منذ ما قبل الحروب الصليبية على الشرق قبل نحو تسعة قرون حتى ما بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ولا يزال العرب وبخاصة المسلمين هم الشيطان الذي رأت بعض الدوائر في الغرب أن تتجنبه أو تحاربه اذا لزم الأمر. هذا ما يخرج به القارئ بعد الانتهاء من كتاب "الاسلاموفوبيا" لمؤلفه المصري سعيد اللاوندي الذي يرى أن ظاهرة الخوف المرضي من الاسلام هي حصيلة مقدمات وأحداث متراكمة جعلت من يدين بالاسلام "مُجرما وارهابيا ومن ثم يتعين الحذر منه والابتعاد عنه. وهكذا بدا العالم خصوصا في أوروبا وأميركا كأنه مُصاب بلوثة عقلية جعلته يكره العرب والمسلمين ويراهم أقواما من الأشرار واللصوص والرعاع والفوضويين." ورصد المؤلف في كتابه الذي يحمل عنوانا فرعيا هو "لماذا يخاف الغرب من الاسلام.. " بعض الوقائع ومنها هجمات 11 سبتمبر التي قال انها خلطت الأوراق في "الأجواء المشحونة بالعداء للعرب والمسلمين" وكانت كل السبل تصب في مجرى الخوف من الاسلام مشيرا الى أن مواطني 25 دولة هي أعضاء الاتحاد الاوروبي يشعرون بعدم الأمان على أنفسهم بسبب وجود نحو 26 مليون مسلم في بلدانهم. وينحدر معظم مسلمي أوروبا من تركيا ودول شمال افريقيا خاصة المغرب والجزائر. وفي مقدمة الكتاب يلخص اللاوندي شعور هؤلاء الاوروبيين بأنه "أشبه بحال من يترقب لحظة وقوعه في الأسر الاسلامي." لكن الغرب في هذا الكتاب ليس كتلة واحدة متجانسة فهناك من يدعو الى إزالة الآثار التاريخية لحقبة الحروب الصليبية وما تلاها من فترات استعمار للعالم العربي لانهاء "الريبة المتبادلة التي تؤدي الى التصادم" على حد قول لوسيان بيترلان رئيس جمعية الصداقة الفرنسية العربية. وصدر الكتاب هذا الاسبوع عن مكتبة "نهضة مصر" في القاهرة ويقع في 318 صفحة كبيرة القطع. ويكمل الكتاب جهودا سابقة لصاحبه الذي صدرت له في السنوات السابقة كتب منها "القرن الحادي والعشرون.. هل يكون أميركيا.." و"وفاة الاممالمتحدة.. أزمة المنظمات الدولية في زمن الهيمنة الاميركية" و"الشرق الاوسط الكبير.. مؤامرة أميركية ضد العرب". ويضم الكتاب فصولا منها "عرب أوروبا.. هجرة أم تهجير" و"الجاليات الاسلامية في قفص الاتهام" و"مسلمو أوروبا في الميزان السياسي" و"اسلام أوروبا أم اسلام في أوروبا" و"الميديا وصناعة كراهية المسلمين" اضافة الى شهادات لمثقفين وناشطين عرب وفرنسيين أجابوا عن سؤال "لماذا يخاف الغرب من الاسلام؟..". ورغم حث المؤلف على تفعيل الحوار بين الثقافات على قاعدة من الندية تنطلق من عدم أفضلية طرف على اخر فانه يشير الى ما يعتبره ازدواجية ثقافية غربية تجاه القضايا العربية. واستشهد على ذلك بقول الرئيس الاميركي جورج بوش ان بلاده تخوض "حربا صليبية" قبل انطلاق الحرب التي قادتها واشنطن عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 وأسقطت نظام طالبان الذي كان يؤوي تنظيم القاعدة في أفغانستان. وبدأت الحروب الصليبية (1096 - 1292) بعد خطبة شهيرة للبابا أوربان الثاني بفرنسا عام 1095 قال فيها "يا له من عار لو أن هذا الجنس الكافر المحتقر عن حق المجرد من القيم الانسانية وعبد الشيطان تغلب على شعب الله المختار" ودعا لاسترداد "الارض المقدسة" من المسلمين. وعلق اللاوندي قائلا ان تصريح بوش حول الحملة الصليبية الجديدة كان "عن عمد وليس زلة لسان" كما سجل تخوف الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون من أن يصبح "العداء للاسلام بديلا عن العداء للسامية." ورصد المؤلف الذي أقام سنوات في فرنسا وحصل عام 1987 على دكتوراه الدولة في الفلسفة السياسية من جامعة باريس بعض ما أسماه الدياسبورا العربية بمعنى الشتات ضاربا المثل بالجالية المغربية التي قال ان لها تاريخا طويلا في فرنسا حيث كان المهاجرون يسعون لاجتلاب بقية أعضاء الاسرة بمقتضى القانون الذي عرف في بداية السبعينيات بقانون "لم شمل العائلة" والذي ترتب عليه تأثيرات اجتماعية ونفسية قال انها بالغة التعقيد. وقال ان الرجل المغربي يقوم بأعمال يدوية نظرا لانه ليس مؤهلا في الغالب وتضطر زوجته بسبب صعوبة المعيشة لاداء أعمال النظافة المنزلية. ويظل الرجل غائبا عن المنزل طوال النهار وفي المساء يفضل الجلوس مع رفاقه في المقاهي العربية ثم يعود وأولاده نائمون "واذا حدث في احدى العطلات والتقى الاب بالاولاد تعذر عليه الحديث معهم لانهم يجهلون العربية... تزداد المشكلة تعقيدا عندما يكبر الابناء وهم لا يعرفون عن بلدهم الاصلي سوى بعض الاشياء الفولكلورية أما الدين واللغة (العربية) ناهيك عن بعض العادات فهي بالنسبة لهم في حكم الغرائب." وأبدى اللاوندي قلقه على مستقبل المهاجرين العرب الذين يتعرضون لحملات "عنصرية" مشيرا الى أن للنازيين الجدد اصرارا على أن "يحرقوا كل الاجانب" الذين يعيشون في أوروبا. وأضاف أن هناك ما يشبه الاتفاق الضمني على اعتبار المهاجرين "الحشرة السوداء" في أوروبا. واستعرض ما وصفه بحالة العداء للمهاجرين العرب في أكثر من دولة قائلا ان بعض العنصريين في ايطاليا يقولون "يجب القضاء على الفئران" في اشارة الى العرب. وقال "كانت دهشتنا ثقيلة ومؤلمة كالفجيعة عندما وجدنا لافتة كبيرة على باب مقهى صغير في احدى الضواحي الباريسية مكتوبا عليها "ممنوع دخول العرب والافارقة والكلاب". وأشار الى أن أغلب رجال السياسة والفكر والاعلام في فرنسا يتعاملون مع الاسلام وهو الديانة الثانية في البلاد بعد المسيحية الكاثوليكية باعتباره "ظاهرة أجنبية وعابرة ويزعمون أن مبادئ الاسلام تتعارض مع مبادئ الجمهورية وأن ثقافته تهدد ثقافة فرنسا."