عرفت تونس ربيع 1864 ثورة شعبية تشبه إلى حد كبير ثورة الكرامة شتاء 2011، بداية من الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى المجال الجغرافي. لكن بينما كانت ثورة 2011 فريدة من حيث تدفق المعلومات والصور المرافقة، ظلت ثورة 1864 وقائدها علي بن غذاهم مجهولة حتى تكاد تختزل في ثورة وقع إخمادها بعد أشهر. ويؤكد أستاذ التاريخ ومؤلف كتاب "ثورة العربان" توفيق بشروش الذي تناول في كتابه ثورة علي بن غذاهم أن قراءة التاريخ هامة جدا لمعرفة مدى تشابه فصول الثورتين إلى درجة أن اللحظة الفارقة تمثلت في رفض القبائل سنة 1864 دفع الضريبة تماما، كما رفض محمد بوعزيزي دفع ضريبة للبلدية لمزاولة نشاطه. الثائر المجهول وقبل الدخول في تفاصيل المقارنة روت منوبية بن غذاهم حفيدة علي بن غذاهم المساهلي (وهو جدها الثالث) للجزيرة نت أن جدها رجل زيتوني كان يعمل عدلا، يحل النزاعات في أفريقيا (القصرين حاليا)، وكان في الخمسينيات حين وحد قبائل المناطق الداخلية وقاد انتفاضة ضد سلطة محمد الصادق باي. ووفق منوبية بن غذاهم فإن ما نعرفه عن هذا الثائر "لا يتعدى اسمه"، بسبب قضاء الباي على سلالته التي لم ينج منها سوى زوجته خديجة التي كانت من قبيلة الهمامة وتمكنت من الفرار بابنيها إلى الخليدية في أحواز العاصمة. تقول منوبية "الشخصية الثانية الأكثر شهرة في تونس بعد حنبعل هو علي بن غذاهم، ولكننا نعرف كل شيء عن حنبعل فيما نجهل تماما بن غذاهم رغم فارق الزمن"، مستغربة تجاهل الرئيس الحبيب بورقيبة مأوية هذه الشخصية إبان الاستقلال. وعلق أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية فوزي سعداوي على الأمر بأن "شخصية بورقيبة ما كانت لتسمح بفتح ملف شخصية قد تجلب لها الأنظار وتكون منافسا لها، لذلك تجاهل ملفه مثله مثل عدد من المناضلين الآخرين". وتتداول عائلة بن غذاهم حكاية تشبه الأسطورة عن وفاته والظروف التي أدت لإخماد ثورته، فقد تسلم جدها من الباي "سبحة الأمان التي تدل على قبوله بالمفاوضات مع ضمان أمنه الشخصي"، لكن الباي ألقى عليه القبض، وقال بن غذاهم وقتها المقولة المأثورة "هذا الباي من باياه"، أي من انتخبه ليكون بايا. تقول منوبية إن جدها "لم يكن دمويا ورفض دخول تونس رغم وجوده في مثل هذا الشهر على مشارفها وقد عمت الثورة أنحاء البلاد"، لكن مع حلول مايو/أيار ومع بداية موسم الحصاد بدأ عقد الثورة ينفرط بعودة الثوار لمزارعهم. ورغم إعلان وفاة بن غذاهم سنة 1867 فإنه لا أحد يعلم مكان دفنه أو مصير رفاته، فيما تقول العائلة إن الباي قد بنى أحد أعمدة برج شكلي ببحيرة تونس على رفاته. تشابه البنى وقال بشروش للجزيرة نت إن شبكة الأحداث تختلف بين ثورة 1864 و2011، لكن "البنى الأساسية والذهنية وفي تصور العلاقة بين الدولة والجهة في الثورتين بقيت نفسها". وأوضح أن جميع عناصر ثورة 1864 موجودة، "لا بل تكاد تكون هي نفسها من إفقار الشعب باسم الإصلاح إلى وجود دائرة محيطة بالباي الذين استغلوا الجباية للإثراء". وقال السعداوي إن الترفيع في الجباية سنة 1864 وإعفاء المدن الساحلية الكبرى يتطابق حاليا مع قصر التنمية في جهات بعينها. ويشير بشروش إلى عدم تغير طريقة تعامل الحكومات القديمة والحديثة مع الجهات، ف"الجور الاجتماعي وتكديس الثروات بطرق غير مشروعة وتهريب الأموال إلى الخارج واستلاب الإرادة الشعبية غير مقصورة على عهد زين العابدين بن علي وعائلته بل هي موجودة في نمط علاقة التونسي مع السلطة". وقال إن البحث في الثورتين يبرز كيف كان الإصلاح مطية لتحقيق مآرب شخصية في مقابل وقوف "نمط القبيلة -وإن في اللاوعي– في وجه التهميش وعدم توازن التنمية بين الجهات". ولاحظ من خلال النظر إلى أسباب الثورتين أن الحديث عن مجتمع عصري وحديث في تونس مع تواصل عمل الآليات القديمة "يفرض علينا أن نعيد النظر في حداثتنا". المصدر: الجزيرة - 6 أفريل 2011