إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    نهوض المزونة يضمد الجراح ويبث الفرحة بالصعود الى الرابطة الثالثة    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    معهد الصحافة وعلوم الاخبار ينظم "اقتصاديات الإعلام "    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    الرابطة المحترفة الأولى: النتائج الكاملة للجولة 28 والترتيب العام    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    وزارة العدل توضّح بشأن ما تمّ تداوله من معلومات "غير صحيحة" حول تعرض سجين مودع بسجن بنزرت إلى التعذيب    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    قبلي.. الاطاحة بشاب انتحل صفة عون أمن    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    تنبيه للمواطنين بخصوص آخر أجل لخلاص معلوم الجولان..#خبر_عاجل    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تركيا.. مجهول يهاجم زعيم أكبر حزب معارض    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    مجلس نواب الشعب يشارك في أشغال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي المنعقد بالجزائر من 2 إلى 4 ماي    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    الاطاحة بتلميذين بصدد سرقة الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية..!    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    عاجل/ سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب المطار الرئيسي في إسرائيل..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    باكستان تغلق موانئها أمام السفن الهندية    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    الدوري الايطالي.. نابولي ينتصر ويعزز صدارته في الترتيب    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    نادي ساقية الزيت يتأهل لنهائي الكأس على حساب النجم    تعيين مدير عام جديد على رأس "بي هاش" للتأمين    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عند بوابات الحدود : لكي أفرح بك وتفرح بي !!!
نشر في الوسط التونسية يوم 09 - 10 - 2011

في ظل سياسة لا يستحي صُنَاعها من هتك القوانين ، بل ويستمرؤن نهب أموال الخلق بالباطل ، نشأت علاقة غريبة بين المواطن والدولة ، سادها التوتر وميّزها البحث عن \"دفع الضرر\" و\"جلب المنفعة\" بكل الوسائل ، دون تقيُّد بأخلاق أو التزام بضوابط
الوسط التونسية-تطاوين-محمد أبوعدنان العرضاوي*:
\"افرح بي\" عبارة لا يسمعها التونسيون الا عند نزولهم لزيارة بلدهم كل صيف ، أو لأكون دقيقا في كل مرة تطأ أقدامهم ميناء حلق الوادي ،وهي باختصار دعوة وعادة ما تكون ملحّة للفرح و الأكرام ، أي أنّ من يقولها لك يدعوك أن تُكرم وفادته وتَسعد بقدومه، والمُضحك المُبكي في تلك العبارة أن تسمعها من أفواه من يُنتظَر منهم أن يفرحوا ويستبشروا بزيارة المغتربين لأوطانهم ، وهم بداهة ، المستقبلون من موظفي الديوانة وشرطة الحدود ، وجآءت غضبة الشعب بالثورة، لتبدأ تغيير النفوس و المواقع ، وطفقنا نحسّ من هنا وهناك أنفاسها ، واستطاع التونسي أخيرا أن يقف في وجه الفساد والاستبداد ، وحلمنا بنظام حياة جديد ، في كل مجال وعلى كل المستويات ، وظننّا أنّ العبارة ستزول من افواه وعقول السادة المستقبلين لتنتقل الى أفواه السادة الضيوف ، لكن شيئا من ذلك لم يحدُث، أو لنَقُل أن التّغيّر كان طفيفا حتى لا نجانب الدقة ، وفوجئنا تقريبا ببقاء نفس الممارسات ، فلماذا لم يكتمل قرص شمس الثورة بعد، على ميناء حلق الوادي؟؟
قبل الرابع عشر من جانفي ،كان الجو السياسي والاجتماعي العام ،سببا رئيسا في انتشار الكثير من الظواهر ، كالمحسوبية والرشوة والفساد الأداري عموما، أمراضٌ تنخر جميعُها جسم البلاد المنهك، ولم يعد يُستغرب شئ خصوصا في السنوات الأخيرة ، وظهرت في ثقافتنا الكثير من \"الأمثلة\" التي أصبحت فيما بعد مُثلا تعكس واقعًا منحرفا ورديئا ، أصبح فيه الالتزام بأشكاله المختلفة وفي كل المجالات تقريبا ،مثارا للسخرية وعنوانا للطرافة والتّندر وسببا في تعطّل المصالح ،وفي النهاية مجلبة للفقر ، وأنت في كل الحالات مُجبر على أن \" تفعل مثل ما يفعل جارك ، أو أن تحوّل باب دارك\" وخيرٌ لك أن لا تسأل عن التفاصيل و أن لا تحاول الفهم ، واذا قُدّر لك أن تفهم ، فعليك أن تكتم ، لأن \"من خاف سَلِم\" ، وما الى ذلك من أمثلة سلبية صاغتها سلوكات منحرفة ،في ظل فساد طمّ وعمّ لم يسلم منه مجال ، ثم كانت الفوضى في القيم ألفها الناس فما عادت تحرك السّواكن ، ورانت على القلوب لامبالاة عجيبة استُبيحت فيها كل القيم الاجتماعية بلا استثناء ، وفي هذا الجو الموبوء تأسست علاقة التونسي المهاجر بمستقبليه على بوابات الحدود,
لقد كان لميناء حلق الوادي النصيب الأوفر من مشاهد العبث بالقانون ، وباتت ممارسات كالرشوة والمحسوبية عادة لا يُخجل منها ، ولكي لا نجانب الحقيقة فنقع في التجنّي ، لابد من القول أن المهاجر كان هو السبب الأول لهذه الظاهرة ، ولا أقصد هنا أن كل مهاجرينا كانوا يستحلّون ما حرّم الله والقانون ، ولكنني أعني بعضهم من ذوي الطمع والجشع ، والذين لا همّ لهم سوى قضاء شؤونهم بادخال ما يريدون الى البلاد بمنأى عن أي أداء ، لغاية التربح غير الشرعي ، ولأن راتب الموظف في تونس لا يكاد يستر عورات الحاجات ، أضف الى ذلك ضعف الوازع الخُلقي والديني لدى الكثير من موظفي الدولة ، فانهم أصبحوا هدفا سهلا للمتربّحين والمهربين وهواة التحيل والتهرب الضريبي، وما رحم الله منهم الا القليل ، وبعد أن كانوا شواذا يعملون على استحياء ، صاروا بالتمادي أغلبية تنشط بوقاحة ، واذا زال الحياء فاصنع ما تشاء.
وفي ظل سياسة لا يستحي صُنَاعها من هتك القوانين ، بل ويستمرؤن نهب أموال الخلق بالباطل ، نشأت علاقة غريبة بين المواطن والدولة ، سادها التوتر وميّزها البحث عن \"دفع الضرر\" و\"جلب المنفعة\" بكل الوسائل ، دون تقيُّد بأخلاق أو التزام بضوابط ، وغضَّ المستبدون الطرف عن كل ذلك بل وشجعوا موظفي دولتهم وخاصة منفذي القانون فيها ضمانا لولائهم على سلب ما تبقى للمواطن من فُتات ، بعد أن سُلبت منه الكرامة .
إن نجاح الثورة من نجاح أهدافها ، ولمّا كان تطهير الساحة من كل عفونة غاية لم تكتمل بعد ، فان ثورتنا لازالت منقوصة ، ولا أدّعي القول أن التغيير يجب أن يكون فوريا وحاسما ، بل لابد لذلك من صبر ورفق وثبات ، والنفس التي تربَت على استمراء الحرام واستباحة الممنوع لسنوات طويلة، لابد لها من زمن يطول أو يقصر لتعود الى فطرتها ، فنفوس أبنائنا في الديوانة والأمن لم تُجبل أبدا على الممارسات الخاطئة أو تجاوز القانون وخيانة الأمانة ، ولكنها تأذت بما تأذى به المجتمع كله وأصابها نصيبها من أمراضه ، التي صنعها الأستبداد ، لأن الظلم كما قيل ، مرتعه وخيم .
ان ثورتنا التي انتظرناها لعقود طويلة ، لابد أن تكون أولا ثورةً على النّفوس ، تُهزم بها الأنانية الضّيقة وتحقيق المصالح الشخصية التي طبعت سلوك الكثير من التونسيين بالخارج ، ويُمحى بها الطمع والتسلط اللذين عُرف بهما الكثير من موظفي الحدود ، ولكي نساعد كل الأطراف على تغيير ما بالنفوس ، علينا أن نراجع ما بالتشريعات من اجراءات ديوانية وشُرطية تُثقل كاهل المغتربين ، وأن نضمن لموظفي الدولة في المصالح الحسّاسة قدرا من المناعة ، بتحسين أحوالهم المعيشية وتكريس حقوقهم النقابية ، والأوكد من كل ذلك ، علينا أن نُحيي ما مات في النّفوس من الوازع الخُلقي والقِيمي حتى يكون الكلّ رقيبا على نفسه ، وبهذا تصل أشعة شمس الثورة كل شبر من أرضنا ، ويسعد كل منّا بالآخر ، و\"يفرح\" كلّ تونسي بأخيه في ميناء حلق الوادي وفي كل نقطة لقاء على حدود بلدنا أبي الثورات .
*استاذ علوم التربية
تطاوين في 19/07/2011
الوسط التونسية بتاريخ 20 جويلية 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.