مع مرور خمس سنوات على هجمات 11 سبتمبر، وما أدت إليه من تبني الإدارة الأميركية لأجندة تدعو علنا النظم العربية الحاكمة إلى تبني مزيد من الممارسات الديمقراطية، تختلف أراء خبراء الشرق الأوسط في كبرى مراكز الأبحاث الأميركية فيما ألت إليه هذه الأجندة الأميركية مع ما شهدته المنطقة العربية خلال السنوات الخمس الماضية. فمن الأزمة اللبنانية وتنامي التيار المعادي للولايات المتحدة الأميركية، ومن قبلها تحقيق الإسلاميين لإنجازات في الانتخابات التي جرت في مصر وفلسطين والعراق، والخسائر المستمرة التي تلقاها الولاياتالمتحدة في العراق، إضافة إلى نمو التيار الرافض للحرب في العراق داخل الولاياتالمتحدة نفسها، والأزمة مع إيران التي تنذر بمواجهة عسكرية، عوامل جعلت الكثير من المراقبين يتساءلون عن مستقبل السياسات الأميركية الرامية لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية الآن، ومصير الأجندة الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس قبيل بدء الأزمة اللبنانية أن لبنان ستكون مكان مولده، غير أن إخفاقات الإدارة الأميركية المتكررة دفعت الرئيس السوري بشار الأسد إلى إعلان أن الشرق الأوسط الذي ولد في لبنان هو شرق أوسط إسلامي قومي معادي لأميركا. في الوقت الذي تواجه فيه الإدارة الأميركية انتقادات متزايدة بالداخل نتيجة لعدم اقتناع المواطن الأميركي بالجدوى من وراء المواجهات التي تخوضها الولاياتالمتحدة في المنطقة العربية، وارتفاع تكلفة الحرب في العراق، مما حدا بالرئيس بوش أن يعلن عن قيامه بحملة مكثفة تشتمل على إلقاء الخطابات بهدف حشد الدعم للحرب في العراق التي تضاءلت شعبيتها بين الأميركيين في ظل مخاوف الجمهوريين من خسارتهم للأغلبية داخل الكونغرس في الانتخابات التي ستجري في نوفمبر المقبل، وهو ما سيحد من حرية الإدارة الجمهورية في تطبيق سياساتها. ونستعرض هنا تحديدا أراء حول مستقبل المشروعات الأميركية في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة العربية. وهل غيرت الإدارة الأميركية من توجهاتها فيما يتعلق بأجندتها لدمقرطة الشرق الأوسط؟ لا أستطيع القول إن الأجندة الأميركية لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط قد ماتت، لكنها في مرحلة الإنعاش. وأعتقد أن الأجندة الديمقراطية لازالت تمثل توجها استراتيجيا للولايات المتحدة، لكن علينا إعادة التفكير في طريقة نشرها. هناك الآن نقد من قبل البعض للطريقة الولاياتالمتحدة في نشر الديمقراطية. فقد تحركنا في البداية بسرعة لمساندة الانتخابات في المنطقة مثل الانتخابات في العراق وفلسطين ومصر، باعتبار أن الانتخابات عنصر مهم في إستراتجيتنا، ولكن الواقع أن الانتخابات، وإن كانت عنصرا مهما، إلا أنها ليست الخطوة الأولى في مسألة نشر الديمقراطية. فقبل الذهاب لصندوق الانتخابات علينا أن نظل نبني المؤسسات جيلا كاملا، وهو ما يستلزم بعض الوقت. وعليه فإنني أعتقد أن الولاياتالمتحدة ينبغي أن تدعم التوجهات المعتدلة والقيم الديمقراطية، والمجموعات التي تشاركنا نفس القيم الليبرالية المنفتحة. للأسف فإن تصريح كونداليزا رايس في بداية الأزمة اللبنانية بأن لبنان ستكون المكان الذي يولد فيه الشرق الأوسط الجديد كان كلاما سابقا لأوانه، فالأمر لازال أمامه وقت. وفي المقابل، علينا أن نعمل بقوة لنتأكد أن الشرق الأوسط الذي تحدث عنه بشار الأسد لن يتحقق أبدا. ويتفق معنا في ذلك الكثير من الحكومات، وقطاع كبير من شعوب الشرق الأوسط، لأن ما تحدث عنه الأسد ضد مصالحكم كما هو ضد مصالحنا أيضا، أن يكون هناك شرق أوسط يسيطر عليه الفكر الراديكالي الجهادي، القائم على الحرب والمواجهة. كما أن سوريا لا تمتلك نموذجا للتقدم، أو نموذجا إنسانيا. ولا أعتقد أن أي دولة في الشرق الأوسط تريد أن تتبنى النموذج السوري أو الإيراني، فهو ليس النموذج الذي يقدم للكثيرين في الشرق الأوسط الأمل في التقدم. بالطبع لا نريد أن تؤدي سياستنا إلى أن ينتصر المتطرفون، ويستولون على الحكم، نريد أن تأتي مجهوداتنا بقوى سياسية تتبنى الفكر الديمقراطي الذي يخدم مصالح شعوبهم ومصالح الولاياتالمتحدة في ذات الوقت. يبدو أن الحرب اللبنانية سيكون لها عواقب مركبة، أولا فيما يخص أجندة الرئيس بوش في نشر الديمقراطية، لا أعتقد أن الحرب ثبطت من حماس الرئيس بوش بخصوص دور الولاياتالمتحدة في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، فالحرب لا تبدو أنها قد أحدثت تغييرا جوهريا في وجهة نظره في أن الصراع السياسي في المنطقة- كما يراه- بين "الإرهاب" و"الديمقراطية". فقد صرح بوش أكثر من مرة أنه ينظر إلى حزب الله باعتباره منظمة إرهابية، وفي المقابل يصف إسرائيل وأطراف أخرى على الساحة اللبنانية باعتبارها "ديمقراطية" لذا فالأمر يبدو أن الحرب اللبنانية قد عمقت مفهومه بأن "الإرهاب" يجب أن يهزم (عن طريق القوة العسكرية في الأساس) وأن القوى الأخرى "الديمقراطية" يجب أن يتم تقويتها. ومن ناحية أخرى فإن هذه النظرة هي نظرة مبسطة ولا تمت بصلة كبيرة لواقع المنطقة. ولهذا السبب فإن الرئيس بوش، وإدارته أظهروا كثيرا من الصعوبة في ترجمة خطابهم فيما يتعلق بالديمقراطية بالشرق الأوسط في صورة سياسات محددة، تطبق في كل دولة على حدة بطريقة جادة، وهذا الأمر سيستمر باعتباره المشكلة. أعتقد أنه بسبب تعقيد عملية نشر الديمقراطية، وعدم قدرة هذه الإدارة الواضح في متابعة الأمر، والقلق من عدم الاستقرار في المنطقة واستمرار الوضع المتأزم في العراق، وإيران، وتوجيه الإدارة الأميركية للاهتمام نحوهما، فإن الإدارة الأميركية الحالية لن تبذل مجهودات إضافية في الممارسة الرامية نحو نشر الديمقراطية. لهذا وباختصار فإن الخطاب الموجه نحو الديمقراطية وحماس الرئيس بوش لها سيستمر، لكن على المستوى الفعلي فإن السياسات لن تكون قوية أو جادة كما كانت قبل 12 يوليو 2006. ومن الواضح أن القوى التي تنمو الآن في المنطقة هم المسلمون الشيعة في إيران والعراق، وحزب الله بلبنان، فهم حتى الآن المستفيدون من الوضع في المنطقة. وإيران حتى الآن هي الأقوى في المنطقة. وبالمثل فجماعات الشيعية في العراق و لبنان (حزب الله) قوية في الوقت الحاضر، ولكن هذا الوضع يمكن أن يتغير. الحكومة العراقية الآن ضعيفة، وستصبح أضعف خلال الشهور المقبلة. ومن المبكر التنبؤ بما سيكون عليه مستقبل حزب الله. ففي الوقت الحاضر هم يبدون أقوياء جدا، لكن الوضع السياسي بلبنان يمكن أن ينقلب بسهولة. خاصة إذا استأنفت الحرب مع إسرائيل فان كثير من اللبنانيين من غير المساندين لحزب الله يحملونه مسئولية الدمار الذي حل بلبنان. فالوضع الداخلي بلبنان هش للغاية ومن الممكن أن يتحول بسهولة. وأيضا فإن الضغوط الدولية والإقليمية على سوريا يمكن أن تؤثر سلبا على حزب الله. ناثان براون كبير الباحثين في مؤسسة كارنغي للسلام الدولي الحقيقة أن الولاياتالمتحدة حتى الآن لم تضع أجندة واضحة المعالم فيما يتعلق بديمقراطية الشرق الأوسط. إذا كنا نعنى بالأجندة: الإستراتيجية وتطبيق البرامج، فالإدارة الحالية بدلا من تضع إستراتيجية واضحة المعالم فأنها طورت التزاما بلاغيا قويا، وهذا الالتزام البلاغي- الذي يعتمد على ادعاءات الرئيس بوش أنه لا يوجد تعارض بين قيمنا ومصالحنا- لم يكن أبدا خطا واضحا للسياسة. والمجموعة المحددة من البرامج التي تم تطويرها منذ غزو العراق تبدو نسخة طموحة للبرامج القديمة. الأزمة اللبنانية لم تعرقل أي من هذه الأشياء. فلازال المسئولون الأميركيون يتحدثون عن الديمقراطية، واستمرار البرامج. إلا أنني أعتقد أن الأزمة اللبنانية – مصحوبة بالأحداث الأخرى التي شهدتها المنطقة مثل الانتخابات في فلسطين والعراق ومصر- جعلت الظروف المحيطة بالادعاءات الأميركية أقل تشجيعا للإصلاح السياسي والديمقراطية، على مستوى العديد من الأصعدة. فقد ثبطت الحماس المساندة لأي أجندة إصلاح سياسي في المنطقة. (والتي لم تكن مرتفعة بالأساس) وفي العديد من بلدان المنطقة دفعت بمنحنى الإصلاح السياسي إلى أسفل قائمة الأولويات على عدد من الأصعدة. بالنسبة لمشروع الشرق الأوسط الكبير بعد الفوضى الذي تسببت فيها السياسات الأميركية بالمنطقة، من الصعب العثور على أي نجاحات نتيجة تلك السياسات. الغزو الأميركي للعراق سينظر له كأكبر أخطاء السياسة الخارجية في هذا الجيل. لا شك أن السنوات القليلة الماضية شهدت ناجحات مثيرة للإعجاب للحركات الإسلامية، ولكنى لا أعتقد أنهم سيتمكنون من السيطرة على المنطقة- فإذا كانت أكبر نجاحاتهم في العالم العربي هو فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، فإن هذا الأمر لم يقدم نموذجا ايجابيا للحركات الإسلامية الأخرى. أعتقد أن الحركات الإسلامية ستظل قوية. ومعظم الأنظمة ستجد أنفسها غير قادرة على كبتها .لذا فسوف يستمرون في لعب دور مؤثر، لكنه من المستبعد على أي حال أن يسيطروا على المنطقة. جون الترمان مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية لا يبدو لي أن هناك تأثيرا مباشرا للحرب في لبنان على التوجهات الأميركية فيما يتعلق بدمقرطة الشرق الأوسط، فلازال المسئولون في الإدارة الأميركية يعتقدون أن حل مشاكل الشرق الأوسط يأتي عن طريق نشر الديمقراطية، وما تغير هو أنه هناك رأيا متناميا يرى أنه خلال السنوات الخمس الماضية صبت مجهوداتنا في مصلحة نقل السلطة من حلفائنا في الشرق الأوسط إلى أعدائنا وهذا أمر غير مقبول. ويبدو أن الخيار الديمقراطي لازال هو الخيار الأمثل لأنه نظام أكثر انفتاحا يعطيك انفتاحا أكثر من النظام القمعي، وأكثر دواما على المدى البعيد. لدينا انتخابات كونغرس في نوفمبر القادم، والإدارة الأميركية قلقة على ضياع الأغلبية منها، بسبب تناقص شعبية الحرب في العراق وتناقص شعبية الرئيس الأميركي نفسه. في الوقت الذي أصبح فيه غالبية المواطنين الأميركيين أكثر تشككا في سياسة بلادهم الخارجية خلال هذه الفترة الرئاسية. وعادة ما تشهد الفترة الثانية لأي إدارة أميركية عدم اهتمام من قبل الأميركيين لها، ويعطون اهتمامهم للإدارة التي ستأتي بعد ذلك. وفي حالة خسارة الجمهوريين للأغلبية في الكونغرس فسيؤثر هذا على إدارة الرئيس بوش، لأنه سيجد معارضة أقوى من قبل الكونغرس ولن يستطيع تمرير الكثير من القرارات. الحركات الإسلامية أثرت بالطبع على الإدارة الأميركية وجعلتها تعيد التفكير. هناك إحساس متزايد لدى البعض بأن القوى الديمقراطية ستكون متفقة معنا لذا فعلينا أن نساعد هذه القوى الليبرالية المنفتحة، وبالتالي نكون كسبنا أصدقاء أكثر. لكنى أرى أن هذا تفكير خاطئ لأننا قد لا نكسب أصدقاء أكثر ولكن يمكننا أن نخلق مناخ سياسي ديناميكي، يكون صحيا أكثر. وكان من الخطأ أن تنظر الأدارة الأميركية لفوز حماس على أنه خطوة للوراء، وتتعامل مع الأمر بشكل يبعث رسالة للفلسطينيين أنهم ارتكبوا خطأا كبيرا بانتخابهم حماس، وذلك بدلا من أن نتعامل مع حماس وندفعها على اتخاذ مواقف وسطية. لا أرى أننا يمكن أن نقيم نظاما ديمقراطيا في الشرق الأوسط وفي الوقت ذاته نتجاهل التيارات الإسلامية المعتدلة التي تريد المشاركة.