تونس: الإنتهاء من طباعة الكتب المدرسية والأسعار لم تتغيّر    القمح الصلب ب170 دينار واللين ب140 دينار: وزارة الفلاحة تُحدّد أسعار البذور    البنك المركزي: انتعاش الادخار الوطني يقلّص فجوة التمويل في 2025    عاجل: سيارات مدمرة وجدران منهارة...عاصفة سيدي يوزيد تتسبب في خسائر كبيرة    تونس تختتم مشاركتها في البطولة العربية للتنس باحراز 3 ميداليات منها واحدة ذهبية    شيرين تحذّر: سأقاضي كل من يروّج الشائعات أو يتدخل في حياتي    مهرجان العنب بقرمبالية يفرض شرطا واحدا لحضور عرض الاختتام    الملعب التونسي ينتدب المهاجم امين الله الحبوبي    عاصفة في سيدي بوزيد تتسبب في سقوط جدار وتضرّر عدد من السيارات    تطاوين: تقدّم أشغال إنجاز السوقين البلديين بالصمار والبئر الأحمر ضمن برنامج التنمية المندمجة    العثور على رضيعة حديثة الولادة داخل علبة كرتونية بكورنيش سوسة    أيام قرطاج السينمائية 2025: فتح باب التسجيل في "قرطاج للمحترفين" وورشتيْ "شبكة" و"تكميل"    المجلس المركزي لاتحاد الفلاحة يرفض استقالة رئيس المنظمة    ارتقاء المصور الصحفي الفلسطيني خالد المدهون بنيران الاحتلال    عاجل/ 3 قتلى و13 مصاب في حادث مرور بهذه الجهة    عاجل/ قراصنة يخترقون بيانات 2.5 مليار مستخدم لتطبيق "جيميل"    الكرة الطائرة – مونديال أقل من 21 سنة : هزيمة جديدة لتونس ضد الأرجنتين (فيديو)    عاجل/ العراق يعلن عن خطة لترحيل السجينات الأجنبيات والعربيات وأطفالهن    شقيق شيرين عبد الوهاب يتدخل ويرد على المحامي ياسر قنطوش    في الدورة السادسة لمهرجان مسارات المسرح بالمهدية: عروض وتكريمات وورشات إبداعية    معز الشرقي يتوّج ببطولة التحدي هيرسونيسوس باليونان    "صحة غزة" تطالب المجتمع الدولي بمواقف عملية لمواجهة المجاعة    تونس: الأمن يوقف 4 أشخاص تورطوا في نهب مدارس بالعاصمة    المركز البيداغوجي يعمل على تطوير تطبيقة محمّلة على الهاتف الجوال للعثور على جميع عناوين الكتب    تصفيات المونديال: تونس تواجه ليبيريا في رادس يوم 4 سبتمبر وغينيا الاستوائية في مالابو يوم 8 سبتمبر    فيلم "صمت الراعي" لمروان الطرابلسي يمثّل تونس في مهرجان "Apricot Tree" الدولي بأرمينيا    مشروع تطوير محطة الرياح بسيدي داود سيشكل خطوة هامة في مسار الانتقال الطاقي لتونس    احتياطي النقد الأجنبي يغطي 107 أيّام توريد    بلدية باردو تدعو المؤسسات الى المحافظة على العلم الوطني..    قليبية: غوّاص يُفارق الحياة غرقا    اتحاد تطاوين يتعاقد مع المهاجم حسن الشلي    اختتام اشغال "تيكاد9" باليابان وهذه أبرز المخرجات..    كندا تلغي رسومًا جمركية على السلع الأمريكية    البوندسليغا: كين يسجل ثلاثية في فوز بايرن بسداسية على لايبزيغ    الرابطة المحترفة 1 : البرنامج الجديد لمقابلات الجولة الرابعة    عاجل: أهالي سوسة يعثرون على رضيعة في الشارع    باب سويقة: الإطاحة بمنحرف خطير محل 14 منشور تفتيش    حظك اليوم 23 أوت 2025 : يوم من الفرص والاكتشافات بانتظارك    عاجل/ والي سوسة يدعو لفتح بحث إداري في هذا المرفق العمومي    جلسة عمل في مقر وزارة السياحة للاعداد للدورة الثانية للصالون الدولي للسياحة الواحية والصحراوية    فانس: مداهمة منزل بولتون ليست "انتقاما سياسيا"    عاجل/ أمطار غزيرة ورياح قوية بهذه الولايات بعد ظهر اليوم    عاجل/ درجات الحرارة تتجاوز المعدلات العادية خلال الأسبوع المقبل    بسبب "التهكّم على ماكرون": فرنسا تستدعي السفيرة الايطالية.. #خبر_عاجل    لا تخلطها مع دواء القلب.. 7 أطعمة قد تعرضك للخطر    استراحة صيفية    تحذيرات من كارثة وشيكة في تركيا    دوز : ندوة فكرية حول الإعلام الجمعياتي الواقع والتحديات    ديوان الحبوب يُرخص في مقايضة الحبوب بالبذور إلى غاية ديسمبر 2025    تاريخ الخيانات السياسية (54) .. تمرّد البريديين(2)    عادة يومية الإلتزام بها كفيل بإطالة العُمر    عاجل : رصد هلال شهر ربيع الأول 1447 ه غدا السبت    الخميرة على الريق...هل تساعد على فقدان الوزن؟    أيهما أفضل لعظام الأطفال- الحليب أم السمسم؟    عاجل/ هذا موعد المولد النبوي الشريف فلكيا..    تراجع فائض الميزان التجاري لمنتوجات الصيد البحري ب61,8% في النصف الأول من 2025    موعدُ رصد هلال شهر ربيع الأوّل..    قيس سعيد: الاستعجالي للجميع...دون إجراءات مسبقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرق بين الحالة الفوضوية في ليبيا والتجارب الشمولية الأخرى

في أعقاب خطاب سيف القذافي الأخير ظهرت بعض الكتابات والآراء تتحدث عن مقاربة أو تشابه بين ما يطرحه سيف القذافي أو بمعنى أدق بين وعود (سيف) للشعب الليبي ، وبين بعض التجارب الشمولية الأخرى في العالم، وعلى وجه الخصوص مع التجربة الصينية، أو تجربة مصر في عهد الرئيس محمد أنور السادات.
ومع احترامنا وتقديرنا لكل الآراء والأفكار والكتابات التي ناقشت أو تناولت هذا الموضوع بشكل أو أخر بحيث حاولت ان تضفى بعض التشابه فيما يخص القيام بالإصلاح الإقتصادي كمقدمة للإصلاح السياسي، كما حدث في كل من الصين ومصر، إلا أننا نختلف معها في هذه المقاربة والتشابه، فالمطلوب ليس مجرد التوصيف والعرض للحالة فحسب ، بل المطلوب التحليل الشامل لطبيعة هذه الأنظمة وهياكلها ومحاولة إكتشاف الأنماط المتشابهة في ديناميكية هذه الأنظمة وفي سلوكها السياسي وصولا َ الى التنبؤ بحركتها المستقبلية.
وفي ضوء ذلك فإن الحديث عن التجربة الصينية بغض النظر عن الإختلاف أو الإتفاق معها، لابد وأن يبرز الفارق الهائل والشاسع بينها وبين مايوجد ويدور في ليبيا، أو حتى بإفتراض مايمكن أن يحدث للشعب الليبي من خلال وعود (سيف).
التجربة الصينية تجربة غنية خاصة في مسألة بناء الدولة – مع إعترافنا ورفضنا لكل الممارسات الخاطئه والظالمة التي وقعت عبر مسيرة هذه التجربة على الشعب الصيني - وعندما نتحدث عن الصين فإننا نتحدث عن دولة بكامل عناصرها : هياكل وأطر ومؤسسات وقوانين وضوابط وتقاليد معينة، حتى لو كانت جميعها في إطار الحزب الواحد الذى استطاع أن يجعل من الصين دولة عظمى.
التجربة الصينية في التحليل النهائي لم تحقق الكثير في مجال بناء الدولة على أسس عصرية والدخول الى حلبة الإصلاح الإقتصادي لتحديث مختلف قطاعات المجتمع الصيني إلا بعد التغيير السياسي الذي حدث بوفاة الرئيس (موتسي تونج)، والقضاء على مايعرف بعصابة الأربعة (gang of 4) ) التي كانت تشكل قمة الهرم السياسي وعلى رأسها زوجة الرئيس الصيني (موتسي تونج).
إذن فإن التغيير والإصلاح الإقتصادي الذي أوصل الصين اال حالة من الازدهار االإقتصادي لم يتحقق إلا بعد المرور بالتغيير السياسي حتى لو كان هذا التغيير قد تم في إطار الحزب الحاكم نفسه.
وفيما يتعلق بالتجربة المصرية والتي بدأت في عهد الرئيس محمد انور السادات فأن التغيير السياسي بدء بوفاة رأس السلطة في مصر الرئيس جمال عبد الناصر، وجرى بعدها مباشرة تصفية ماكان يعرف آنذاك بإسم مراكز القوة والتي كان على رأسها على صبري، وشعراوي جمعة وكثيرين غيرهم، كل ذلك تم داخل منظومة النظام المصري نفسه. وهذا يؤكد أن التغيير بدأ سياسياَ أولا ومن القمة وشمل المتنفذين والمسيطرين على مفاصل ومراكز السلطة في مصر.
إذن التغيير والإصلاح السياسي كان ضرورياَ قبل أن تنطلق عملية الإصلاح الإقتصادي في مصر والتي سميت في ذالك الوقت بأسم الإنفتاح الإقتصادي، تم بعد ذلك إطلاق مايسمى بالمنابر السياسية وبعدها بفترة وجيزة إطلاق حرية تأ سيس الأحزاب السياسية.
وعلينا هنا مرة أخرى ألا ننسى أن الدولة المصرية كانت محتفظة بهياكلها وأطرها ومؤسساتها وقواعدها وقوانينها التي ظلت قائمة ولم تحل أو تفكك حتى جرى إستبدالها فيما بعد بهياكل وأطر اخرى. بمعنى آخر أنه كان هناك شكلا من أشكال الدولة التي تعارف عليها المجتمع المدني عبر مسيرته الطويلة.
أما فيما يخص الحالة الليبية ولا نريد ان نسميها تجربة ، فإنها لا وجود لها في القاموس السياسي، وهى حالة لاتعد ولايمكن إعتبارها بمثابة تجربة ولا ترقى إلى مستوى أن تكون تجربة بالمعنى الحرفي والحقيقي للتجربة.
ونقد الحالة الفوضية في ليبيا لا يحتاج الى دليل أو تبرير لآن ماوصل اليه وطننا وشعبنا بعد 37 عام من عمر الإنقلاب ، يعتبر كارثة بكل المقاييس والمعايير، ومسألة النقد لهذه الحالة الفوضوية هي ابعد من أن تكون مجرد تقييم لمدى التخلف والنمو فحسب بل أنها عملية تحاول أن ترتب مراحل ومسؤليات لابد لها أن تتم على أساسها أى عملية للتغيير والإصلاح .
إن جزءاَ كبيراَ من مسؤلية الوضع الخطير الذي وصلت إليه البلاد من تدهور وتخلف يتحمله القذافي شخصياَ، وحالة الفوضى هذه بدأت في شكل تراهات فكرية وممارسات ظالمة وقامعة ومؤسسات (هزلية) وكوادر (فاسدة) ولائها للحاكم وليس للوطن ، كل ذلك جاء به القذافي نفسه.
حالة الفوضى بدأت بالتخبط من خلال إسستعارة التجربة المصرية المعروفة بأسم الإتحاد الإشتراكي ثم بعد ذلك عمت الفوضى من خلال مايسمى (بسلطة الشعب) في مؤتمرات ولجان شعبية وأخرى ثورية متسلطة ولجان تطهير ثم كوميونات وبعد ذلك القيادات إلإجتماعية الشعبية ومنظمات وروابط شبابية .... إلى أخره، مما أفرز حالة هلامية خالية من الإستقرار التنظيمي والهيكلي (للنظام) السياسي الذي يفترض أن تناط به عملية تنفيذ السياسات والبرامج ، هذا من جانب ومن جانب آخر كان هناك شبه إنعدام تام للقوانين والمعايير والمقاييس والمرجعيات التي يمكن أن يلجأ إليها المجتمع أفراداَ أو جماعات.
هذه الحالة الفوضوية أدت الى قيام بعض المتنفذين في السلطة بتجاهل المبادىء والقيم وحتى الأعراف التي كانت تشكل بعض الحدود والضوابط في المجتمع الليبي.
وفي ظل هذه الفوضى العارمة علينا أن نلاحظ أن الشعب الليبي في أغلبيته لم يكن له أدنى علاقة في تحديد الخيارات السياسية والإقتصادية أو حتى التنموية، بل جميعها فرضت عليه عنوة ولم يكن يملك حق رفضها أو معارضتها بل وحتى مناقشتها بصورة موضوعية.
إن المسار التاريخي الذي مضت عليه الحالة الفوضوية هو الذي أوصل ليبيا الى ماهى عليه في الوضع الراهن ،والشعب الليبي بعد هذه السنين الطويلة من المعاناة لا يريد مرحلة انتقالية ينصب له من خلالها طعم في شكل "وعود" لإيهامه بإمكانية التغيير ، ولا سراب على منعطف طريق إصلاح إقتصادي لا يسمن ولا يغنى من جوع.
التغييرإذن يجب أن يكون في الأساس سياسياَ وفي ما عدا ذلك فهو وهم لا يرجى منه شيء سوى إطالة عمر حكم الفوضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.