منذ زمن بعيد وشعوبنا تعيش آلام ومعاناة الهزائم العسكرية والسياسية المتلاحقة وبالتحديد على مدى اكثر من نصف قرن من الزمان عاشت هذه الشعوب تحت اعلام ورايات وشعارات دويلات الطوائف العربية. دويلات مستقلة وذات سيادة، ولها جيوش وجنرالات، ومعدات عسكرية من احدث ما صنعه الاوربيون والاميركيون والروس والصين . وقالوا لنا فى بيانات ونشرات رسمية انهم دفعوا بلايين الدولارات ثمنا لأحدث الطائرات العسكرية ، والدبابات والصواريخ، وفى كل عام يستعرضون جيوشهم وطائراتهم ودباباتهم، فى فخر ونشوة وكبرياء وفى اكبر ميادين العواصم العربية ... وعندما تاتى ساعات الحرب والمواجهة تخنس اصوات الجنرالات، وتختفى الطائرات والصواريخ، وترتفع دعوات الحكمة والاعتدال وخيار السلام الاستراتيجى. وتاتى لغة الحسابات، لغة الخسائر والأرباح، فماهي تلك الحسابات ؟ قال لنا الحكام العرب الجالسون على كراسى الرئاسة والزعامة بصورة ابدية ان جيوشهم لا تستطيع ان تخوض اي حرب بعد ان هزمت فى اعوام 1948 و 1956 و1967 و 1973 و 1991 و 2003. ان تلك الجيوش لا قبل لها بالقوة العسكرية الاسرائلية ، والامريكية والأوربية الى آخر الكلام الذى عرفناه وحفظناه وكدنا ان نصدقه لولا اعمال وانجازات المقاومة اللبنانية ... قال لنا كثير منهم ليس هناك موقف عربي موحد. وليس هناك ثقة فى البعض منهم. وليس هناك سند دولي يساوى السند التى تتكأ عليه اسرائيل .. ولكل هذه الحسابات البائرة والبائسة سلموا جميع اوراق المعركة الى واشنطن لتحقق لهم السلام مع اسرائيل، اي لتضمن لهم البقاء على صدور الشعوب كالسرطان الرئوي الذى يفتك بالجسم فى اقصر الأوقات. لقد عاش هؤلاء الحكام من اجل بطونهم وشهواتهم، واهتموا بالأمور التافهة من الحياة، اهتموابالقابهم التى لا معني ولا مضمون لها، اهتموا ا بقصورهم وسياراتهم المصفحة ، وطائراتهم الخاصة، واهتموا بمعاركهم الصغيرة الحقيرة فيما بينهم، واحيانا يحركون جيوشهم على حدود بلدانهم ليقاتل الأخ اخاه والجار جاره .جعلوا من انفسهم واحيانا من شعوبهم اضحوكة العالم بسوء ارائهم وسياساتهم وافعالهم الخسيسة .. لكن التاريخ وحركة الشعوب لا تظل دائما فى حال ركود، والحسابات لا تظل دائما كما يريد هؤلاء الحكام الجهلة المستبدون .. هناك حسابات اخرى تديرها وتصنعها عقول وارادات اخرى . ان الأبطال فى هضاب ووديان الجنوب اللبناني قلبوا كل الموازين وكل المعادلات وكل الادعاءات وما تنطوى عليه من وهن وضعف فى نفوس وعقول الحكام، وقدموا صورة رائعة للشجاعة والبطولة واتقان فن المواجهة برصيد معرفي اذهل الاعداء، واربك حسابات الحكام المهزومين، واعاد الى الشعوب الروح والأمل رغم كل الخسائر. هنا حسابات اخرى قام بها رجال من الجلدة ذاتها من الشعوب ذاتها من التراب ذاته لكنها حسابات من ورائها ايمان وعقيدة وارادة وثقافة جمعت بين الأصالة والمعاصرة، حسابات وراءها عقول مثل عقل حسن نصر الله، الذى اصبح زعيما حقيقيا لكل الأمة لما يمثله من حكمة وشجاعة وصدق وامانة واستعداد للشهادة. يارجال المقاومة الأبطال ان انتصاركم فى ميدان المعارك الشرسة هو اكبر فعل لأنتشال الامة من حال الفشل والاحباط والذل الذى كان سببه الأساس الحكام العرب انتم اليوم غرة هذه الامة، وما جسدتموه من قول وفكر وتخطيط وعمل هو الدليل على وجود قوة كامنة فى كل شعب من الشعوب العربية، وها انتم ترسمون بنهجكم وافعالكم وحساباتكم طريق الأرباح والانتصارات، ها انتم تكتبون بدمائكم وشهدائكم شهادة ميلاد مرحلة جديدة، وميلاد رؤية جديدة لكيفية دحر المعتدين الغاصبين ... لقد اثبتم ان الأمة بخير، وان حساباتكم كانت صحيحة رغم قلة عددكم وعدتكم، وان حسابات الحكام ومؤسساتهم كانت كاذبة ومغشوشة. ولكن لابد ان استثنى حاكما واحدا فى هذه الأيام العصيبة ، انه الرئيس اللبنانى اميل لحود الذى يقف مع المقاومة ويدافع عن اعمالها ويرى فيها القوة الوطنية القادرة على دحر العدو . لقد تفرد بموقف شجاع، وقدم تفسيرا عسكريا وسياسيا جعله شريكا للمقاومة .. فى حديثه للجزيرة يوم الاثنين 31/7 /2006 كان واضحا فى افكاره وموقفه، وكان اسثناء عما اعتاده ومارسه الحكام العرب من تخاذل وجبن وحسابات خاطئة وكاذبة .... لاشك ان امكانيات المقاومة صغيرة ومحدودة وقد لا تبلغ ما تتمناه الشعوب المقهورة المقموعة، ولكن صمود رجالها يظل علامة فارقة ومضيئة فى مرحلة عربية مظلمة بفعل حسابات الحكام العرب واستبدادهم وطغيانهم واذلال شعوبهم حتى كانت النتيجة ما يشاهده الجميع من تشرذم وضعف وهوان. ان حسابات الحكام العرب وجبنهم هي سببب كل هذا البلاء.