسسة العلمانية القوية التي تضم الرئيس والجيش والقضاء ترى أن حزب العدالة والتنمية يمثل خطرا داهما على الوضع القائم. ويخشى العلمانيون للمرة الأولى في تاريخ تركيا الحديثة أن يختار البرلمان رئيسا للدولة له خلفية إسلامية قوية ويكون رئيسا من حزب العدالة والتنمية؛ الأمر الذي يجعله قادرا على تعيين أشخاص ذوي عقلية دينية مشابهة في المناصب العليا في مؤسسات الدولة بحسب آراء المحللين. ويعتبر الجيش التركي القوي الضمان الأساسي للنظام العلماني الذي أسسه أتاتورك في عام 1923، وكان قد أطاح عام 1997 بحكومة اعتبرها تميل إلى التوجهات الإسلامية. ملتزمة بالعلمانية وفي مقابل هذه التحذيرات من قبل العلمانيين ينفي حزب العدالة والتنمية الذي جاء للسلطة في عام 2002 مستندا إلى فوز كاسح أن يكون لديه أي برنامج ديني، متهما أحزاب المعارضة الضعيفة نسبيا بالانتهازية. وقال محمد علي شاهين، نائب رئيس الوزراء التركي: إن الحكومة ملتزمة بالعلمانية مثل الرئيس. وأضاف أن "الحكومة تأسف لأن سيزر لم يبلغها بمخاوفه". انتخابات الرئاسة والبرلمان ويتصاعد هذا الجدل في تركيا فيما يتزايد التوتر بين حزب العدالة والتنمية والعلمانيين، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر أن تجرى في العام القادم. ويتمتع حزب العدالة والتنمية بأغلبية في البرلمان تمنحه الفرصة لاختيار رئيس للجمهورية في مايو 2007 عندما تنتهي فترة ولاية سيزر؛ حيث لن تجرى انتخابات برلمانية قبل نوفمبر 2007. وتعتقد بعض وسائل الإعلام أن أردوغان الذي سجن ذات يوم لإلقائه قصيدة دينية سيرشح نفسه للرئاسة، غير أن المفارقة هي أن كلا من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والجيش يتمتعان بشعبية كبيرة، بحسب رويترز. لكن المحللين يقولون: إن حزب العدالة والتنمية سيظل في حاجة للحصول على موافقة الجيش الذي يتمتع بنفوذ قوي كي يواصل إصلاحاته الحساسة. ويرى المحللون أنه لا ينبغي لهذا الجدال الأخير بين الإسلاميين والعلمانيين أن يضر بالانتعاش الاقتصادي القوي الذي يرجع أساسا إلى احترام الحكومة الصارم لتعهداتها بالإصلاح التي قدمتها لصندوق النقد الدولي، والمضي قدما في خططها للانضمام للاتحاد الأوربي.