لم يراودني اليأس يوما بعد عقد ونصف من المنفى الاجباري تجاه رؤية أوضاع بلدي تونس وأوضاع المنطقة والأمة وهي تسير قبالة أفق أرحب وأفضل,واليوم اليوم بعد قصف بيروت وتحطيم مساحات واسعة من معمار لبنان المشرق واغتيال متكرر لمعاني الانسانية والادمية بعيد قصف قانا وصور وبعلبك والكثير من حواضر لبنان الشموخ وفلسطينالرباط ,ومن ثمة ازهاق أرواح بشرية تعد بالمئات والالاف كان مايزيد عن ثلثيها من أرواح الأطفال والنسوة و العجز,اليوم تجدني مضطرا الى العودة الى مربع الدرس المستخلص من هذا العدوان البربري على بقايا الكرامة البشرية فوق أرضنا وتحت سمائنا العربية وفي محضن مهبط الرسالات ومنطلق الدعوات نحو رسالة الاصلاح العالمية. اليوم تجدني مجددا الأمل قارنا اياه بمقتضيات الألم,حين أكرر النداء الى ذوي النوايا الحسنة في بلدي وفي سائر بلاد العروبة والاسلام بأن مصيرنا شعوبا وحكومات وجغرافيا وتاريخ وحضارة هو مصير مشترك وبأن العدو لن يرقب فينا الا ولاذمة متى أتيحت له الفرصة الى ذلك سبيلا... اليوم أستيقن بأن دعاوى الاصلاح والدمقرطة في منطقتنا العربية والاسلامية حينما كانت بالأمس دعاوى خارجية عالية الصوت لم تكن الا كلاما معسولا قصد من ورائه النفاذ الى صراعاتنا الداخلية وبالتالي تعميق خنجر الفصل والتقطيع في جسدنا المريض منذ أن أوهمنا بالحصول على الاستقلال السياسي والسيادي... اليوم تنكشف حواضن القيم العالمية التي شنفت اذاننا بمعسول حقوق الانسان وسحر كلمة الاصلاح وهيلمان كلمة الديمقراطية ,ولكنها لم تذرف دمعة واحدة على أطفال قانا وحولا والقاع أو غزة أو الضفة يوم أن صعدت الأرواح الى بارئها شاكية ظلم وجبروت الانسان ويوم أن تحولت أجساد بريئة ولحوم غضة وأنفس في براءة ملائكة الرحمن الى أشلاء مفحمة امتزجت فيها شعور ودماء وعظام باخر ماأنتجته الة البشر التدميرية من قنابل محرقة وفوسفورية وأخرى لانعلم لها من قبل سميا... أظننا اليوم ,وأجزم بذلك معية-بتشديد الياء- في حق من ألقى السمع والبصر والفؤاد وهو شهيد ,أظننا اليوم أمام مصير واحد مشترك : فالة القمع والتدمير والطمع الامبريالي لم تفرق يوما بين حاكم ومحكوم أو بين محاور عقلاني واخر ذي صلابة في النهج أو المواقف,اذ أن منطقتنا اليوم تتعرض الى هجمة شرسة تستهدف شعوبها وثرواتها ومستقبل أجيالها بل حتى أراضيها ,ومن ثمة تجدني مضطرا الى العودة للحديث عن مرحلة استثنائية تمر بها المنطقة تستوجب معالجات استثنائية قد تدفعنا جميعا الى التنادي الى مربعات الوحدة الوطنية والقومية والثقافية والاقتصادية والسياسية في مواجهة العدوان الخارجي في مقابل تأجيل الخصومات السياسية الكبرى الى مرحلة تقهقر العدوان الخارجي... الظرف السياسي العام الذي تمر به البلاد العربية والاسلامية يقتضي منا اليوم تصفية المشكلات السياسية العالقة باطلاق سراح من تبقى من معتقلي الرأي والاذن بعودة المنفيين وايجاد تسويات سياسية معقولة ومقبولة للاوضاع الداخلية في مقابل عدم لجوء المعارضات العربية والاسلامية الى الاحتماء بالأطراف الخارجية في معالجة أوضاعها السياسية الداخلية. ثمة محور هام وأساسي ينبغي أن يكون حجرا أساسيا في المعالجات الملحة والاستعجالية لما صارت اليه أوضاعنا من تفكك وضعف,وهذا المحور يكون جسره الاعلام الوطني الحر والمسؤول والذي يعالج قضايانا الداخلية والخارجية ضمن موائد مستديرة وهادئة للحوار نخرج بعدها بخلاصات مهمة باتجاه ماهو مطلوب في الظرف الراهن والمستقبل القريب. ان لوسائل الاعلام دورا مسؤولا وكبيرا من أجل ايجاد معالجات ديمقراطية ووطنية وحوارية للعالق من الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخارجية في ظل مايتعرض له المواطن العربي من تهديدات نسف من الوجود والكينونة,ولاشك حينئذ بأن للفضائيات والانترنيت دورا مركزيا في الانتقال من مرحلة شحن الشارع بصور الموت والدمار الى مرحلة تقديم الحلول والافاق لشعوب المنطقة وبعض أنظمتها التي مازالت على أقدار معقولة من الوطنية والانتماء لهموم ومشاغل الرأي العام. انني في هذا الاطار أخلص الى رسالة موجهة الى سائر الحكومات العربية وأجنحتها الوطنية التي مازال لها غيرة على الأرض والعرض,ومفاد هذه الرسالة بأن اصلاح أوضاعنا الداخلية هو المقدمة الحقيقية تجاه اصلاح أوضاعنا الخارجية ولاسيما ملفات فلسطين ولبنان والعراق وقضايا الاحتلال بوجه عام,ولعلني أنطلق الى شيء من التخصيص الى حكومة بلدي التي امل أن أجنحة معينة منها تستخلص الدرس بعد ماوقع للبنان بحاكمه ومحكومه حيث غدى الكل في خندق واحد لافرق فيه بين المقاتل والمفاوض والجالس على الربوة ,وبالتالي الشروع في مراجعة جذرية لسياسات الحقبة السابقة وماترتب عنها من تمزق اجتماعي وسياسي وضعف في مستويات الحس الوطني. اننا بلا شك أمام سنة سياسية جديدة الم يراجع فيها الحكم رصيده ,فان أطرافا خارجية ستندفع بعدها الى البحث مجددا عن الانقسامات الداخلية قصد مزيد من املاء الشروط على الجميع,وليس لنا حينئذ من حل ومخرج وسبيل الا التنادي الى مراجعات جذرية للاصلاح السياسي قصد ضمان تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة أي ضغوط خارجية ,ولاسيما بعد ماحدث من هجوم كاسح على لبنان ,هجوم تشتم من ورائه ارادة سياسية خارجية نحو اعادة تقسيم خارطة المنطقة واعادة اخراجها سياسيا بما يخدم مصالح الدول الأعظم... ثمة فرصة حوارية ستتاح للسلطة التونسية مع مستهل شهر سبتمبر القادم بمشيئة الله مع انطلاق قناة الديمقراطية في ادارة حوار تونسي تونسي,وامل من العاقلين في ادارة الحكم وأساسا من النافذين في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي عدم اضاعتها عبر المراوغة ومزيد من الهروب الى الأمام أو التعالي عن الحقيقة أو المكابرة في التعاطي مع مطالب الاصلاحيين ,ولعلني أكون صريحا اذا قلت بأن اتاحة هذه الفرصة على قناة تونسية مهجرة عرف القائمون عليها بعلاقات طبيعية مع الحكم والمعارضة من شأنه أن يقدم هدية ذهبية الى العاقلين في الحكم من أجل مد الجسور مجددا مع ممثلي المجتمع المدني وقادته وفاعليه ومن ثمة محاولة معالجة الأمور داخل البيت التونسي بعيدا عن التجاذبات الخطيرة لخطوط الضغط العالي المتأتية من مولدات برلمان بريكسيل أو البيت الأبيض. هذه الامال السياسية المنتظرة من بعض أجنحة الحكم يقابلها عهد أخلاقي وسياسي من الزميل الاعلامي والوجه الحواري المعروف د.محمد الهاشمي بألا ينقطع حبل الوصال مع الشأن الوطني لدواعي ظرفية أو ضغوطات سلطوية عند التعاطي مع الشأن الوطني في برنامج "تونس الديمقراطية"... واذا كانت الظروف الاقتصادية السابقة التي مرت بها قناة المستقلة تجعلنا كمشاهدين عرب نتفهم دواعي الابتعاد عن خط التماس مع الشأن السياسي التونسي بعيد ايقاف تجربة المغرب الكبير,الا أننا هذه المرة لازلنا نراهن على ذاكرتنا الجميلة أيام كان الزميل الاعلامي رائدا من رواد الحركة الطلابية التونسية ,حيث كان الد.محمد الهاشمي صوتا منتصرا لقضايا التحرر والانعتاق ونبض الشارع وهموم الجماهير.. الصراحة تقتضي منا القول حينئذ أن التونسيين سيغفرون للأخ والزميل د.محمد الهاشمي صمت بعض السنوات أو ربما اختلال بعض الحوارات التونسية بغياب المعارضة عن موائد الحوار على شاشتي المستقلة والديمقراطية بمجرد النجاح في اعادة الموضوع التونسي الى الواجهة السياسية وبالتالي الانخراط مجددا في ملف النضال من أجل الحريات والاصلاح السياسي الجاد الذي سيكون شرطه الأكبر اخلاء السجون من معتقلي الرأي تمهيدا لمعالجة موضوع المنفيين وفتح ملفات حرية التنظم والاعلام فوق التراب الوطني وليس في المهاجر والمنافي القسرية . وملخص القول تداعيا لما ذكرت أن ملفي الوحدة الوطنية والاصلاح السياسي الداخلي الشامل لابد أن يكونا في المرحلة القادمة أهم ورشات العمل التي تنطلق من وهج أرواح شهداء لبنان وفلسطين وكل السجون العربية التي سالت فيها دماء الأبرياء أو تصعدت فيها الى ربها أرواح الشهداء ,وأن الاعلام لابد أن ينتقل من مرحلة صور القتلى والضحايا وأخبار القنابل والصواريخ ومشاهد الحرب الى مشاهد وصور الوقاية والمعالجات الفكرية والسياسية وأن الحكومات الم تصغ الى صوت العقل والضمير فان مصيرها لن يختلف بعد غد عما حدث لحكومات كانت يوما ما حليفة ونالت ثقة أكبر المؤسسات العالمية النافذة ولكن غباءها لم يغن عنها من العقاب شيئا عبر تفويتها في صمام الأمان ألا وهو الاصلاح الداخلي والوحدة الوطنية والقومية والانصهار مع قوى المقاومة المدنية الانسانية والعالمية. *اعلامي تونسي والمشرف العام على صحيفة الوسط التونسية[email protected]