يرى باحثون في تونس أن مجلة الأحوال الشخصية مثلت "ثورة في وقتها"، وقوة جاذبة في تحديث المجتمع، إلا أنهم أكدوا على وجود بعض الإخلالات في تطبيقها ناجمة عن "عدم فهم المغزى الحقيقي من المجلة". وألف المجلة -التي سنّت في 13 أغسطس/آب 1956 أي خمسة أشهر بعد استقلال تونس وقبل إقرار الدستور- الشيخ محمد الفاضل بن عاشور, وقد مهد لفكره عدد من علماء التنوير الزيتونيين في النصف الأول من القرن العشرين. واجهة أنيقة واعتبر بعض من تحدثت الجزيرة نت إليهم أن المجلة أنهت "القدر البيولوجي للمرأة"، مشيرين إلى أن القوانين المستوحاة من المجلة كانت أهم من قوانين المجلة نفسها. غير أن الأستاذة بجامعة الزيتونة الدكتورة إقبال الغربي ترى أن المجلة "أعاقت التحديث السياسي في تونس لأنها لعبت دور الواجهة الحداثية الأنيقة التي أخفت نقص الحريات وعتّمت على فساد السلطة وانتهاكات حقوق الإنسان". وفي المقابل, يرى الأستاذ في علم الاجتماع بجامعة صفاقس الحبيب الدرويش أن المجلة مثلت "أبرز آلية لتمكين المرأة في إطار قوانين وضعية من دون أن تقطع مع التشريع الإسلامي التنويري". وقال الدرويش إن المجلة تجربة تحديثية قامت على أيديولوجية تحييد الأطر القانونية التقليدية وأعطت الحرية لكيان الأسرة العصرية الصاعد بدلا من العائلات الممتدة والعروش. وأشار إلى قرار "رفع سن الزواج والترخيص في الإجهاض الذي حد من انفجار ديمغرافي لا تقدر الدولة المستقلة حديثا عن تحمل تبعاته"، معتبرا أن "القوانين التي لم ترد في المجلة ولكنها كانت مستوحاة منها -كتعميم التعليم- أهم من قوانين المجلة في حد ذاتها على الرغم من أهميتها". وفي السياق ذاته, قالت أستاذة العلوم القانونية في الجامعة التونسية كلثوم مزيو إن المجلة مثلت "رافعة الحداثة في تونس من خلال منح الفرصة لنصف المجتمع للمساهمة في التنمية بمختلف أشكالها". وأضافت أن قرار منع تعدد الزوجات وترك مسألة الفصل في الطلاق بيد القضاء وسنّ النفقة للأبناء والزوجة المتضررة ساهم في خلق مناخ من التساوي في الحقوق والواجبات بين الشريكين. تمرد ومكاسب وأكدت كلثوم مزيو -التي شاركت في تعديل المجلة سنتي 1981 و1993- على أن التعديلات التي عرفتها المجلة "خلقت نوعا من التناقض وعدم التجانس الداخلي بين فصولها القانونية". واعتبرت أنه من المهم إعادة تعديل المجلة ولكن "ذلك لا يعني مكاسب جديدة للمرأة بقدر ما ستكون لصالح الرجل أحيانا، خاصة في مسألة النفقة في حال الطلاق". وأشارت الأستاذة الجامعية إلى أن قرار منع تعدد الزوجات "أحدث تغييرا جذريا من الناحية النفسية للمرأة، التي أصبحت تعرف أن زوجها لن يتزوج عليها، ولن يطلقها إلا أمام المحكمة"، موصية بضرورة أن تدفع المرأة التي تطلب الطلاق نفقة للزوج "حتى ندفعها للتفكير في قرارها". وفي ذات السياق, قال الدرويش إن "الصدمة القوية التي أحدثتها المجلة في المجتمع ربما جعلت البعض لا يفهم مغزاها الحقيقي، ويعتبر أنها تعني تمرد الزوجة ودخول الأطفال في ثقافة التساوي مع سلطة الأب". من جانبها أوضحت الغربي أنها لا تشك في كون المجلة أعادت للمرأة دورها في المجتمع وساهمت في تشجيعها على التعلّم والعمل. إلا أنها أشارت إلى أن تمرد الزوجة و"حدّة الخطاب الذي يميز التونسيات يجسد العنف المعمم الذي كان سائدا في تونس في العهد البائد، حيث وقع تخريب المجتمع المدني في إطار الداروينية الاجتماعية". واعتبرت أن هذا الوضع أدى إلى "تقمص النساء سلوكيات بعض الطبقات الحاكمة"، مؤكدة على أن "المجلة أعاقت بناء منظمات نسائية مستقلة وتبرز المرأة التونسية كذات تاريخية فاعلة"، موضحة أن مدونة حقوق المرأة كانت تجسيدا لمقايضة بين السلطة والمرأة تقضي بتحقيق المكاسب مقابل الولاء التام للنظام. تمسك وتعديل وشددت مزيو على ضرورة أن "تتجه السياسة التشريعية الجديدة نحو الأسرة ولا تفكر في منح الحريات للمرأة والطفل والرجل بشكل منفصل، وهو ما يمكننا من التفكير في مصلحة الأسرة بدل مصلحة الفرد". كما أكد الدرويش على أهمية التمسك بهذه التجربة التحديثية مع ضرورة "خلق مناخ من التقبلية المجتمعية حتى لا يتم تجاوز بعض النواميس التي تحكمنا كمجتمع عربي إسلامي". ولاحظت الغربي أنه على الرغم من دخول المرأة لسوق الشغل فإن الاقتصاد التونسي بقي لا يحترم حاجة المرأة إلى العمل، مع حاجتها إلى الإنجاب وتربية أطفالها فهو لا يوفر محاضن، ورياض أطفال مما يخلق مصاعب التوفيق بين العمل ومسؤوليات الأسرة". وأشارت أيضا إلى عدة مشاكل غير مرتبطة مباشرة بالمجلة ومنها "أن الحياة في المجتمع الاستهلاكي توهم المرأة بأن سعادتها لا تكتمل إلا باقتناء سلع متجددة، الأمر الذي يخلق صراعات داخل الأسرة خاصة وأن سلطة العادات والتقاليد تصور للمرأة أن الرجل من واجباته إسعادها وتوفير كل حاجياتها"