عندما اندلعت الثورة الشعبية فى تونس كانت حكومات الجوار أول من هزته جموع الشباب وهي تزحف من مدينة إلى أخرى معلنة غضبها ومطالبها بالحرية والكرامة والعيش الكريم ...ومنذ الأيام الأولى لانطلاقة ثورة الشباب بدأت نظم الجوار تخشى من نجاح هذا الحدث الكبير الذى لم يكن يتوقعه أحد، وصارت بعض تلك النظم تشكك فى تلك الثورة الشعبية وفى قدرتها على النجاح، وتشكك فى أهدافها، وتشوش على مسيرتها فى محاولة لارباكها وافشالها .... والدارس لتاريخ الثورات الكبرى ومنها الثورة الفرنسية 1789 يلاحظ أنها مرت بذات المواقف من جيرانها وخاصة من بريطانيا ... كانت أوربا فى ذلك الزمن تحكم من قبل أنظمة ملكية، وكانت تخشى من انتشار تلك الظاهرة ... بل إن بريطانيا عمدت إلى تحريض مجموعة من الدول الأوربية للوقوف ضد فرنسا وثورتها ... وما جرى فى تونس كان لا بد أن يثير مشاعر الخوف عن النظم العربية بصورة عامة، وعند نظم الجوار بشكل خاص، فهي أول ثورة شعبية عربية ... لكن هذه الثورة باغتت الجميع وجاءت سريعة وحاسمة وهي التى أربكت الجميع وفى مقدمتهم النظام التونسى الاستبدادي البوليسي ... وكان نظام الحكم فى ليبيا المجاورة لتونس أول نظام يعلن رفضه للثورة التونسية على لسان رأس النظام فيه .... وسخر حكام ووزراء فى نظم عربية أخرى من أحتمال أن يحدث فى بلدانهم نفس الذى حدث فى تونس . نعود مرة أخرى إلى موقف بريطانيا من الثورة الفرنسية حيث لم يقتصر عملها على شن حملة دبلوماسية بل تجاوزها إلى التدخل العسكرى وقام الاسطول الانجليزى بمحاصرة سواحل فرنسا على المحيط الاطلسى أو على البحر الأبيض المتوسط ، ووصل التدخل إلى درجة احتلال ميناء طولون ... وعملت على دعم بقايا الأسرة المالكة وبعض الاقطاعيين ودعمتهم بالمال والسلاح . وكاد أن يحدث ضد تونس وثورتها التدخل ذاته، ولكن الزمن قد تغير ولم يعد من المقبول أن تتدخل دولة ضد جارتها فى شأن داخلي يهمها وحدها. كما أن وسائل الاتصالات الحديثة والسريعة والتى تنقل أي تحرك بالصورة والصوت صارت أداة مهمة فى فضح أي محاولة للتدخل عبر الحدود أو محاولة تسريب أية مجموعات أو معدات للقيام بأعمال تخريبية . كل تلك المحاولات والمخاطر كانت تحف بالثورة الشعبية التونسية ولكن فجائية الثورة وانتشارها بسرعة أذهلت الجميع وشلت قدراتهم البوليسية واربكت حسابات أكبر الدول " الولاياتالمتحدةوفرنسا " وغيرهما من الدول. ورغم ما حققته الثورة التونسية من نجاح فإنها لا تزال مستهدفة من عدة قوى ومن عدة دوائر والضامن الوحيد لعدم اجهاضها هو يقظة المجتمع التونسى بكل تياراته السياسية والفكرية وروابطه النقابية والمدنية .... بعض دول الجوار ستعمل على توظيف ما لديها من ثروات للضغط والإفساد كلما وجدت سبيلا إلى ذلك وهناك تجارب ومحاولات سابقة ومعروفة لدى التونسيين . كل عربي يريد لثورة تونس باعتبارها أول ثورة شعبية أن تنجح وأن تكون مثلا يحتذى به ... وأي فشل يصيبها سيصيب كل الشعوب العربية بالاحباط والأسى ... تونس كانت قبل الثورة بلد السياحة الترفيهية ... وبعد الثورة ونجاحها فى بناء نظام عصري ديمقراطي تعددي سوف تصبح بلد السياحة السياسية ... وسوف تتدفق عليها وفود الزوار باعتبارها واحة لحرية التفكير والتعبير والابداع ، وسوف تكون مركزا للاستثمار لأنها دولة تطبق القانون بكفاءة وشفافية ... تلك هي تونس التى نحلم بها فى غدها القريب ...فكما كانت مهبط أول ثورة شعبية عربية ، فهي جديرة بأن تكون أول دولة عربية تطبق القانون وتديرها المؤسسات، ومن يدخلها يكون آمنا فى نفسه وماله .