يتردد فى أدبيات الثورات عبارة مفادها أن : الثورات يفكر لها المثقفون، وينفذها الشجعان المغامرون ، ويقطف ثمارها الانتهازيون . وهناك شواهد كثيرة فى التاريخ عن صدق تلك العبارة نسبيا ، والمتتبع لتطورات الثورات الشعبية العربية الحالية يمكنه ملاحظة ذلك... والمتتبع لثورة الشعب الليبى ثورة 17 فبراير 2011 والعارف لما يجرى فوق السطح وتحته يستطيع أن يرى وأن يسمع عينات من " الانتها زيين " الذين يحاولون القفز إلى مواقع ليست لهم وليسوا لها، أي أنهم لا يستندون إلى رصيد تاريخي نضالي، ولا يتمتعون بقدرات مهنية أو فكرية ، ورغم ذلك يتسابقون على المناصب ويظنون أنها وسيلة من وسائل الوجاهة والمال وذلك كل ما يهمهم. هذه الأنواع من الناس لها قدرات خاصة تتصف ب " صحة الوجه " حسب التعبير الليبى ... وصحة الوجه تعنى أن صاحبه لا يستحى ولا يندى له جبين وعلى استعداد أن يتملق وأن ينافق وأن يدعى أنه من أهل الكفاءة حتى يصل إلى هدفه وهو فى الغالب هدف مصلحي مادي . الانتهازى يتظاهر أحيانا بالبطولة والتاريخ الناصع والتضحيات ... وهو فى حقيقة الأمر لا صلة له بتلك الأوصاف، لكنه يظن فى نفسه الذكاء الذى يجعله قادرا على تمرير ادعاءاته وأكاذيبه، ويعمل على التشويش أثناء تنقله من مكان إلى آخر ومن مجلس إلى مجلس . فى مراحل التغير السياسى والاجتماعى الكبيرة وعبر التاريخ البشرى تظهر أنواع من البشر يهمهم نصيبهم من الغنائم ومن المكاسب ولا يهمهم القيم والمبادئ التى انطلقت الثورة من أجلها، ولا تهمهم الأهداف التى مات الثوار فى سبيلها . وللحد من خطر ظاهرة الانتهازيين والمنافقين والأفاكين أبدعت عقول شباب الثورات العربية هيئات شعبية لحماية قيم وأهداف تلك الثورات، وهي هيئات رقابية تعمل على سد أي ثغرة ربما تأتى منها مخاطر تهدد مسيرة الثورة أو تعرقل حركتها، أو تشوه نقاءها . وقد تم إقامة تلك الهيئات فى مصر وفى تونس ومن المحتمل أن تنشأ أمثالها فى ليبيا بل إن بوادرها قد بدأت فعلا وربما تتسع حين تكامل عملية التحرير . كما أن الأمر ذاته سيكون فى اليمن وفى كل بلد عربي تنجح فيه الثورة . إن مثل هذه الهيئات الرقابية تتطلب عدة شروط لنجاحها منها : وجود قيادات من الشبان والشابات من الذين شاركوا فى أعمال الثورة ميدانيا بطريقة من الطرق وعُرفت أعمالهم ومواقفهم... ومنها القدرات العلمية أو الفكرية أو الادارية وأي قدرات أخرى تؤهلهم لفهم ما يجرى على أرض الواقع وتؤهلهم على اصدار الأحكام الصحيحة بحيث لا يظلمون أحدا من العاملين فى مجالات التخطيط والتنفيذ فى مؤسسات الدولة. قال لى أحد الشباب المقاتلين وهو فى الجبهة إنه لا يبحث عن أي شيئ سوى النصر ووضع نهاية لسلطة الظلم والاستبداد والارهاب ... ما أروع هذه القيم عند المقاتلين الشجعان إنهم لا يبحثون عن مناصب ولا يفكرون فى مكاسب دنيوية رخيصة ... لله درهم من رجال عظماء ... هؤلاء هم ملح الحياة وصانعوا التاريخ ... هؤلاء هم زينة الشعوب وأمجادها قديما وحديثا ... إنهم بشر ولكنهم من طراز فريد يدافعون عن شرف أهلهم ويجودون بأرواحهم فى سبيل أن تصان وتحمى أعراضهم ودماؤهم وأنسابهم. الثورات العربية ومنها الثورة الليبية ما تزال فى مراحل التأسيس من جميع النواحى وستقع بعض الأخطاء لأن كل من يعمل يكون عرضة للخطأ والمهم المسارعة إلى تصحيح الأخطاء بروح ايجابية وبمعالجات مقنعة... وتظل القوى الرقابية مهمة بصور مستمرة وبأدوات شرعية وعبر كل وسائل الإعلام والتجمعات الشبابية المؤسسة على قواعد سليمة ومنها أخلاق التسامح وتغليب قيم الصلح بين الناس لأن الصلح يمسح كل الاحقاد ويضع مكانها الوئام والألفة وبذلك يسعد الناس فى حياتهم وفى علاقاتهم وفى أجواء يحكمها منطق التحاور لحل كل الإختلافات واستبعاد العنف استبعادا كاملا . وهذه القوى الرقابية المنظمة والواعية والنزيهة والشجاعة هي إحدى ضمانات نجاح مسيرة الثورة وهي العين الساهرة للتصدى للانتهازيين الذين بدأت تحركاتهم تثير الانتباه فى عدة دوائر وبدأ حماة الثورة يتصدون لهم فى عدة مواقع ميدانية وإعلامية وزادهم الصدق والاخلاص واتباع سبل الحكمة ( والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )